أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية رفض منظمات الإغاثة الدولية الخطة الأميركية الإسرائيلية الجديدة لاستئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة، معتبرة أن الشروط المصاحبة لها تمثل "خرقًا صارخًا للمبادئ الإنسانية" وتهدد بتمكين انتهاكات جسيمة، قد ترقى إلى جرائم حرب، في القطاع المحاصر.
وقالت الصحيفة إن الخطة، التي تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرضها، تقوم على توزيع المساعدات الغذائية عبر أربعة مراكز خاضعة لمراقبة أمنية مشددة من قبل متعاقدين أميركيين خاصين، يستخدمون تقنيات التعرف على الوجه للتحقق من هوية الفلسطينيين المستفيدين.
ونبهت إلى أنه بحسب الخطة المقترحة فإن المساعدات ستوزع تحت إشراف "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أُنشئت مؤخرًا في جنيف بدعم أميركي.
لكن منظمات الإغاثة، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة "ميدغلوبال" وغيرها، رفضت المشاركة في المخطط، محذرة من أن هذه الشروط "تعسفية وعسكرية" وقد تُستخدم كوسيلة لترسيخ الاحتلال الإسرائيلي، وليس لإنهاء معاناة المدنيين.
وقال مصدر على صلة وثيقة بالمناقشات الجارية بين واشنطن والمنظمات الإنسانية – تحدث لصحيفة الغارديان بشرط عدم الكشف عن هويته – إن "الخطة قد تُستخدم لشرعنة سياسات التهجير القسري والتجويع الجماعي والاعتقال، تحت غطاء تقديم الإغاثة".
يأتي هذا التوتر وسط تصاعد حدة الكارثة الإنسانية في غزة. فبعد شهرين من الحصار الكامل الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ مارس/آذار، يعيش 2.3 مليون فلسطيني تحت تهديد المجاعة، فيما تجاوز عدد الشهداء جراء حرب الإبادة الإسرائيلية الـ52 ألفًا، معظمهم من المدنيين، بحسب أرقام أممية.
وفي تصريح مثير للجدل، برر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطط التهجير القسري لسكان غزة بأنها "لحمايتهم من العمليات العسكرية"، ما أثار غضبًا دوليًا ومخاوف من استخدام المساعدات كأداة للضغط والتهجير.
مخاوف من عسكرة المساعدات وتجريدها من معناها الإنساني
حذر مدير منظمة "ميدغلوبال" جوزيف بيليفو من أن مراكز التوزيع المركزية المقترحة ستمنع الفئات الأشد ضعفًا من الوصول إلى الغذاء، إما بسبب الخوف من التواجد قرب عناصر أمن مسلحين أو لعدم القدرة الجسدية واللوجستية على التنقل لمسافات طويلة في ظل دمار الطرق والبنية التحتية.
وقال بيليفو: "إذا خصخصتَ وعسّكرتَ عملية تقديم المساعدات، فأنت تستبعد شرائح كاملة من السكان. هذا يقوّض جوهر المساعدات الإنسانية".
وتُفيد تقارير بأن إدارة ترامب مارست ضغوطًا شديدة على برنامج الأغذية العالمي ومنظمات أخرى، مهددة بتقليص تمويلها في حال رفضت الانضمام إلى المخطط الإسرائيلي.
وقالت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) العبرية، إن لقاءات عُقدت هذا الأسبوع بين مسؤولين أميركيين ووكالات الأمم المتحدة لبحث "سبل تجاوز العقبات البيروقراطية".
يأتي هذا فيما صرّح ترامب للصحفيين بأن "سكان غزة يتضورون جوعًا، وسنساعدهم"، لكن تصريحاته لم تحجب حقيقة أن الإدارة الأميركية تنسّق مع الحكومة الإسرائيلية خطة مثيرة للريبة تقوم على توطين سكان غزة خارجها، وهو ما عبّر عنه ترامب سابقًا بقوله إن واشنطن يمكن أن "تحول غزة إلى ريفييرا وتعيد توطين سكانها في دول أخرى".
منطق الاحتلال لا منطق الإغاثة
وفقًا لما نقلته الغارديان، يرى مراقبون أن هذا النهج لا يعالج الكارثة الإنسانية، بل يعيد تدوير منطق الاحتلال والسيطرة، عبر تقديم المساعدات ضمن شروط أمنية صارمة تقوّض مبدأ الحياد.
ويقول ناشطون إن السماح بتوزيع المساعدات مقابل الخضوع للفحص الأمني والعزل الجغرافي يجعل من الإغاثة أداة إذلال، لا وسيلة نجاة.
"إذا كانت النية هي حقًا إنقاذ المدنيين، فليُرفع الحصار وتُحمى المنشآت الإنسانية والمستشفيات وعمال الإغاثة"، يقول أحد العاملين في القطاع الإنساني. "لكن ما نراه اليوم هو إدارة أزمة عبر هندسة السيطرة، لا معالجة جذور المعاناة".