الساعة 00:00 م
الخميس 26 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.63 جنيه إسترليني
4.79 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.95 يورو
3.4 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

فائض الشيكل بالضفة يرهق التجار ويُتخم خزائن البنوك

حجم الخط
فائض الشيكل في بنوك الضفة
نابلس - وكالة سند للأنباء

في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الضفة الغربية، جاءت مشكلة تكدس فائض عملة الشيكل الإسرائيلي في البنوك لتزيد من الأعباء على الاقتصاد المنهك أصلا بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، ولتضع أمام التجار تحديا يضاف إلى ما يواجهونه من تحديات.

وحسب اتفاقية باريس الاقتصادية عام 1994، فإن العملات المسموح تداولها قانوناً في فلسطين هي الشيكل، والدولار، والدينار، واليورو، ويعتبر الشيكل هو العملة الأساسية المتداولة، ويستحوذ على النسبة الأكبر من العملات المتداولة كونه عملة التعامل اليومي.

ونتيجة لقيام البنوك الإسرائيلية بوضع قيود وسقوف على عمليات شحن فائض الشيكل من البنوك الفلسطينية إليها، تكدست مبالغ كبيرة من عملة الشيكل في خزائن البنوك الفلسطينية، ما يعيق تغذية حساباتها لدى البنوك الإسرائيلية والتي يتم من خلالها تنفيذ المعاملات المالية مقابل عمليات شراء وبيع السلع والخدمات ما بين فلسطين و"إسرائيل".

ودفعت هذه الأزمة البنوك العاملة في الضفة الغربية إلى وضع قيود على إيداع الشيكل، وحددت سقوفا يومية لعمليات الإيداع بالشيكل، تفاوتت من بنك لآخر.

ونتيجة لذلك واجه عملاء البنوك من التجار والشركات وحتى الأفراد صعوبة بالغة في إيداع الشيكل لتوفير أرصدة مقابل الشيكات المسحوبة على حساباتهم بهذه العملة.

واضطر كثيرون -تجنبا للعواقب القانونية- إلى شراء عملات أخرى بأسعار مرتفعة من محلات الصرافة، وإيداعها في البنوك، ثم إعادة تحويلها إلى الشيكل بالسعر الذي يحدده البنك، ما كبدهم مبالغ إضافية لعملية التحويل في المرتين.

وبعد تزايد شكاوي المواطنين والتجار، عقدت سلطة النقد سلسلة من اللقاءات مع ممثلي القطاعات الاقتصادية المختلفة والغرف التجارية بهدف مناقشة خطط التحول للدفع الإلكتروني ومعالجة مشكلة تكدس الشيكل في البنوك.

وأصدرت سلطة النقد تعليمات جديدة للبنوك تلزمها بقبول الإيداعات النقدية من العملاء الأفراد للمبالغ التي تقل عن 5,000 شيقل، وبإجراء الترتيبات مع عملائها لقبول الإيداعات مقابل الشيكات مرتفعة القيمة لضمان صرفها، مع السماح بتحديد تاريخ حق مختلف لعمليات الإيداع النقدي للمبالغ التي تزيد عن 5,000 شيقل.

كما نصّت التعليمات على ضرورة قبول الإيداعات النقدية لتسديد التزامات المواطنين تجاه وزارة المالية والبلديات، وأن تكون الأولوية في قبول الإيداعات النقدية وكذلك في تنفيذ الحوالات الخارجية بعملة الشيقل للقطاعات الاقتصادية المسؤولة عن توفير السلع والخدمات الأساسية.

وفي محاولة لتخفيف آثار المشكلة، دعت سلطة النقد جميع مؤسسات القطاع الخاص، إلى توسيع استخدام وسائل الدفع الإلكتروني واعتمادها كأداة أساسية في معاملاتهم اليومية.

وفي بيان لها، قالت سلطة النقد إنها تدرس بعض البدائل للحد من الأزمة، ومن ضمنها التحول لاستخدام عملة بديلة، والاستغناء عن الشيكل كعملة رئيسية للتداول، نظرا لاستمرار رفض الجانب الإسرائيلي بقبول شحن فائض الشيكل في البنوك الفلسطينية إلى المصارف الإسرائيلية.

علامات استفهام

الصحفي والخبير بالشؤون الاقتصادية محمد خبيصة وضع علامات استفهام حول تكدس الشيكل في البنوك، واعتبر أن مبررات سلطة النقد وخبراء الاقتصاد حول أسباب الأزمة، غير مقنعة في معظمها، إذ أن من شأنها تراجع معروض الشيكل ولا ارتفاعه.

وأشار خبيصة، في منشور له على "فيسبوك"، إلى تراجع عدد العاملين الفلسطينيين في "إسرائيل" والمستوطنات إلى 25 ألف عامل في الربع الأول لعام 2025 نزولا من 178 ألف عامل في الربع الثالث لعام 2023، وهو الربع الأخير قبل الحرب، بنسبة 86% بالمئة.

ويعني ذلك، أن قرابة 86% من فاتورة الأجور الشهرية لهؤلاء العمال لم تعد تدخل للأسواق الفلسطينية، والتي تراجعت من 1.5 مليار شيكل شهرياً إلى 210 ملايين شيكل شهرياً فقط.

كما تراجعت قيمة أموال المقاصة إلى متوسط 500 مليون شيكل شهرياً، مقارنة مع متوسط 750 مليون شيكل حتى الربع الثالث لعام 2023.

وأورد خبيصة بعض المصادر لفائض الشيكل في أسواق الضفة، ومنها إخراج كميات من الشيكل من البنوك العاملة في قطاع غزة، خلال شهور الحرب ونقل جزء منه إلى الضفة.

كما أن فوارق أسعار السلع في أسواق التجزئة بالضفة مقارنة مع السوق الإسرائيلية، جعل من أسواق الضفة السوق الاستهلاكية الأساسية لسكان القدس وفلسطينيي الداخل.

ويضاف إلى ذلك تحديد سقف التعاملات النقدية في "إسرائيل" عند 11 ألف شيكل، ما أوجد نقداً بين أيدي شريحة من فلسطينيي الداخل، لتصبح أسواق الضفة مكباً للشيكل من خلال بيع الشيكل لمحال صرافة بأسعار تقل كثيرا عن سعر السوق.

ويؤكد خبيصة أن البنك المركزي الإسرائيلي تقع عليه -قانوناً- مسؤولية امتصاص فائض الشيكل في السوق الفلسطيني، باعتباره الجهة المصدرة لهذه العملة.

لكن البنك الإسرائيلي يعتبر أن معروض الشيكل في السوق الفلسطينية أكبر بكثير من تقاريره الرسمية حول تداول عملته بين الضفة و"إسرائيل"، وبالتالي يعتبر أن الفائض نُقل للضفة هرباً من الضرائب الإسرائيلية، ويتخذ من ذلك مبررا لرفض استقبال أي كميات إضافية فوق الكوتا البالغة 4.5 مليار شيكل كل 3 شهور.

وخلص خبيصة إلى أن غالبية البنوك في الضفة كانت هي المتورط الرئيسي في حدوث الأزمة خلال الفترة الماضية، وبدل أن تتحمل هي المسؤولية، لجأت لفرض قيود على إيداع الشيكل.

مشكلة سياسية

من جانبه، يعتبر د.سامح العطعوط، الخبير المالي والاقتصادي في جامعة النجاح الوطنية، أن مشكلة الشيكل سياسية، وحلها يكون بقرار سياسي.

وبين العطعوط أن السبب الرئيسي هو توقف البنوك الإسرائيلية عن استقبال فائض الشيكل المتراكم في البنوك الفلسطينية.

وقال لـ"وكالة سند للأنباء": "بمجرد إعلان البنوك الإسرائيلية عن استئناف استقبال فائض الشيكل، ستنتهي الأزمة مباشرة".

وأشار إلى أن حجم الاقتصاد الفلسطيني تضاعف عدة مرات خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يستوجب رفع السقف البالغ 4.5 مليار شيكل كل 3 شهور، ولكن ذلك لم يتم، وحتى هذا السقف لم تلتزم البنوك الإسرائيلية به، ولم تستقبل هذا المبلغ، ما أدى لتكدس فائض الشيكل بشكل كبير.

وأوضح أن هذه المشكلة تحدّ من قدرة البنوك الفلسطينية على توفير الدولار للتجارة والاستيراد، وتدفعها للإحجام عن استقبال الشيكل من المواطنين والشركات، ما ينعكس على الوضع الاقتصادي، ويجبر الشركات على شراء الدولار والدينار بأسعار أعلى من سعر السوق.

وشرح د. العطعوط لنا أسباب تراكم الشيكل في البنوك الفلسطينية والذي يعود إلى كون الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على الاستيراد بنسبة عالية، ولأن الاستيراد من الخارج لا يتم بالشيكل وإنما بالدولار، فإن المستوردين بحاجة لشراء الدولار لإتمام عملية الاستيراد، في حين أن تسويق ما يستوردونه يتم غالبا بالشيكل.

ويقلل العطعوط من تأثير عمليات شراء الدولار التي يقوم بها بعض تجار العملة لتحقيق مكاسب، ويعتبره تقزيما لأسباب المشكلة، مضيفا: "لو أن الحركة طبيعية فإن البنوك ستستقبل فائض الشيكل وتحوله للبنوك الإسرائيلية ولن تظهر المشكلة".

ولفت إلى أن الذريعة الإسرائيلية المعلنة لرفض استقبال الشيكل هي أن الفائض سببه تدفق أموال بطريقة غير مشروعة من خلال فلسطينيي الداخل، وهذه الذريعة بحاجة إلى دراسة حقيقية لإثباتها.

وقال إنه ورغم انخفاض تدفق الشيكل الذي يضخه عمال الداخل في السوق الفلسطيني إلى الربع بسبب الإغلاق المستمر للضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن فارق المستوى المعيشي بين الداخل المحتل والضفة حوّل الضفة إلى سوق جاذب للمستهلكين من فلسطينيي الداخل.

ويتوقع العطعوط أن تكون هناك آفاق سياسية بالمنطقة خلال الشهرين القادمين، من شأنها حلحلة مشكلة الشيكل.

ويعتبر أن قرارات الحكومة الفلسطينية وسلطة النقد كالتحول للدفع الإلكتروني، تحل المشكلة جزئيا وتخفف من آثارها، لكن هذا التحول بحاجة إلى توعية ومزيد من الوقت، كما أن التحول لعملة أخرى يمثل جزءا من الحلول الممكنة.

وقال إن هناك مقترحات للحكومة بأن تستغل فائض الشيكل في سد العجز الذي تعاني منه، ما سيخفف من الأزمة، لكن الحكومة عليها أصلا قروض كبيرة للبنوك، ومثل هذه الخطوة ستزيد من نسبة الاقتراض، بما يشكل خطورة على البنوك.