الساعة 00:00 م
الأربعاء 09 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.57 جنيه إسترليني
4.74 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.94 يورو
3.36 دولار أمريكي

فوق أنقاض رفح

تحذير من مخطط تهجير إسرائيلي مغلف بخطاب إنساني زائف

حجم الخط
المرصد الاورمتوسطي
غزة - وكالة سند للأنباء

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الخطة الإسرائيلية التي كشف عنها وزير الجيش الإسرائيلي "يسرائيل كاتس"، والتي تقضي بنقل سكان قطاع غزة بالكامل إلى ما يُسمى "منطقة إنسانية" تُنشأ فوق أنقاض جزء من مدينة رفح، تمثّل تصعيدًا خطيرًا في مسار الإبادة الجماعية المتواصلة.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن خطط إقامة ما تسميه "إسرائيل" "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة ضمن مخططات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين خارج بلادهم.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، قبل أيام أن هذه المدينة ستقام بين محوري فيلادلفيا وموراغ جنوب القطاع، بزعم الفصل بين المدنيين والمقاومة.

وأكد "المرصد" في تقرير له اليوم الأربعاء، تلقته "وكالة سند للأنباء" أنّ هذه الخطة تجسّد خطوة متعمّدة لإفراغ غزة من سكّانها الأصليين، وفرض واقع ديموغرافي جديد بالقوة خدمةً لمشروع استعماري يستهدف محو الوجود الفلسطيني من القطاع.

وأوضح، أنّ المخطّط الإسرائيلي يستهدف في مرحلته الأولى تجميع مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة، تمهيدًا لحصر كامل السكّان فيما يُسمّى "منطقة إنسانية" تُقام فوق أنقاض مدينة مدمّرة وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة، على أن تخضع لسيطرة أمنية مشدّدة وقيود صارمة على الحركة، بما في ذلك منع الخروج منها.

وهذا الأمر يعني فعليًا إنشاء معسكر اعتقال جماعي مغلق يُحتجز فيه السكّان قسرًا وخارج أي إطار قانوني مشروع، وفق التقرير.

وحذّر "الأورومتوسطي" من أنّ خطورة هذا المخطّط تتضاعف في ضوء ترحيب كاتس بما وصفه بـ"الهجرة الطوعية" للفلسطينيين، في إشارة صريحة إلى تبنّي "إسرائيل" لسياسة التهجير الخارجي لسكان القطاع.

وأشار إلى أنّ هذا يؤكّد أنّ تجميعهم في الجنوب لا يُمثّل غاية إنسانية، بل يُشكّل مرحلة انتقالية ضمن خطة ممنهجة لتفريغ غزة من سكّانها الأصليين، في امتداد مباشر لسياسات الاقتلاع والتطهير العرقي التي تنتهجها "إسرائيل" منذ النكبة عام 1948، والرامية إلى محو الوجود الفلسطيني واقتلاعه من أرضه بصورة نهائية.

ولفت أنّ هذا المخطّط يُشكّل انتهاكًا صارخًا وخطيرًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيّما الحظر المطلق على النقل القسري والاحتجاز الجماعي للسكان المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ما يضعه بوضوح ضمن أفعال التهجير القسري والاضطهاد والفصل العنصري.

وحذّر من أن الأخطر هو تجميع نحو مليوني فلسطيني في منطقة مدمّرة، مغلقة، وتفتقر إلى أبسط شروط الحياة، وخاضعة لقيود صارمة على الحركة، يُعدّ دون مواربة عملًا منظّمًا من أعمال الإبادة، يقوم على فرض ظروف معيشية قاتلة تهدف إلى التدمير التدريجي للسكان في القطاع، عبر سياسات التجويع، والإذلال، والاحتجاز الجماعي، والإخضاع القسري.

ونبّه إلى أنّ تصريحات "كاتس" حول استغلال وقف إطلاق النار المؤقت، الذي تجري مباحثات للتوصّل إليه منذ أيام، تُظهر بوضوح أنّ الغاية من الهدنة ليست وقف الإبادة الجارية، بل منح جيش الاحتلال الوقت والظروف الميدانية اللازمة لإنشاء معسكرات اعتقال جماعية، يُجبر على التوجّه إليها مئات آلاف المدنيين تحت وطأة الجرائم المتصاعدة من قتل وتجويع وتهجير قسري.

