الساعة 00:00 م
الإثنين 16 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.74 جنيه إسترليني
4.92 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.04 يورو
3.49 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

300 شهيد و2649 مصابا قرب مراكز المساعدات بقطاع غزة

على جبهة العلم.. أطروحة دكتوراه في وجه القصف على غزة

حجم الخط
دكتوراه في زمن الحرب.jpg
غزة- وكالة سند للأنباء

في زمنٍ تتساقط فيه القذائف أكثر من الكلمات، ويُهدَم فيه البيت قبل أن يُبنى الحلم، يصبح النجاح فعلًا من أفعال البطولة، ويغدو الدفاع عن أطروحة علمية في خيمة نازحين تحت القصف شهادةً على صلابة الإنسان، لا على المعرفة فقط.

في قطاع غزة، حيث لا تمنح الحرب أحدًا وقتًا كافيًا لالتقاط أنفاسه، وبين الركام والخيام، وقف محمود الشيخ أحمد، الفلسطيني ابن الخامسة والأربعين، ليواجه واقعًا يُراد له أن يُسكت كل صوت حر. لكنه لم يسكت؛ فقد حمل رسالته العلمية كما يحمل المقاوم بندقيته، ومضى رغم كل شيء، ليُتمّ ما بدأه قبل خمس سنوات: مناقشة أطروحته للدكتوراه في التاريخ، لا في قاعات جامعية مهيَّأة، بل في عيادة طبية بديلة عن مستشفى استُهدف بالقصف، وفي لحظةٍ اختلطت فيها أصوات القنابل بنبض القلب وارتعاش الورق.

لقد كانت تلك المناقشة أكثر من حدث أكاديمي؛ كانت شهادة مقاومة فكرية في وجه آلة تدمير لا تفرّق بين مواطن عادي وآخر مثقّف، بين طالب علم أو غيره في قائمة الضحايا.

كانت تلك اللحظة إثباتًا أن الفلسطيني لا يُهزَم، ما دام يحمل قضيته في فكره وقلبه، وما دام يكتب تاريخه بالحبر رغم الدم.

رحلة العلم وسط الركام

لم يكن الدكتور محمود مجرد طالب دكتوراه في التاريخ المعاصر، بل كان شاهدًا على مأساة، وفاعلًا في مقاومة من نوعٍ آخر، بالكلمة والمعرفة.

يحدثنا الدكتور محمود: التحقت عام 2020 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سوسة في تونس، ضمن وحدة البحث في التاريخ، لأخوض غمار دراسة عميقة تحت إشراف الأستاذ الدكتور كمال جرفال، حول "دور العائلات الفلسطينية في الحياة السياسية زمن الانتداب البريطاني (1917–1948)".

ويتابع: "رغم المسافة الجغرافية بين غزة وسوسة، كانت المعاناة ملازمةً لي في كل خطوة أكاديمية، من انقطاع الكهرباء المستمر، إلى صعوبة الوصول إلى الإنترنت، إلى ندرة الوثائق الأرشيفية التي تتوزع في عواصم العالم البعيدة، بل حتى الخطر اليومي على الحياة ذاته". ومع ذلك، لم يتوقّف محمود، بل جعل من كل عقبة دافعًا، ومن كل معاناة وقودًا لبحثه.

بين قصف المنازل والمعنويات..

وفي أهوال حرب الإبادة المستمرة على غزة منذ نحو عامين، نزح الدكتور محمود من بيته بعد أن دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية، واستقرّ في خيمة بمواصي خان يونس.

هناك، وفي ظل القصف والبرد والانقطاع، كتب أطروحته بحثًا وتحليلًا وتوثيقًا، بينما أصوات الطائرات لا تغيب، والمستقبل محفوف بالمجهول.

ويقول: "واجهت تحديات جمّة، ليس فقط على المستوى الأكاديمي والمنهجي، بل أيضًا النفسي والإنساني. ومع ذلك، واصلت بعزيمة مَن يدرك أن مهمته تتجاوز النجاح الشخصي إلى حفظ الذاكرة الوطنية، وتوثيق التاريخ الفلسطيني من منظور أهلي ومن رحم المعاناة التي نعيشها".

يوم المناقشة... حين يصبح العلم مقاومة

بلغ الصراع ذروته بين الحياة والموت، بين المعرفة والدمار، يوم مناقشة الأطروحة. حيث كان من المقرّر أن تُعقد في مبنى مستشفى بمدينة خانيونس، لكن القصف الإسرائيلي استهدفه في اليوم نفسه. وفي مشهدٍ أقرب إلى الأساطير، تمّ نقل المناقشة على عجل إلى عيادة طبية قريبة، وسط التوتر، وانقطاع الخدمات، وغياب الحد الأدنى من مقوّمات الهدوء أو الأمان.

ورغم ذلك، وقف الدكتور محمود أمام لجنة المناقشة، بثبات المؤمن بعدالة قضيته، مدافعًا عن أطروحته كما يدافع المقاوم عن أرضه. حينها، تحوّلت المناقشة من لحظة علمية إلى فعل مقاومة، ومن حدث أكاديمي إلى رسالةٍ للعالم بأن الفكر لا يُقصف، وأن العلم لا يُهدم.

شكرٌ في زمن الحرب

في خضم هذا كله، لم ينسَ الدكتور محمود أن يعبّر عن امتنانه العميق لمشرفه الأكاديمي، ولجنة المناقشة، وعمادة الكلية، ورئاسة الجامعة، التي شكّلت جميعها حزام دعمٍ معنوي وأكاديمي، أثبت أن التضامن لا تحدّه حدود، وأن للعلم أهله في كل مكان، وفق قوله.

قصة الدكتور محمود ليست مجرد قصة نجاح أكاديمي، بل شهادة حيّة على أن في غزة من يحملون الشعلة رغم الركام، ويكتبون التاريخ لا بالحبر فقط، بل بالدم والصبر والإيمان. إنها رسالة لكل من يظن أن الحرب تُطفئ العقول: فها هو الفكر يقاوم، وها هي المعرفة تزهر وسط الدمار، شاهدةً على أن العلم، حين يكون صادقًا، يتحوّل إلى فعل مقاومة.

وحرمت الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عشرات آلاف الطلبة في قطاع غزة من مواصلة مشوارهم التعليمي في مدارس وجامعات القطاع، بعد أن تم تدميرها وقتل واستهداف الطلبة والمعلمين.

وفي بيان سابق لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، قالت إن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 16,245، والذين أصيبوا 25,959، فيما استشهد 917 معلما وإداريا، وأصيب 4347 بجروح في قطاع غزة.

وعلى صعيد الاعتداء على المؤسسات التعليمية، أشارت الوزارة لتعرض 443 مدرسة حكومية وجامعة ومباني تابعة لها و91 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" للقصف والتخريب في قطاع غزة، فيما تعرض 60 مبنى تابعا للجامعات للتدمير بشكل كامل، و20 مؤسسة تعليمية تعرضت لأضرار بالغة.

وللعام الثاني على التوالي، يُحرم طلبة الثانوية العامة في قطاع غزة من التقدم للامتحان، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية.