لا يفوّت وزير "الأمن القومي" الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير مناسبة ليحاول إثبات ولائه للعقيدة الصهيونية المتطرفة بتلبية مطالبها لا سيّما فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس، ومحاولة طمس هويته الإسلامية وتهويده قدر ما يستطيع.
فمنذ توليه منصبه، بدأ بن غفير بتحقيق مطالب الجماعات الاستيطانية التي كتبت له عريضة حينها بأحد عشر مطلبًا يتعلق بالمسجد الأقصى، ابتداءً من زيادة أعداد المقتحمين وإطالة المدة الزمانية للاقتحام وتوسيع نطاقه ليشمل عدة أبواب، وغيرها.
وقبل أيام، تعالت أصوات تلك الجماعات مطالبة "ابن غفير" بفتح الأقصى كاملًا أمامهم خلال مسيرة الأعلام الاستيطانية، المقررة تنظيمها في 25 و26 مايو/ أيار المقبل.
وأطلقت "جماعات الهيكل" المزعوم الأسبوع الماضي، عريضة لجمع تواقيع موجهة لـ "ابن غفير" لفتح الأقصى أمام المقتحمين طوال ساعات تنظيم المسيرة.
كما طالب المستوطنون في العريضة السماح بـ "حرية العبادة الكاملة" داخل باحات المسجد، بما في ذلك إدخال ما أسموها "الأدوات المقدسة" مثل الطاليت والتيفيلين ومخطوطات التوارة لأداء طقوسهم التهويدية.
وسنويا، تنطلق "مسيرة الأعلام" من منطقة باب العامود؛ بمناسبة احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس في العام 1967، ويُشارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين والحاخامات والوزراء المتطرفين، ويتخللها تأدية طقوس استفزازية واعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم
محاولة لفرض حقائق..
يقول المختص بشؤون القدس زياد ابحيص، إنّ الاحتلال يفرض حقائق بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى، ففي الفترة الممتدة من عام 2003 وحتى 2008 لم يكن هناك أوقات مخصصة لاقتحامات المستوطنين، لكن منذ عام 2008 عندما بدأت الجماعات الاستيطانية بتنظيم اقتحاماتها، أصبح لديهم 3 ساعات، ثم تدرج الأمر إلى أنّ وصلت اليوم 6 ساعات يوميًا.
ويضيف ابحيص في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن جماعات الهيكل الآن تطالب باقتحام الأقصى بنفس طريقة ما يطلقون عليه "دخول جبل الهيكل"، مشيرًا إلى أنها تحاول بذلك تحقيق هدفين، الأول أن لهم حق متساوي مع المسلمين في الأقصى، والثاني توسيع الأوقات المخصصة للاقتحام.
ويرى المختص بشؤون القدس، أن استجابة حكومة الاحتلال لمطالب الجماعات الاستيطانية ليس بالضرورة أن تتم كما طلبوا، وأنها ليست قريبة، لكنه يشير إلى أن تلك المطالب تحقق هدف هذه الجماعات بالإقرار أنّ مطلبهم شرعي ولهم الحق في ذلك، والثاني توسيع أوقات الاقتحامات وإن استطاعوا زيادة عدد الأبواب التي يدخلون من خلالها إلى المسجد، وعدم الاقتصار على باب المغاربة كممر عبور، وباب السلسلة كممر للخروج عند الانتهاء من الاقتحام.
ويستطرد "ضيف سند": "خلال الأيام الماضية وفي عيد الفصح اليهودي، أقام المستوطنون طقوسًا أمام بابي الأسباط والقطانين بالأقصى، وتم إغلاق باب القطانين لأربعة أيام أمام المصلين لأن المستوطنين يصلون خلفه، وبهذا هم يسعون لتحقيق واقع بتمديد الوقت ونطاق التواجد داخل المسجد، بحيث يكونوا بذات خانة الاشتراك مع المسلمين في هذا المكان المقدس".
ومنذ تولي "ابن غفير" منصبه، كتبت منظمات الهيكل قائمة مطالب أسمتها بـ "قائمة الـ11"، كان منها زيادة أعداد المقتحمين ووضع إرشادات توضيحية للمستوطنين داخل الأقصى، وغيرها، وتعامل الوزير المتطرف مع هذه المطالب بجدية، وحقق حتى الآن 4 منها، وفق ابحيص.
ويتابع: "بن غفير يتعامل مع هذه المطالب باعتبارها بيانه الوزاري وتحافظ على وجوده ومستقبله السياسي، لذلك يعمل على تطبيقها بكل ما يستطيع".
