بالرغم من مخاوف تعرضها لهجمات إسرائيلية أو محاولات اعتراض في أي لحظة، أبحرت سفينة "مادلين" التابعة لتحالف "أسطول الحرية" الدولي، من ميناء كاتانيا الإيطالي؛ في محاولة جديدة لكسر الحصار على غزة التي تتعرض لحرب إبادة جماعية.
ومن المتوقع أن تستغرق الرحلة التي انطلقت يوم الأحد الماضي، سبعة أيام للوصول؛ بهدف كسر القيود المفروضة على أكثر من مليوني فلسطيني يتعرضون للإبادة في غزة، منذ 19 شهرًا.
وتحمل السفينة على متنها 12 شخصية بارزة من جنسيات متعددة، ويقودها الناشط تياغو أفِيلا من البرازيل، والذي كان سابقًا على متن سفينة أخرى استهدفتها طائرات مسيرة إسرائيلية.
ومن أبرز المشاركين في الرحلة الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام، والبرلمانية الفرنسية-الفلسطينية ريما حسن، إلى جانب نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان.
وقال أحد أعضاء سفن كسر الحصار عن غزة، رشاد الباز لـ "وكالة سند للأنباء" إنّ سفينة "مادلين"، وهي السفينة رقم 36 ضمن تحالف أسطول الحرية، أبحرت مطلع شهر يونيو/ حزيران الجاري، في مهمة إنسانية رمزية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 17 عامًا.
وتتلخص أهداف الرحلة حسبما أورد ضيفنا، في إيصال مساعدات إنسانية لسكان غزة الذين يواجهون خطر المجاعة والانهيار الغذائي والصحي، وتوجيه رسالة تضامن عالمي ضد الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى الضغط السياسي والإعلامي لكسر الصمت الدولي المريب تجاه ما يحدث في غزة.
وأوضح الباز، أنّ السفينة تحمل على متنها مساعدات حيوية، أبرزها الإمدادات الطبية، والدقيق، والأرز، وحليب الأطفال، والحفاضات، ومنتجات النظافة النسائية، ومجموعات تحلية المياه، والعكازات، والأطراف الاصطناعية للأطفال.
احتمالية الهجوم أو الاعتراض..
ولا يستبعد المشاركون في الرحلة إمكانية استهداف السفينة أو محاولة اعتراضها كما حدث مع سفن أخرى آخرها سفينة "كونشياس – الضمير العالمي" التي تعرضت لهجوم بطائرتين مسيرتين قرب مالطا، في مايو/ أيار الماضي.
وهو ما جاء ضمنيًا في قرار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أمس الأربعاء منع السفينة "مادلين" من الوصول إلى قطاع غزة، حسب هيئة البث الإسرائيلية.
وأشارت هيئة البث إلى أنّه من المقرر أن يتخذ وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس اليوم الخميس خلال جلسة أمنية قرارًا بشأن السفينة وركابها، ومن بين السيناريوهات المحتملة: منع السفينة من الاقتراب من المياه الإسرائيلية وتركها في عرض البحر، أو مرافقتها من قِبل البحرية الإسرائيلية إلى ميناء أسدود واعتقال النشطاء.
وفي هذا الإطار قال رشاد الباز في حديثه مع مراسلنا، إنّ الرحلة تواجه تهديدات أمنية كبيرة، حيث لا تستبعد احتمالية تعرضها لهجوم إسرائيلي، مشيرًا إلى وجود تحريض سياسي ضد المشاركين من جهات إسرائيلية وأمريكية، رغم أن المشاركين مدنيون يحملون رسالة إنسانية لا عسكرية.
وتلقى المشاركون بالرحلة تحذيرين خلال الليلة الماضية حول هجوم إسرائيلي محتمل عليهم، كما رصدوا تحليق طائرتين مُسيَّرتين فوق السفينة، وفق تصريح ملتفز للنائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن.
وحذرت حسن أنّه في حال تعرضت السفينة الصغيرة، لهجوم فإنها وبقية النشطاء والناشطات على متن السفينة قد يفارقون الحياة، مشيرةُ إلى أن "حكومة نتنياهو الفاشية قد تعطي فعلاً أوامر بمهاجمة السفينة".
وقبيل إبحار السفينة قالت الناشطة السويدية ثونبرغ في مؤتمر صحفي: "مهما كانت خطورة هذه المهمة، فإنها لا تُقارن بخطورة صمت العالم على الإبادة الجماعية في غزة"، مضيفة: "حين نتوقف عن المحاولة نفقد إنسانيتنا".
وفي السياق، أورد تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" أنّ النشطاء على متن السفينة يخضعون لعدة دورات تدريبية ويواصلون متابعتها بشكل يومي وبطريقة عملية، استعدادًا لأنواع مختلفة من الهجمات بما في ذلك هجمات تحت الماء تهدف إلى تدمير السفينة، والتي قد تحدث ليلا.
