أخيرًا؛ قررت الدول الأوروبية رفع البطاقة الحمراء في وجه "إسرائيل"، تجاه ممارساتها في حرب الإبادة ضد قطاع غزة.
التوجه الأوروبي عبّر عن متغير جديد عما كان عليه منذ 18 شهرا من الإبادة؛ ليطرح سؤالا جوهريا حول بواعث المتغيرات وارتداداتها على المشهد في القطاع.
ورأى مراقبون في هذه التحركات؛ نذير انفجار شعبي أوروبي، قد يدفع للتصادم مع المشهد الرسمي؛ الأمر الذي دفع بتغيرات في الموقف؛ قد تشهد تصاعدا في الآونة الأخيرة.
وتُواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، لليوم الـ 590 تواليًا، حربها الشعواء والعدوان العسكري، تزامنًا مع ارتكاب مجازر مروعة وجرائم حرب موصوفة، بحق المدنيين والنازحين في مختلف مناطق قطاع غزة المحاصر.
بدوره؛ أكد رئيس اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في أوروبا، جورج رشماوي، أن الغضب الأوروبي من السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة، يتزايد بشكل غير مسبوق، في ظل استمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تنفذه "إسرائيل" منذ أكثر من عام ونصف.
وقال رشماوي في تصريح خاص بـ وكالة سند للأنباء، إن رفض المجتمع الدولي، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية، للحرب على غزة، أصبح أكثر وضوحًا مع اتساع نطاق التضامن الشعبي، وسقوط الرواية الإسرائيلية التي روّجت لها حكومة نتنياهو في بداية العدوان.
وأضاف أن "وسائل الإعلام العالمية باتت تنقل جرائم الاحتلال بالصوت والصورة، ما ساهم في فضح الاستهداف الممنهج للمدنيين والمنشآت الطبية والإيوائية والمقار الصحفية".
ورحب رشماوي بالخطوات الأوروبية التي بدأت بالظهور، معتبراً أنها "وإن جاءت متأخرة، لكنها تمثل تحولاً مهماً".
وأشاد بقرار بريطانيا تعليق العمل باتفاق التجارة الحرة مع "إسرائيل"، وكذلك تصويت البرلمان الإسباني لوقف تصدير السلاح للاحتلال، إلى جانب مواقف مماثلة من دول أوروبية أخرى.
كما لفت إلى البيان الثلاثي الذي أصدره وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والذي طالب "إسرائيل" بالسماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون قيود، معتبراً ذلك مؤشراً على ضغط دبلوماسي متصاعد.
وأشار رشماوي إلى ما قالته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، التي وجهت اتهامات صريحة لمسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في جرائم حرب، بسبب دعمهم غير المشروط لـ "إسرائيل".
وأكد أن مثل هذه التصريحات تعكس حجم الغضب الدولي من الممارسات الإسرائيلية.
وختم رشماوي تصريحه بالتأكيد على أن "ما نريده كشعب فلسطيني هو وقف فوري للعدوان، وسحب قوات الاحتلال من الأراضي الفلسطينية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون تأخير".
وأعرب عن ثقته بأن استمرار الضغط الشعبي والدولي سيؤدي إلى نتائج إيجابية في المستقبل القريب.
تراكم تجارب
من جهته؛ أكد رئيس التجمع الفلسطيني في إيطاليا محمد حنون، أن التحول الملحوظ في مواقف عدد من الدول الأوروبية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، جاء نتيجة تراكم عوامل عدة، أبرزها حجم الإجرام المتواصل بحق الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة.
وقال حنون في تصريح خاص بـ وكالة سند للأنباء إن "العدوان الهمجي الصهيوني الذي تجاوز كل الحدود والأخلاقيات في الحروب، عبر الإبادة، والقتل، والتهجير، وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة، شكّل صدمة للرأي العام الأوروبي".