وحذّر المرصد، من أنّ هذه التصريحات الرسمية، التي تعكس سياسة مدروسة ومعلنة، تؤكد مجددًا أنّ "إسرائيل" تمضي قدمًا في تنفيذ مخطّط منهجي للتهجير القسري في غزة، من خلال هندسة ديموغرافية قسرية تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني، عبر تجميع المدنيين في مناطق مغلقة ومحاصرة تُشبه "مخيمات احتجاز جماعية" أو "غيتوهات" سكانية مفروضة بالقوة.

وقال إن الأدلة على الأرض تشير بوضوح إلى أن ما يجري هو تنفيذ لخطة سياسية محدّدة وليس نتيجة عمليات عسكرية طارئة، تكون فيه تصريحات كاتس، لا نفي الجيش، هي التي تعبّر بدقّة عن النية الفعلية والسياسة الرسمية، وتُشكّل قرينة قاطعة على ارتكاب جريمة تهجير قسري جماعية تُدار بغطاء عسكري.

وشدّد على أنّ إطلاق تسميات مثل "منطقة إنسانية" أو "منطقة عبور إنساني" على هذه المخيمات لا يمثّل سوى تلاعبًا مقصودًا بالمصطلحات، بهدف تبرير سياسات قسرية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزة، باستخدام خطاب إنساني مزيّف يتحدّث عن "كسب ثقة السكان" أو "نزع التطرّف" كمبررات أمنية زائفة لإفراغ القطاع من سكّانه الأصليين.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ تجاهل الدول والمنظمات الأممية ذات الصلة لسياسة التهجير القسري الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة لا يمكن تبريره بالعجز، بل يُشير إلى حالة تساهل، وأحيانًا تواطؤ فعلي، في تمرير مخططات تهدف إلى إفراغ القطاع من سكّانه؛.

وبيّ أنه الاحتلال أصدر أول أمر إخلاء جماعي بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين أول 2023، ثم توالت مئات أوامر الإخلاء القسري دون توقّف، دون أن تُمارَس أي ضغوط فعّالة من الجهات المعنية لوقف هذه الجريمة، وقد أسفر ذلك عن تهجير الغالبية الساحقة من سكان غزة قسرًا، وتركهم بلا مأوى إنساني أو حماية، في واحدة من أكثر حالات النزوح الجماعي تطرفًا ووحشية في العصر الحديث.

وحذّر من أنّ "إسرائيل"، منذ بدء عدوانها، اعتمدت سياسة تدمير شامل تستهدف مفاصل الحياة في قطاع غزة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية، من خلال القضاء المنهجي على كل ما يُمكّن السكان من البقاء، ودفعهم قسرًا إلى النزوح تحت وطأة الحصار والتجويع والدمار.

وقد أدّت هذه السياسة إلى إنهاك السكان واستنزاف قدرتهم على الصمود، في ظل تواطؤ دولي صارخ يسمح لـ "إسرائيل" باستكمال جريمة التهجير القسري، دون أي اكتراث بمصير أكثر من مليوني إنسان باتوا على حافة الهلاك.

وأعرب المرصد الأورومتوسطي عن صدمته من غياب أي إرادة دولية، رغم مرور أكثر من 21 شهرًا، لوقف أداة واحدة فقط من أدوات الإبادة الجماعية الإسرائيلية، مؤكّدًا أن تهجير السكان قسرًا لا يمكن، بأي حال، تبريره باعتبارات عسكرية أو أمنية، وأنّ الصمت الدولي المستمر يُعدّ تمكينا فعليّا لاستمرار ارتكاب هذه الجريمة.

ودعا جميع الدول إلى الاعتراف بأن ما يتعرّض له سكّان قطاع غزة ليست عمليات إخلاء، بل عملية محو منهجية لشعبٍ بأكمله، مشددًا على أن المطلوب اليوم ليس التغاضي أو حتى الإدانة، بل الوقوف الحاسم بين سكان غزة واستكمال الإبادة الجماعية بهدفها النهائي، حمايةً لهم من الفناء، وضمانًا لحقهم في البقاء على أرضهم، وبكرامة.