كشفت صحيفة "الأخبار اللبنانية" النقاب عن جهود إقليمية تقودها دولة مصر، لإيقاف عمل مؤسّسة "غزة الإنسانية" الأمريكية الإسرائيلية في قطاع غزة؛ انطلاقاً من قناعة بأنّ هذه الآلية "لا تُسهم في حل الأزمة، بل تعمّقها".
وقالت "الأخبار اللبنانية" نقلًا عن مصادر دبلوماسية مصرية (لم تُسمها)، إن مصر بررت خطوتها بأن "الطريقة التي تعمل بها مؤسسة غزة الإنسانية تفتح المجال أمام عسكرة المساعدات، وتقويض الأدوار الأممية".
وبدأت مصر بتقديم معطيات فنّية وتشغيلية إلى الجهات المعنية، تؤكّد عدم دقة الأرقام التي تنشرها المؤسّسة، والتي تزعم توزيع ملايين الوجبات خلال أيام قليلة.
وتلفت الصحيفة عن المصادر أنّ "الواقع لا يعكس سوى عمليات محدودة وفوضوية، تتمّ عبر قنوات محاطة بغطاء عسكري مشدّد، وتفتقر إلى أي رقابة مستقلّة".
ونبهت المصادر المصرية إلى أن تلك المعطيات لاقت "صدىً أوروبيًا واسعًا"، في وقت تعيد فيه العواصم الغربية تقييم موقفها من آليات إدارة الأزمة الإنسانية في غزة.
شهداء وانتقاد دولي..
ويتزايد الحديث داخل الأطر الدبلوماسية الأوروبية عن ضرورة العودة إلى المسارات الأممية التقليدية في توزيع المساعدات، والتخلّي عن التجارب الخاصة التي لا تمتلك القدرة على الصمود أمام التحديات الميدانية والضغوط السياسية.
وقد شهدت مراكز التوزيع استشهاد عشرات المدنيين وإصابة المئات، في مشاهد وضعت الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة صريحة مع المجتمع الدولي، بدلاً من تخفيف الضغط على تل أبيب.
واتّهمت منظمات حقوقية حكومة نتنياهو باستخدام العمل الإغاثي كأداة للتهجير القسري، في وقت رفضت فيه الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العمل مع المؤسّسة، قائلة إنّ الأخيرة لا تمثّل عملية محايدة.
وصرح توم فليتشر؛ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ، بأنّ "هذه الآلية تجعل المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية، وتستخدم التجويع ورقة مساومة".
ومن جانبه، ذكر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أنّ "الهجمات القاتلة على مدنيّين حول مواقع لتوزيع المساعدات في قطاع غزة تشكّل خرقاً جسيماً للقانون الدولي وجريمة حرب".
استقالات..
وتُواجه مؤسسة "غزة الإنسانية"؛ المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، مصير الفشل ذاته الذي مُني به مشروع الرصيف البحري العائم الذي حاولت إدارة جو بايدن السابقة تشييده كممرّ إنساني بديل، قبل أن يتحوّل إلى عبء سياسي وأمني، وينهار بسرعة قياسية.
وكانت "غزة الإنسانية" قد أُوجدت كـ "أداة ميدانية هجينة"، تخدم هدفين متداخلين: فرض وقائع سياسية جديدة على الأرض تحت غطاء العمل الإغاثي، وتحييد القنوات التقليدية التي كانت تدير عمليات المساعدة عبر آليات أممية معترف بها.
ومؤخرًا، شهدت المؤسسة تسارعًا في الاستقالات والانسحاب في صفوف مسؤوليها، وتزايد الانتقادات الدولية لها، ممّا جعلها عبئاً سياسياً وأخلاقياً على داعميها.
ومؤخرًا، انسحبت "مجموعة بوسطن الاستشارية" (BCG)، التي ساعدت في تصميم وإدارة العمليات التجارية للمؤسّسة، من برنامج تقديم المساعدات، بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وخلال الأسبوع الماضي، عُيّن القس جوني مور، رئيساً تنفيذياً للمؤسّسة، بعد أن قدّم قبل أسبوع، رئيسها السابق، جيك وود، استقالته.
وأوضح "وود" في بيان الاستقالة، أنّه اضطرّ إلى اتّخاذ قرار الاستقالة بعدما تأكّد لديه أنّ المنظّمة غير قادرة على تنفيذ مهمّتها والحفاظ في الوقت نفسه على المبادئ الإنسانية.
"غزة الإنسانية" تُغلق أبوابها..
وأرجأت "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتّحدة إعادة فتح مراكزها في غزة، بعدما أغلقتها عقب استشهاد عشرات المدنيين برصاص وقصف إسرائيلي للنازحين خلال محاولتهم الوصول لتلك المراكز.
وأعلن جيش الاحتلال، الطرق المؤدية إلى مراكز توزيع المساعدات "مناطق قتال".
وقالت المؤسسة في منشور على صفحتها في موقع فيسبوك، الليلة الماضية، إنّ "مواقع التوزيع الخاصة بنا لن تفتح في وقت مبكر من صباح الخميس كما كان مقررا، وذلك بسبب أعمال الصيانة والإصلاح الجارية في المواقع".