في غزة، لا يُصنع الفقد على مهل، بل ينقضُّ على القلب كالصاعقة، يخطف الأحبة في لحظة، ويترك الآباء واقفين عند حواف المقابر، لا يملكون إلا البكاء، هناك، لا يموت الأطفال وحدهم، بل يُدفن في كل نعش صغير أبٌ ممزق، وظهرٌ انكسر، وعينٌ جفّ دمعها من وجعٍ لا يُطاق.
علاء صيام ليس أبًا عاديًّا، بل شاهدٌ على لحظةِ موتٍ لا تُنسى، في لحظة خاطفة، اختطف الاحتلال طفله حمزة من بين يديه، ولم يترك له إلا ذاكرة مشوشة، وصرخةً علقت في حنجرته، وقلبًا مثقوبًا لا يبرأ.
في غزة، لا تفرّق القذائف بين صغير وكبير، ولا تستثني أحلام الطفولة ولا أكتاف الآباء، وهكذا وجد علاء نفسه، في مشهد لا يُمحى، يحاول أن يُنقذ قطعة من روحه، لكن حمزة رحل… رحل وتركه عالقًا بين الحياة والموت، بين الذكرى والذهول.
"انكسار لا يُرمم"..
قال علاء صيام، والد الشهيد حمزة، إن ولده استُشهد بين يديه، ولم يشعر أحد بوجعه، مؤكداً أن فقدان الابن ليس حدثاً عابراً يُنسى أو يُستوعب بسهولة، بل "انكسار لا يُرمم"، كما وصفه.
وأضاف صيام، في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، بصوتٍ متحشرج غلبته فيه الدموع، أن حمزة كان الأقرب إلى قلبه، وأنه لم يكن يتصور أن يرى ابنه يرتقي أمامه ولا يستطيع إنقاذه، مردفاً: "أنا اللي قلت ابني مات على إيدي، محدش بيحس فيه، لو أحكي لكل العالم، محدش حيحس اللي بقلبي، أنا ظهري انكسر".
وخانته الدموع حينما قال: "إللي صار مش طبيعي، والمستشفى ما فيهاش حدا، مفيش غير الله الكريم، هو اللي حينتقم من كل ظالم، من كل واحد باع دمنا".
الأطفال الضحايا الأبرز في الحرب..
ولا يزال أطفال قطاع غزة يدفعون الثمن الأثقل في حربٍ لا ترحم، حيث يُشكّلون النسبة الأكبر من الضحايا، ويقفون في مقدمة المستهدفين بنيران الاحتلال، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي واسع النطاق في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استُشهد أكثر من 16,500 طفل، في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تحيط بالأطفال في القطاع المحاصر.
ووفق معطيات صادرة عن وزارة الصحة في مايو/أيار الماضي، بلغ عدد الشهداء من الرضّع (أقل من عام) نحو 916 طفلاً، فيما ارتقى 4,365 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامٍ وخمس سنوات، و6,101 طفلاً بين 6 إلى 12 عامًا، بينما استُشهد 5,124 فتىً بين 13 و17 عامًا.
ولا تقتصر المأساة على الشهداء، إذ تشير التقديرات إلى إصابة نحو 17 ألف طفل، في حين يعاني أكثر من 25 ألفًا من سوء تغذية حاد نتيجة تدمير النظام الغذائي وشح المساعدات، وسط حصار خانق وظروف معيشية متدهورة.
وبحسب تقارير أممية، فإن الأطفال يشكلون نحو ثلث إجمالي ضحايا العدوان، مما يضعهم في صدارة الفئات الأكثر تضررًا واستهدافًا، في حربٍ لم تستثنِ أحدًا، ولا تزال فصولها الأكثر مأساوية تتكشف يومًا بعد آخر.