ويلفت ضيفنا، إلى أنه تزامنًا مع مطالبات الجماعات الاستيطانية بفتح الأقصى أمامهم بشكل كامل، فإن الاقتحامات تزداد وتيرتها وبأفواج كبيرة في الوقت ذاته، وذلك كله بناء على برنامج "ابن غفير" بالحفاظ على مستقبله.
ويردف: "جماعات الهيكل هي واجهة الصهيونية الدينية بموضوع الأقصى وابن غفير جمهوره ديني انتخبه وفوضه لتغيير الواقع بالأقصى، كما فعل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالضفة الغربية، بتغيير واقعها واقتلاع الأهالي منها وتوسيع الاستيطان بحيث يحافظ من خلال ذلك على وجوده السياسي".
أزمة سيادة..
ويرى ابحيص أن اهتمام المستوطنين المتزايد بمسيرة الأعلام، ينطلق من أزمة سيادة، عمليا ازدادت أهميتها كانت منطلق منذ حرب 2021 "سيف القدس" التي هدفت لتفريق المظاهرة، حيث بدأت برشقة صواريخ على مستوطنات القدس، ودوّت صفارات الإنذار وتم تفريق المسيرة.
ويشير ضيفنا إلى الهدف والتعبير الرمزي لمسيرة الأعلام، والتي تسعى لإظهار أن البلدة القديمة بالقدس هي للمستوطنين، لكنها لا زالت عربية حتى اليوم، لذلك يدّعي الاحتلال أن هذه المدينة هي عاصمته لكنه بالفعل غريب عنها، فيأتي بمسيرة الأعلام ويجتاح المدينة بالأعلام والرقصات والاستفزازات تحت حماية الشرطة، لإظهار سيطرته عليها، وبالتالي، هي لم تعد تعبيرًا عن السيادة وإنما عن أزمة لأنه لم ينجح بتغيير هوية القدس.
ويستدرك ضيفنا بالقول: "المسيرة تنجح باستعراض الهيمنة الصهيونية على المدينة ولو ليوم واحد، لكن هل يوجد دولة بالعالم تنظم مظاهرة بعاصمتها لتقول إنها عاصمتها؟ هذا لا يحصل إلا بالقدس لأنها ليست عاصمة للاحتلال ولا يوجد أحد ينظم مسيرة سنوية في عاصمته ليثبت أنها عاصمته إلا الاحتلال الإسرائيلي".
تغيير الواقع بالقدس..
من جهته، يرى المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، أن مسيرة الأعلام تكشف عامًا بعد عام، عن زيادة قوة ومتانة "جماعات الهيكل" وتُستغل من قبلهم لإحداث تغيير في كل الوضع القائم بالبلدة القديمة في القدس وفي داخل أسوار الأقصى، بما فيه كيفية الدخول إليه وأعداد المقتحمين وتوقيتهم وتأدية طقوس دينية؛ لنسف كل ما يسمى بالوضع القائم داخل المسجد المبارك.
ويشير شديد في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، إلى أن "ابن غفير" يعد جزءًا مركزيًا من جماعات الهيكل.
ويوضح أنه استطاع خلال العامين الماضيين أن يحول الشرطة الإسرائيلية من جهاز "تنفيذ وفرض القانون" إلى ذراع من أذرع "جماعات الهيكل" وجماعات "اليمين" المتطرف في "إسرائيل" من خلال قيامها بتأمين تحركات المستوطنين والسماح لهم باقتحام الأقصى سنويًا بالطريقة التي يفضلونها، في المقابل تفرض قيودًا مشددة على تحركات الفلسطينيين هناك.
ويرى ضيفنا أن كل يوم يمر هناك هو بمثابة إضافة جديدة لخلق وقائع جديدة في مدينة القدس، مشيرًا إلى عدم وجود ما يمنعه من ذلك، فكل ما يصدر من ردة فعل تأتي في إطار الإدانة والاحتجاج فقط.
وتزامنت العريضة التي طالبت خلالها "جماعات الهيكل" بفتح الأقصى خلال مسيرة الأعلام، مع تداول مواقع ومنصات عبرية فيديو بواسطة الذكاء الصناعي يظهر تفجير المسجد المبارك وإقامة "الهيكل المزعوم" تحت عنوان "العام القادم في القدس".
وعلى إثر ذلك حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من خطورة ما يتم تداوله على منصات تابعة لـ"منظمات استعمارية، بشأن تفجير ونسف المسجد الأقصى المبارك، وبناء الهيكل المزعوم مكانه"، مطالبةً المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية المختصة التعامل بمنتهى الجدية مع هذا التحريض.