لم تكن هتافات جماهير فريق البنزرتي التونسي، الأحد الماضي، لغزة وفلسطين، ورفع صور الشهداء خلال مباراة جمعت الفريق بالنادي الأفريقي، منفصلة عن تصاعد حب فلسطين في قلوب التونسييين.
وبات "عشق فلسطين" ثقافة متأصلة في الوجدان التونسي، تستند إلى تاريخ طويل امتزجت فيها دماء الشعبين في ملاحم عدة.
ويبدو أن عملية طوفان الأقصى كرست هذه الثقافة لدى الأجيال الجديدة في تونس، حيث سرقت جماهير كرة القدم الأضواء بلوحاتها الفنية في المدرجات، والتي حملت رسائل دعم المقاومة الفلسطينية وتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
ويلاحظ السائر في شوارع تونس انتشار علم فلسطين على الشرفات والمباني، عدا عن صور الشهداء من قادة المقاومة.
وعلى شرفة إحدى المدارس التونسية نصبت صورة ضخمة للشهيد يحيى السنوار إلى جانب عبارة "لا تختبروا صبر غزة، فغزة نار تحت الرماد".
وقال نائب الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس لواء الدين النابلي، في تصريحات إعلامية "منذ الطفولة، تُمثّل فلسطين جزءًا من الهوية التونسية، ليس كمجرد قضية تضامن بل كقضية وطنية، فقد اختلط الدم التونسي بالفلسطيني مرارًا، سواء في الكفاح المسلح أو عند استهداف الاحتلال للأراضي التونسية".
وأضاف "موجة التعبير عن الدعم بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر لم تكن غريبة، بل امتدادًا طبيعيًا لعمق متجذر".
واعتبر أن جماهير الكرة التي تعتبر "الناطق الرسمي" باسم الأحياء الشعبية، ألهمت بأساليبها الفنية تلاميذ المعاهد الذين وجدوا فيها نموذجًا يُحتذى.
كما ساهمت مواقع التواصل في تسريع هذه العدوى الرمزية، وحولتها إلى آلية تفاعل موحّدة تعكس التزامًا أخلاقيًا وهوياتيًا تجاه قضية إنسانية كبرى، وفق النابلي.
وتابع "في ظل تراجع الخطاب الرسمي، الذي انتقل من اعتبار التطبيع خيانة عظمى إلى إحباط مشروع قانون تجريم التطبيع، وتعطيل حملات المقاطعة الشعبية للشركات المتصهينة، تكثّف وعي الشباب التونسي، خاصة في الفضاءات المدرسية والجامعية، بضرورة لعب دور مباشر في مواجهة هذا التراجع".
وفي 8 أبريل/نيسان المنصرم، توفي الطالب فارس (21 عامًا) إثر سقوطه من مبنى عالٍ أثناء محاولته تعليق علم فلسطين، في حادثة عززت تعلق التوانسة بفلسطين وقضيتها.
وفي السياق التاريخي، وقف التونسيون دومًا إلى جانب الفلسطينيين، وشاركوا في إيواء المقاومة والدفاع عن الأراضي الفلسطينية.
كما تعرضت قيادات فلسطينية وتونسية تنشط مع المقاومة، للاغتيال على يد المخابرات الإسرائيلية، على غرار الشهيد محمد الزواري.
والشهيد محمد الزواري هو مهندس طيران تونسي من مواليد 1967، عمل على مشروع تطوير طائرات دون طيار وتصنيعها.
وانضم لكتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس في فلسطين، وكان رائدا لمشروع إنتاج طائرات دون طيار التي استخدمتها الحركة في حربها ضد الاحتلال، في قطاع غزة عام 2014، قبل اغتياله في كانون الأول 2016، في مسقط رأسه بمدينة صفاقس.