قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن تجويع المدنيين وتدمير مصادر الغذاء في القطاع غزة، واستخدام الاحتلال الإسرائيلي الغذاء كسلاح حرب في تنفيذ جريمة إبادة جماعية، يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، اتفاقيات جنيف التي تلزم المحتل بحماية المدنيين، نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وآن الأوان لوقفها ووضع حد لمرتكبيها وعدم إفلاتهم من العقاب وفقاً للقانون.
وأكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي، في ورقة موقف قانونية وحقوقية، بثها اليوم الخميس، وصل "وكالة سند للأنباء" نسخة منها، أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود في واقع استثنائي يُعد الأطول في التاريخ الحديث، تميّز بجملة من السياسات القمعية والممارسات العدوانية، بلغت ذروتها خلال الحرب الجارية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي تُصنّف من حيث شدّتها واتساع نطاقها ونتائجها كحرب إبادة جماعية ممنهجة.
وأضاف أن من بين أكثر الجرائم بشاعة التي ارتُكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، هي استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وذلك عبر تدمير متعمّد لمصادر الغذاء، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، واستهداف مرافق إنتاج وتخزين وتوزيع الطعام، وفرض حصار خانق أفضى إلى حالة كارثية من انعدام الأمن الغذائي بلغت حدود المجاعة في بعض المناطق.
وبين "الثوابتة"، أن تجويع السكان المدنيين، وخاصة عندما يتم بشكل مقصود وممنهج، لا يُعد فقط انتهاكاً صارخاً للأخلاق الإنسانية، بل يُصنّف أيضاً ضمن أخطر الجرائم المحظورة في القانون الدولي.
وأضاف أن اتفاقيات جنيف، والبروتوكولات الملحقة بها، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حظرت كافة الممارسات التي ترقى إلى حرمان المدنيين من الغذاء كوسيلة من وسائل الحرب، أو إخضاعهم لظروف معيشية لا تُحتمل، حيث تندرج جريمة التجويع في غزة ضمن الأفعال المحرّمة دولياً سواء في سياق جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جريمة الإبادة الجماعية، إذا توافرت النية الإجرامية والعناصر الموضوعية لذلك.
مشدداً على أن هنال التزام دولي بتوفير الغذاء الكافي في مناطق النزاعات المسلحة، ويُحظر على أطراف النزاع بموجب القانون الدولي استخدام الجوع وسيلةً لإخضاع السكان المدنيين أو معاقبتهم. وقد أكّدت اتفاقيات جنيف، ولا سيما الاتفاقية الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، أن تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب محظور تماماً، وأنه لا يجوز تدمير أو الاستيلاء على المواد الغذائية أو المناطق الزراعية أو مصادر المياه إذا كانت تلك الوسائل ضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.
وأضاف أنه في ضوء كل تلك القوانين، فإن حرمان المدنيين في قطاع غزة من الغذاء، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، وتدمير البنية التحتية الزراعية والإنتاجية، يُعد انتهاكاً صارخاً للحق في الغذاء، ويمثل جريمة مركبة تستدعي الملاحقة الدولية.
ولفت "الثوابتة"، إلى أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وثّقت وقائع متعددة تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي اتخذ من الغذاء وسيلة حرب لفرض الإذلال الجماعي على المدنيين.
وبين أنه وعلاوة على الحصار، نفذ الاحتلال سلسلة من الضربات الجوية والبرية استهدفت بشكل مباشر المخابز ومخازن الأغذية والأسواق المركزية ومراكز التوزيع التابعة لوكالات الأمم المتحدة، إلى جانب تدمير الأراضي الزراعية وآبار المياه والمزارع ومصانع إنتاج الغذاء.
وأشار إلى أن منظمات أممية أفادت بأن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في غزة باتت غير صالحة للإنتاج بسبب القصف أو التجريف أو تلوث التربة. كما تم قصف عشرات "التكايا" التي كانت تقدم الطعام المجاني للفقراء، ما أوقف قدرتها على تقديم الوجبات في وقت بلغت فيه نسبة انعدام الأمن الغذائي مراحل كارثية.
وقال "الثوابتة"، أن النية الإجرامية لم تقتصر على أفعال جيش الاحتلال فقط، بل امتدت إلى قرارات حكومية صادرة عن أعلى المستويات السياسية في إسرائيل، والتي أظهرت تصميماً على استخدام الغذاء كسلاح للضغط الجماعي، وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية عبر فرض المجاعة والتجويع كأدوات قتل بطيء أو تهجير قسري.
وشدد على أنه وبناءً على كل تلك الإثباتات، فإن تحليل الوقائع في ضوء نصوص القانون الدولي، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، والسياسات الميدانية المطبقة، يقود إلى استنتاج قانوني قاطع بتوافر النية الإجرامية لدى سلطات الاحتلال، ويضعها تحت طائلة المسؤولية الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، ووفقاً لأحكام الإبادة الجماعية واستخدام وسائل غير مشروعة في النزاعات المسلحة.
ودعا "الثوابتة"، مجلس الأمن الدولي، استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، أن يتخذ تدابير عاجلة بموجب الفصل السابع، بما في ذلك فرض عقوبات على دولة الاحتلال، وإحالة الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة، إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.
وطالب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية توسيع نطاق التحقيق الجاري بشأن الحالة في فلسطين ليشمل تحديداً استخدام الغذاء كسلاح، واستهداف مراكز التوزيع والمخازن والتكايا، وقطع سلاسل الإمداد الغذائية، باعتبارها أفعال ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية بموجب المادة (6) من نظام روما الأساسي.
ودعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأجهزة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP) ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية(OCHA)، بتوثيق الانتهاكات بشكل رسمي، وإدراجها ضمن تقاريرهم الدورية، والضغط من أجل فتح ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات الغذائية دون قيود سياسية أو عسكرية.
وشدد على ضرورة أن يوحد المجتمع المدني الدولي، والمنظمات الحقوقية، واتحادات المحامين جهودهم في إعداد ملفات قانونية موثقة تُقدّم للهيئات القضائية الدولية، وتفعّل حملات ضغط منسقة لكسر الصمت الدولي وفضح سياسات الاحتلال الممنهجة تجاه الفلسطينيين.
وختم بالقول إن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية جماعية في حال تقاعسه عن التحرك، بما في ذلك مسؤولية قانونية بموجب المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف، تفرض عليه "ضمان احترام" الاتفاقيات "في جميع الأحوال".
وأضاف أن تجويع غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، لا تغتفر أخلاقياً، ولا تُسقط قانونياً، وتستوجب محاسبة عادلة، ووقفة دولية حازمة تنقذ ما تبقى من الضمير الإنساني.