وأشار أن عدد الشهداء والجرحى والمفقودين تجاوز 10% من سكان غزة، مما عمّق حجم الفاجعة في الوعي الأوروبي.
وأضاف أن "الحراك الشعبي المستمر، والتواصل مع السياسيين وصنّاع القرار، إلى جانب النشاط الإعلامي المتنامي، أسهم في خلق بيئة ضغط دفعت سياسيين أوروبيين إلى اتخاذ مواقف جريئة وغير مسبوقة في إدانة الإبادة الجماعية".
واعتبر حنون أن "التصريحات الوقحة والمتطرفة من مسؤولين في حكومة نتنياهو، مثل سموتريتش وبن غفير، إلى جانب استمرار نهج التطهير العرقي، زادت من حالة الغضب الرسمي والشعبي في أوروبا، وأدت إلى تصاعد وتيرة الاستنكار في مؤسسات القرار داخل الاتحاد الأوروبي".
ولفت إلى أن "العدوان يُبث يوميًا على الهواء مباشرة، بما في ذلك حرب التجويع التي تطال الأطفال والنساء وكبار السن، ما جعل من الصعب على حكومات أوروبا التزام الصمت".
وأضاف أن وفدًا إيطاليًا زار معبر رفح مؤخرًا، ووجه رسالة قوية للمجتمع الدولي مطالبًا بوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية.
وأوضح حنون أن 22 دولة في الاتحاد الأوروبي أجمعت مؤخرًا على المطالبة بوقف العدوان، وضرورة الوصول إلى تهدئة شاملة، تضمن استكمال عملية التبادل وتحقيق الأهداف الإنسانية والسياسية.
وختم بالقول: "ما نراه من تحولات سياسية في أوروبا هو نتيجة مباشرة لصوت الحق الذي لا يزال يتردد في وجه آلة القتل والدمار، والمستقبل يحمل إشارات إيجابية سيكون لها تأثير كبير على الوضع الإنساني والسياسي في المنطقة".
ضغط شعبي
من جهتها؛ أكدت الناشطة الفلسطينية خالدية أبو بكر أن التحولات الجارية في مواقف بعض الحكومات الأوروبية من الاحتلال الإسرائيلي تعود بشكل رئيس إلى تصاعد الضغط الشعبي في الشارع الغربي، لا سيما في ظل المظاهرات المليونية التي شهدتها عدة مدن أوروبية وعالمية خلال الأيام الأخيرة.
وفي تصريحها لـ وكالة سند للأنباء، أوضحت أبو بكر أن "الاحتجاجات الأخيرة أربكت الحكومات الغربية التي باتت عاجزة عن تبرير تواطئها في جريمة الإبادة الجارية في غزة، وخاصة فيما يتعلق بسياسة التجويع ومنع الإمدادات والمعونات الإنسانية".
وأضافت أن التغير في الموقف الأمريكي تجاه "إسرائيل" ينعكس بدوره على أوروبا، وله تبعات مهمة من شأنها أن تعزز الموقف الفلسطيني، وتمنح المقاومة مساحة أكبر للاستمرار دون تقديم تنازلات.
وشددت أبو بكر على ضرورة مواصلة العمل الشعبي والشتات الفلسطيني في الخارج، مؤكدة أن "هذا الكيان يجب أن يُعاقب على جرائمه، لا أن تُقطع العلاقات معه لشهر أو شهرين ثم تعود كما كانت، لأننا نعرف أن الحكومات الغربية تسعى خلف مصالحها، وعندما يهدأ الناس تعود الأمور إلى طبيعتها".
وأشارت إلى أن البرلمان الإسباني يناقش مشروع قرار لوقف تجارة الأسلحة مع الاحتلال، وأن هناك مؤشرات إيجابية على تصويت الحزب الاشتراكي الحاكم لصالح القرار، معربة عن أملها في أن تتم المصادقة عليه ومواصلة الضغط السياسي.