وتدرب جميع المتطوعين والطاقم على متن سفينة "مادلين" على اللاعنف وأن يبحرون بدون أسلحة في عمل سلمي من المقاومة المدنية ضد تصرفات "إسرائيل" في غزة، وفق ائتلاف "أسطول الحرية".
وقال رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة والعضو المؤسس في تحالف "أسطول الحرية" زاهر بيراوي، إنّ سفينة "مادلين" تحمل رسالة الاحتجاج على حكومات دول العالم الساكتة على بقاء الحصار وتعجز عن إدخال الطعام وأساسيات الحياة للغزيين.
وبالرغم من صغر حجم السفينة فإن رسالتها كبيرة وفق ما جاء في تصريح صحفي لـ "بيراوي" مؤكدًا أنّها تعبير عن شعور الشعوب الحرة بالمسؤولية، كما أنها بمثابة دعوة للجميع لبذل أي جهد ممكن من أجل الضغط لوقف الجريمة التي تُرتكب بحق غزة أوهلها.
حراك بري متزامن..
يتزامن الحراك البحري مع تحركات برية من عدة دول عربية، من المتوقع أن تشهد انطلاق مئات المشاركين من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ومصر، ضمن قوافل إنسانية محملة بالمساعدات.
وتخطط هذه القوافل للوصول إلى معبر رفح البري، في حال سمحت السلطات المصرية بعبورها، مع الإشارة إلى بعض التأخير في تنسيق دخول القوافل القادمة من المغرب.
وأفاد منظمو الحملة أنه تم الأسبوع الماضي الاتفاق على توجه القوافل مباشرة من تونس إلى مصر، على أن تلتقي هناك مع جموع من النشطاء الأوروبيين القادمين من عدة دول، والذين من المقرر وصولهم في 16 يونيو/ حزيران للمشاركة في التحرك الجماعي نحو المعبر المصري.
وفي موازاة ذلك، يتوقع انضمام متضامنين من ماليزيا، أفغانستان، بنغلاديش، والأردن، في محاولة لتنظيم مسيرة رمزية نحو جسر رفح، تأكيدًا على وحدة الموقف الإنساني والدولي ضد استمرار الحصار على قطاع غزة.
التحرك الذي يكتسب طابعًا رمزيًا وإنسانيًا بامتياز، يمثل صرخة ضمير عالمي ورسالة ضغط متزايدة على المجتمع الدولي لرفع الحصار وفتح الممرات الإنسانية أمام المساعدات التي تنتظر "إذن" لعبورها لغزة.
ويأمل القائمون على هذه المبادرات الإنسانية، بأن يحظى تحركهم بحماية دولية تضمن سلامتهم ووصولهم إلى غزة بشكلٍ آمن، دون اعتداءات أو انتهاكات.
وفي السياق، أكد رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة عصام يوسف، أن القيادة الإسرائيلية تمارس سياسة تجويع ممنهجة بحق الفلسطينيين، في جريمة إنسانية غير مسبوقة تُضاف إلى سجل الاحتلال الحافل بالانتهاكات.
وشدد يوسف في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن هذه السياسات تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يجب ألا تمر دون حساب.
وأضاف: "لقد بات واضحًا كالشمس أن الاحتلال يتعمد استخدام سلاح التجويع كسلاح حرب، في تحدٍّ سافر للقوانين والمواثيق الدولية، ما يجعل من استمرار الصمت الدولي بمثابة تواطؤ غير مباشر مع هذه الانتهاكات."
واعتبر أن حصار وتجويع أكثر من مليوني فلسطيني داخل غزة يمثل سابقة خطيرة في العصر الحديث، ويجب التصدي لها فورًا وبكل الوسائل الشرعية والقانونية الممكنة، مضيفًا: "هذه ليست حربًا تقليدية، بل حرب إبادة جماعية موصوفة، وعلى العالم أن يسمي الأشياء بمسمياتها."
وأشار عصام يوسف، إلى أنّ الغطرسة الإسرائيلية تجاوزت كل الخطوط الحمراء، "ولم تَعُد تُقيم وزنًا لأي قانون أو عرف دولي، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية أكبر إن استمر الصمت الدولي على هذا الطغيان".
وتابع أن "إسرائيل" باتت تتصرف وكأنها فوق القانون، في تحدٍّ واضح للنظام الدولي، داعيًا لاتخاذ موقف عربي ودولي حازم وجليّ لوقف العدوان.
ووصفت الأمم المتحدة الجمعة الماضية، الأوضاع في قطاع غزة بأنها وصلت لـ "أسوأ مستوى" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع قبل 19 شهرا، بسبب منع الاحتلال دخول أي مساعدات منذ 11 أسبوعا.
و"أسطول الحرّية" الذي تشكّل سنة 2010 هو حركة دولية للتضامن مع الفلسطينيين تكتسي بُعدا إنسانيا، وتنشط ضدّ الحصار الإسرائيلي على غزة.