لم يترك الاحتلال الإسرائيلي شكلا من أشكال الانتهاكات التي تعارضها القوانين الدولية إلا ومارسها بحق الأطفال الفلسطينيين، في وقت تعجز فيه المنظمات الحقوقية عن وقفها
ومن بين سلسلة متواصلة من انتهاكات الاحتلال، برزت صورة الطفل أحمد أحمد عبد الكريم الديك (12 عاما) قبل أيام، وهو معصوب العينين، ومكبل اليدين، والتي التقطها جنود الاحتلال لاستخدامها أداة ابتزاز لوالده، دون أي اعتبار للقوانين والمواثيق التي تحمي الأطفال.
والطفل أحمد، من بلدة كفر الديك غرب سلفيت شمال الضفة الغربية، سُمّي على اسم أبيه أحمد عبد الكريم الديك، الذي كان أسيرا في سجون الاحتلال عند ولادته، ولم يستطع رؤيته إلا بعد الإفراج عنه بعد قرابة العامين.
وفي فجر العشرين من أبريل/ نيسان الفائت، اقتحمت قوات الاحتلال العائلة ولم يجدوا "أحمد" الأب، فلجؤوا لاستغلال عاطفة الأبوة والضغط عليه باحتجاز طفله.
كان الطفل أحمد يغطّ في نوم عميق حينما أفاق مذعورا على صراخ جنود الاحتلال، وخطفوه من فراشه، وأخضعوه لاستجواب ميداني، في محاولة لإجباره على الكشف عن مكان والده.
وحينما يئسوا من الحصول على معلومة مفيدة لهم من الطفل، عمد الجنود لتعصيب عينيه، وقيدوه، وصوروه وأرسلوا صورته إلى أبيه عبر تطبيق "واتساب"، وهددوه باعتقال ابنه وكل أفراد العائلة إن لم يسلم نفسه.
ولم يكتفوا بذلك، بل أرسلوا للأب رسالة بصوت الابن أجبروه على تسجيلها تحت تهديد السلاح، طلب فيها من أبيه أن يحضر خوفا من اعتقاله وضربه أو حتى قتله.
وبنبرة مرتجفة قال الطفل في رسالته الصوتية لأبيه: "بابا أرجوك سلّم حالك... إذا ما سلمت حالك سيعتقلوني بدلا منك".
مضت على الطفل قرابة الـ 5 ساعات وهو معصوب العينين ومكبل اليدين، ولا يسمع إلا تهديدات الجنود وصراخهم على أفراد عائلته، قبل أن يفكوا قيده ويخلوا سبيله، لكن الأثر النفسي الذي تركته تلك الحادثة لا زال قائمًا وصعبا.
مشهد متكرر
وباتت سياسة الاحتلال باستخدام الأقارب أداة ضغط وابتزاز ضد المطلوبين الفلسطينيين، مشهدا مألوفا متكررا في السنوات الأخيرة، وتصاعدت بشكل كبير ولافت منذ حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ولا يكاد يمر يوم دون لجوء الاحتلال لاعتقال أقارب المطلوبين، ولم يستثن من ذلك الأطفال، والنساء، وكبار السن، والمرضى، وذوي الإعاقة.
وخلال الأسبوع الجاري، اعتقلت قوات الاحتلال المواطن إسلام خديش من مخيم بلاطة شرق نابلس ثلاث مرات، وأفرجت عنه بعد ساعات من كل اعتقال، للضغط على شقيقه المطلوب لقوات الاحتلال لتسليم نفسه.
وتواصل قوات الاحتلال انتهاكاتها المختلفة ضد الطفولة الفلسطينية، بالقتل والجرح والاعتقال، ونتيجة لذلك استشهد في الضفة الغربية 24 طفلا منذ بداية العام الجاري 2025 من بين 131 شهيدا.
ومن بين 9900 أسير في سجون الاحتلال، وفق معطيات مؤسسات الأسرى في بداية إبريل/ نيسان 2025، يقبع نحو 400 طفل في سجون الاحتلال يعانون ذات المعاناة التي يلاقيها بقية الأسرى من تعذيب وتنكيل وتجويع وسلب لأبسط حقوقهم.
انتهاكات بالجملة
ويقول مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، عايد قطيش، إنّ كافة المعطيات التي جمعتها الحركة العالمية تشير إلى أن الاحتلال لم يترك حقا من حقوق الأطفال التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل والمواثيق الدولية، إلا وأمعن في انتهاكها.
وأوضح قطيش لـ"وكالة سند للأنباء" أن هناك صعوبة في توثيق كل الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحق الأطفال بسبب كثافتها وتجاوزها لكل الحدود.
وبين أن "الحركة العالمية" وثقت سابقا حالات تم فيها احتجاز أطفال للضغط على ذويهم لتسليم أنفسهم، وهذا مؤشر خطير على تصاعد جرائم الاحتلال ضد الأطفال.
ويشير قطيش إلى أن مثل هذه الممارسات كانت تتم في السابق، لكن بوتيرة أقل مما هي عليه الآن.
وشدد أنّ: "هناك تصاعد في جرائم الاحتلال ضد الأطفال من خلال عمليات القتل التي تتواصل بحقهم والاعتقالات، وتكثيف عمليات التعذيب وإساءة المعاملة التي يتعرضون لها والظروف الاعتقالية الصعبة داخل السجون من تجويع وترهيب وتعذيب وحرمان.
ولفت إلى أن هذه الانتهاكات أدت لاستشهاد آلاف الأطفال في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل السجون، بسبب سياسة التجويع والإهمال الطبي التي تمارس بحقهم.
وأكد قطيش أن جرائم الاحتلال في الضفة وغزة تجري في ظل حالة صمت دولي، وهو ما يعكس عدم احترام المبادئ والمعايير الدولية، خاصة مع الدعم الذي يتلقاه الاحتلال من قوى عظمى في العالم تمنحه الضوء الأخضر لمزيد من الجرائم بحق الأطفال.
وأضاف أن الأطفال الفلسطينيين يعانون ظروفا قاسية ويتعرضون لسياسات تعسفية وتنكيل وعنف متواصل على مدار الساعة، ما يهدد صحتهم النفسية والجسدية، خاصة وأن الاحتلال ما زال يعتبرهم هدفا رئيسا في حربه على الشعب الفلسطيني.