صعّدت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، بالآونة الأخيرة، من وتيرة عملياتها وكمائنها ضد قوات الاحتلال في محاور التوغل البري بأنحاء متفرقة من قطاع غزة، أسفرت عن مقتل وجرح العديد في صفوف الجيش الإسرائيلي، فما الرسائل التي تريد المقاومة إيصالها؟
وبحسب البلاغات التي ترد عن فصائل المقاومة، وعلى رأسها "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، تنوعت العمليات ما بين قنص وتفجير آليات، واشتباكات من مسافة الصفر، وغيرها من الكمائن، وقد وثقت الأذرع العسكرية بعضًا من عملياتها البطولية.
وكان آخر هذه الكمائن ما أعلن عنه جيش الاحتلال اليوم السبت، بإصابة 9 من جنوده فجراً بينهم ضابطان برتبة عقيد ومقدم، جراء انفجار عبوة ناسفة في حدث أمني وصفه بـ"الصعب" في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وفي ذلك، يقول الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إنّ العمليات التي نفذتها المقاومة في الآونة الأخيرة ضد الاحتلال، تحمل رسالة واضحة مفادها أنّ "المقاوم الفلسطيني لم يختر الانسحاب من الميدان، رغم كثافة القصف الإسرائيلي والتوغل البري الواسع، وانقطاع طرق الدعم والإسناد عبر مناطق متعددة.
وأكد "أبو زبيدة" في حديثٍ لـ"وكالة سند للأنباء"، أن المقاومة تُنفذ عملياتها بـ"دقة" مُسجلةً تصاعداً ملحوظاُ في عملياتها وتكيَّفاً جديداً، عبر أساليب قتالية تجاوزت المألوف، في وقت كانت فيه التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن المقاومة أصبحت في مرحلة "إنهاك شامل وضعف للقدرات" إلى أن جاءت المعطيات الميدانية والعمليات تثبت عكس ذلك.
ولفت إلى أن المقاومة في قطاع غزة باتت تتحرك بأداء يتجاوز الدفاع الثابت؛ ليتحول إلى حالة اشتباك وكمائن محكمة ومباغتة لجيش الاحتلال.
ويُشير ضيفنا إلى أن المعطيات الميدانية القادمة من غزة، تدل أن الكمائن المتبعة متزايدة بشكل كبير وبهندسة منظمة ودعم لوجستي، ولعل العامل الأكثر بروزًا فيها إعادة تدوير مخلفات الاحتلال.
وعليه، يوضح المختص العسكري أن ظاهرة استخدام القنابل غير المتفجرة من أهم التكتيكات العسكرية التي تستخدمها المقاومة خلال المعارك والحروب، حيث نجحت المقاومة في تحويل هذه المخلفات إلى مورد قتالي مهم تستفيد منه.
وبحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل أيام في تحليل صحفي، أنه "خلال 18 شهراً في غزة، هناك نحو 3 آلاف طن لمخلفات إسرائيلية لم تنفجر، بعضها يزن 1000 كيلو جرام".
ويرى "أبو زبيدة" أن المقاومة تمتلك آليات معينة للاستفادة من مخلفات الاحتلال غير المنفجرة، ما يدل أنها لا زالت حية، إذ تحتاج المخلفات الصاروخية إلى وحدات مخصصة تتابع مواقع سقوط القنابل، وتؤمنها بسرية وتعمل على تفكيكها بدقة عالية، قبل أن تُحول إلى عبوات تكتيكية تستخدم ضد الاحتلال.
"ويُظهر هذا الأمر أن المقاومة لا تتعامل مع المخلفات بعقلية الحاجة فقط، بل بمنهج الهندسة العسكرية المدروسة وتفكيك سلاح العدو وبنفس السلاح الذي يقتل به شعبنا ويدمر بيوتنا"، بحسب ما أورده "أبو زبيدة".
ورغم كل هذه السطوة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية، يُبين ضيفنا أن عودة عمليات الاشتباك القريب عبر كمائن مخططة باتت ملحوظة، حيث تزايدت عمليات التفجير تحت آليات ضخمة، كذلك إعادة تموضع تكتيكات المقاومة، التي تحاول أن تستنزف العدو من نقطة إلى أخرى.
وعلى إثر ذلك، يؤكد المختص العسكري أن مئات المتفجرات التي باتت تستخدم ضد جنود الاحتلال تُظهر أنه فقد عنصر "المُبادءة"، إذ بات يتلقى ضربات من المقاومة التي ما زالت تثبت أنها متجذرة ولديها إمكانيات لوجستية وتخطيط ومتابعة.
ويشدد أن القتال لم يعد مقاومة بالوسائل البسيطة بل أصبح نموذجاً مركباً لحرب هجينة تعتمد على التمويه والتخطيط العملياتي العميق، وتحويل نقاط ضعف الاحتلال إلى موارد قتالية مباشرة، بينما تقوم المقاومة بالاستنزاف الذكي دون الحاجة إلى انتصارات تقليدية وهي تسجل الضربات على الاحتلال.
وعلى صعيدٍ إسرائيلي، تطرق ضيفنا إلى أن الخسائر المتكررة بين صفوف الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك انهيار المباني على القوات وتفجير العبوات المزدوجة، أدت إلى تدهور معنوياتهم، خاصة مع تزايد امتناع جنود الاحتياط عن الاستجابة لنداءات التعبئة.
كما حملت الكمائن بُعدًا معنويًا ورسالة مباشرة إلى الشارع الإسرائيلي، مفادها أن المقاومة، رغم كل الدمار إلا أنها لا تزال قادرة على توجيه ضربات موجعة لجنود الاحتلال.
وأضاف أن المجتمع الإسرائيلي لا يتحمل صور الجنود القتلى، ما ينعكس على قرارات القيادة السياسية والعسكرية، لافتاً إلى أن "كل كمين يقربنا من لحظة إعادة التقييم السياسي لوجود الاحتلال، ويحقق أثرًا تراكميًا يضعف بنيته، ويفقد الجنود الثقة بتقديرات الاستخبارات التي تفشل في كشف الكمائن رغم تقنيات المراقبة العالية".