تزايدت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة الغربية في الآونة الأخيرة، وتسببت باستشهاد وإصابة مواطنين وحرق منازل ومركبات وتجريف مساحات زراعية، ما حوّل الضفة إلى ساحة مفتوحة أمام تغولهم وسط دعم من جيش الاحتلال وغياب تام لأي مساءلة دولية حقيقية.
إذ شهدت عدة بلدات وقرى في رام الله وشمال الضفة، والخليل ومسافر يطا تصعيدًا غير مسبوق، في حجم الاعتداءات التي تنفذها مجموعات المستوطنين وفق مخطط منظم وبحماية من جيش الاحتلال.
وسجل تقرير إسرائيلي زيادة بنسبة 30% في حوادث اعتداءات ارتكبها مستوطنون ضد فلسطينيين بالضفة منذ مطلع العام 2025 الجاري، فيما وثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان 2153 اعتداءً للمستوطنين خلال النصف الأول من العام الجاري؛ تسببت في استشهاد 4 مواطنين.
وهو ما يراه مختصون فلسطينيون، أنّ هذه الاعتداءات ترجمةً لتصريحات وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو التي يتوعدون فيها بضم الضفة الغربية، والاستيلاء على أراضيها.
ويقول مساعد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، صلاح الخواجا، إنّ هناك تطورات خطيرة في مناطق الضفة بسبب اعتداءات وجرائم المستوطنين الذي بدأت تأخذ أشكالًا متنوعة وليست مجرد اعتداءات، كما كانت في السنوات الماضية بإلقاء حجارة على المركبات وحرق الأشجار.
ويضيف الخواجا في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء"، أنّ هجمات المستوطنين باتت أشبه بالجرائم التي ارتكبها العصابات الصهيونية والهاغانا قبل نكبة عام 1948.
وبدأت 63 مجموعة استيطانية متطرفة من ضمنها "فتيان التلال" و"تدفيع الثمن" برسم استراتيجية لعملية تصعيد الاعتداءات في مناطق الضفة بعد الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، وفق ضيفنا.
ونبّه إلى أنّه جرى إقرار موازنات خاصة لدعم الاستيطان والمستوطنين وضم مناطق الضفة الفلسطينية، وخاصة ما يعرف بمناطق (ج) التي تمثل 61% من مجموع أراضي الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية، وفق اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995.
ويرى الخواجا، أنّ تسليح 97 ألف مستوطن بسلاح أمريكي من قبل وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير يجعل المجتمع الفلسطيني اليوم أمام مجموعات وعصابات منظمة لديها رؤية وبرنامج واستراتيجية، هدفها السيطرة على الأراضي في مناطق "ج" بمزيد من جرائم القتل.
وبدأت مجموعات المستوطنين بالتطور لملاحقة الفلسطينيين في مناطق مصنفة "ب" و "أ" – حسب الخواجا- فالمعدل العام منذ بدء الاحتلال حتى عام 2022، كانت يتم بناء سبع مستوطنات في العام الكامل، لكن في عام 2024، وبعد حرب غزة تم بناء 52 بؤرة استيطانية جديدة.
وفي النصف الأول من عام 2025 أقام المستوطنون 23 بؤرة استيطانية على أراضي المواطنين معظمها بؤر رعوية، في محافظات رام الله ونابلس والخليل وقلقيلية وطوباس والقدس، في استمرار لسياسة فرض الوقائع برعاية ودعم جيش الاحتلال، وفق "هيئة الجدار والاستيطان".
سبل صدّ اعتداءات المستوطنين..
وإزاء سبل صد هذه الاعتداءات، يرى الخواجا، أن لجان الحماية جزء من أشكال مقاومة سياسة الاحتيال والاستيطان، وفي المناطق القريبة من المستوطنات، لابد أن تشكل نموذج الانتفاضة الأولى.
ويلفت إلى أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، حاولت منذ فترة تعزيز هذه النماذج وتكوينها، وحققت نجاحات كبيرة في عدة قرى وبلدات، بسرعة الاستجابة من الشبان للتصدي لاعتداءات المستوطنين، ومنع ارتكاب المزيد من الهجمات.
إلى جانب ذلك، يؤكد الخواجا على وجود اتخاذ قرارات سياسية لدعم هذه الجهود، وتعزيز النضال الشعبي ضد مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات عبر استنهاض كل الطاقات الشعبية.
أداة ردع موازية لعمل جيش الاحتلال..
