حذّرت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها من أن المجاعة والدمار في قطاع غزة هما نتيجة مباشرة لسياسات إسرائيلية ممنهجة، تدعمها الحكومات الغربية عبر التسليح والتغطية الدبلوماسية، محذّرة من أن هذا التواطؤ لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يقوّض النظام القانوني الدولي بأكمله.
وقالت الصحيفة إن صرخات غزة اختنقت تحت وقع الضربات الإسرائيلية على إيران، في الوقت الذي تراجع فيه الضغط الغربي على حكومة بنيامين نتنياهو. إلا أن المعاناة مستمرة، بحسب الصحيفة، مشيرة إلى أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على حشود كانت تنتظر شاحنات مساعدات غذائية صباح الثلاثاء، ما أسفر عن قتل أكثر من 50 شخصًا. ووصفت هذا الحادث بأنه "ليس نتيجة فوضى الحرب، بل نتاج نظام يجعل من الإغاثة هدفاً مميتاً".
تدمير ممنهج للحياة المدنية
استشهدت الغارديان ببيان صدر عن منظمة "أطباء بلا حدود" يؤكد أن ما يجري في غزة هو "تدمير متعمد للأنظمة التي تُبقي الحياة"، بما يشمل المنازل والأسواق والمستشفيات وشبكات المياه، إلى جانب الاستهداف المتواصل للقطاع الصحي.
كما نقلت الصحيفة عن لجنة تابعة للأمم المتحدة تأكيدها أن أكثر من 90% من مدارس وجامعات غزة تعرضت للضرر أو الدمار نتيجة الغارات والقصف والهدم الإسرائيلي المتعمّد.
وأضافت الصحيفة: "هذا ليس دمارًا جانبياً أو ناتجًا عن ضرورات عسكرية، بل هو برنامج إبادة مدني واضح"، مؤكدة أن استمرار الغرب في تسليح دولة الاحتلال الإسرائيلي ودعمها سياسياً يُحوّل خطاب حقوق الإنسان إلى مجرد شعارات خاوية.
ازدواجية الغرب: القانون الدولي أداة انتقائية
انتقدت الصحيفة بشدة الدول الغربية، وعلى رأسها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، لتغاضيها عن مسؤولياتها القانونية في حماية المدنيين، رغم أنها تطالب الآخرين بالامتثال للقانون الدولي. وقالت: "لا يمكن إدانة جرائم الحرب بينما تُسلّح الجهات التي ترتكبها. فالقانون لا يظل قانوناً ما لم يُطبق".
وأشارت إلى أن (إسرائيل(، بصفتها القوة المحتلة، تتحمّل مسؤولية قانونية واضحة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لضمان وصول الغذاء والماء والرعاية الطبية إلى سكان القطاع.
لكنها بدلًا من ذلك، فرضت حصارًا خانقًا، وأوقفت عمل وكالات الأمم المتحدة، واستبدلتها بمؤسسة "غزة هومانيتاريان فاونديشن" (GHF)، وهي كيان خاص تنسّق عملياته مع الجيش الإسرائيلي وتديرها مرتزقة أمريكيون، وفق الغارديان.
مساعدات مشروطة… ومميتة
لفتت الصحيفة إلى أن دولة الاحتلال أغلقت 400 موقع مساعدات تديرها الأمم المتحدة بزعم وجود تهديدات أمنية، وأبقت فقط على 4 مراكز تخضع لإشراف GHF.
ونتيجة لهذا الإجراء، قضى قرابة 300 فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، بحسب تقارير الأمم المتحدة، التي وصفت توزيع المساعدات في غزة بأنه "فخ مميت" و"ندرة مُدبّرة".
كما حذر مركز الحقوق الدستورية الأمريكي من أن برنامج GHF قد يرقى إلى "المساعدة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، ورغم ذلك تدرس إدارة دونالد ترامب منحه تمويلاً بقيمة 500 مليون دولار.
وأشارت الغارديان إلى أن الحكومة البريطانية تتعامل بازدواجية واضحة، إذ تترك مسألة الإبادة للمحاكم للفصل فيها، بينما يؤكد محاموها في هذه المحاكم عدم وقوع إبادة جماعية أصلاً.
واعتبرت الصحيفة أن هذا التناقض هدفه توفير الغطاء القانوني والدبلوماسي لمبيعات الأسلحة وتبرير الدعم لإسرائيل.
انهيار مبدأ "قواعد الحرب"
نقلت الصحيفة عن مسؤولين وخبراء تأكيدهم أن انهيار البنية التحتية في غزة يقابله انهيار أخلاقي وقانوني في تعامل الغرب مع الحرب. وقال جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إن GHF ليس مؤسسة إغاثية حقيقية، بل "نموذج يومي لمجازر ممنهجة".
وأضافت كاثرين ويلكنز من مؤسسة كارنيغي أن هذه المنظمة تفرض رقابة بيومترية صارمة على المحتاجين وتوزع الطعام تحت تهديد السلاح.
وفي ختام افتتاحيتها، أكدت الغارديان أن ما ينهار في غزة ليس فقط البنية التحتية، بل مبدأ أن للحرب قواعد. وإذا استمرت الدول الغربية في استغلال تلك القواعد لصالح حلفائها، فإن أحداً لن يكون في مأمن – لا في غزة ولا في أوروبا.