من جانبه يقول الباحث الرئيسي في المركز الفلسطيني للدارسات الإسرائيلية "مدار"، وليد حبّاس، أنّ الضفة الغربية شهدت خلال السنوات الأخيرة، تصاعدًا غير مسبوق في عنف المستوطنين، والذي تحوّل إلى ظاهرة منظمة ومدعومة رسميًا، بل إلى "روتين يومي" يمارَس تحت حماية الجيش والحكومة.
ويعتبر الباحث حباس في ورقة بحثية له اطلعت عليها "وكالة سند للأنباء" أن العديد من الجنود ينتمون للمستوطنات، ويشاركون فعليًا في العنف أو يتغاضون عنه في مناطق التماس ويعمل الجيش كحامٍ لهم بدلًا من ضبطهم وكثير من المستوطنين يُسلّحون عبر فرق تأهب مدعومة من الحكومة.
ويرى أن الحكومة الإسرائيلية تتغاضى عن العنف لأسباب عدة بينها استخدام الإرهاب كأداة ردع موازية لعمل الجيش، والحفاظ على التماسك الحكومي وتلبية ضغوط القاعدة الدينية الاستيطانية.
وينوه في الورق إلى وجود سياسة إسرائيلية منهجية تقوم على غض النظر عن إرهاب المستوطنين، بل والسماح لهم بأن يكونوا سيفاً آخر مسلطاً على رقاب الفلسطينيين.
وتطرق حباس إلى تطور "الصهيونية الحردلية" العنيفة التي تدعو بشكل واعٍ إلى الهجوم المستمر على الفلسطينيين، ويمثل الوزير بتسلئيل سموتريتش هذا التيار السياسي، وهو لا يتوانى، ولا يتحرج دبلوماسياً، من إطلاق دعوات عنيفة إلى قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، أو محو القرى، وهو ما يلقى آذاناً صاغية ومتيقظة من قواعد المستوطنين.
ويلفت كذلك إلى تطور عقيدة لدى المستوطنين تفيد بوجوب الرد على أعمال المقاومة الفلسطينية بشكل عنيف، ويأخذ دور المستوطنين عادة شكلين: الأول يتمثل في الرد على أي عملية بتشييد بؤرة استيطانية جديدة، أو وضع حجر أساس لتوسيع حي استيطاني جديد، أو أعمال إرهابية تتمثل بتخريب ممتلكات.
ويشير إلى أن إرهاب المستوطنين لم يعد مجرد تجاوزات، بل أصبح جزءًا من بنية الحكم في الضفة، تُشرّعه العقيدة الدينية، تدعمه الحكومة، وتغطيه المؤسسة العسكرية، في ظل تآكل الردع القانوني وتحول المستوطنين إلى قوة سياسية وأمنية مؤثرة داخل الدولة الإسرائيلية.
هروب من الفشل..
أما الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، فيرى أنّ ما يقوم به المستوطنون في الضفة الغربية تعبير عن حالة التمسك بتاريخية القصة والرواية، التي يريدونها ترسيخها في العقل الفلسطيني عبر سياسة "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقوك"، وبالتالي تقام دولة المستوطنين التي يراها "سموتريتش" و"بن غفير" و"نتنياهو" وهو ما يرونه أساساً للحكم القادم وهي "يهودية الدولة".
ويوضح لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ تصرفات المستوطنين تتبع من الهروب من الفشل الذي يلاحق "إسرائيل"، وما يطلقون عليه "لعنة العقد الثامن"، وهذا أمر خطير خاصة بعد الحرب مع إيران وحالة اليأس لدى الإسرائيليين عن تحقيق إنجاز كبير.
وبالتالي يرى المستوطنون أنّ الهروب نحو ساحة الضفة الغربية سيُحقق لهم انتصارات سهلة وسريعة بالتوسع في الأرض والعربدة على الفلسطينيين وممتلكاتهم لتظهر "إسرائيل"، أنها تتوسع وهذا أمر تكذبه الدلائل، يضيف القيق.
ثم يستطرد: "لكن المستوطن هو الذراع الإسرائيلي الذي من خلاله يعمل الاحتلال من أجل الحفاظ على وجوده، ويحقق عبر هذه الأداة إعلامياً ونفسياً، ما لم يحقق بالحرب في غزة أو في إيران".
ويذهب القيق بعيداً في البحث عن حل لمواجهة ما يجري في الضفة من انتهاكات المستوطنين بضرورة حل الفصائل الفلسطينية نفسها، طالما أن المصالح الوطنية لم تتحقق، مؤكدًا على ضرورة الذهاب لحالة ثورية عامة بمشاركة الكل الفلسطيني، دون انتظار نتائج، أو تكلفة؛ لتصبح حالة الثورة فطرية مراكمة لما يسند الحال العام في مواجهة الاحتلال.