130 متر مربع هي مساحة منزل  مقام داخل المسجد الأقصى، تبدو ضيقة مقارنة بغيرها، لكنها في رحابة قدرها بالنسبة لعائلة  الفتياني المقدسية خير من الدنيا وما فيها.

إطلالة لا تقدر بثمن، على القبة الذهبية والقباب حولها،  تخفف آلام ومعاناة العائلة المقدسية التي ورثت المنزل منذ 70 عاما، وتزيل عن كاهلها  أثقال من العذابات والمضايقات الإسرائيلية اليومية بحقها.

فلا يحتاج الحاج السبعيين موسى الفتياني، إلا أن يفتح نافذة شرفته، ليكحل عينيه في كل وقت و حين، برؤية مسرى النبي محمد ومعراجه إلى السماء.

تاريخ المنزل

 يعرف هذا المنزل العريق بمنزل آل الفتياني، ورثه الحاج موسى،  منذ 70 عاما من جدي حسين الفتياني الذي كان يعمل قاضيا ومفتيا داخل المسجد الأقصى .

يضم ثلاثة غرف جميعها تطل على الأقصى وقبة الصخرة.

ويقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى ويشترك معه في سوره الغربي، وفوق الرواق مباشرة، لذلك عندما تسأل أسرة الفتياني أين تسكنون ؟ فيجيبون نسكن في الأقصى .

وتمتلك العائلة عقارات كثيرة في مدينة القدس المحتلة ، منها مدرسة عثمانية أوقفتها عام 1436م سيدة تركية أوزباكستانية تدعى أصفهان شاه خاتون بنت محمود بنت عثمان ، وجعلها وقفا ذريا لعائلة الفتياني.

بقيت المدرسة على حالها، حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي ، فيما تحولت الى مسكن بعد غياب شمس الدولة العثمانية، وفق المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه النفيس ( المفصل في تاريخ القدس).

تضييق إسرائيلي

ويخضع المنزل لمراقبة إسرائيلية مشددة كونه مرتفع يطل على ساحات الاقصى وعلى ساحة البراق الهامة .

يقول الحاج موسى : نحن في سعادة غامرة لأننا على مدار الساعة في الاقصى .. رغم المعكرات والعراقيل اليومية التي نعانيها .. كلما دخلنا يفتشون أمتعتنا وأكياس الخضار والفواكه".

ويشدد الاحتلال على حركة الدخول والخروج من المنزل، "فلا يسمحون لأقاربنا بالدخول إلى المنزل في المناسبات العامة إلا بعد إشكالات ومشادات وضمانات بأن لا تطول مدة إقامة الضيوف" وفق العائلة.

وبينما تشير الحاجة إيمان إلى قبة الصخرة من شرفتها ، تقول بسعادة غامرة" طلتها تنسينا عذابات الاحتلال اليومية.

وأكثر ما يمتع الحاج موسى المشاهد الإيمانية في شهر رمضان، حيث نطل من شرفة المنزل وقد تجمعت مئات الأسر وتحلقت لتناول طعام الافطار .. يصدع الأذان من مآذن المسجد الاقصى لينطلق الجميع في تناول الطعام ونحن مثلهم في مشهد جماعي ممتع" .

  وتصف هيا ابنة العائلة جماليات المشهد الساحر ، "  في الصباح وعند بزوغ الشمس الجميلة أجلس أنا وأمي ووالدي نشرب قهوة الصباح بجوار الشرفة الكبيرة "

تضيف "أسمتع بالمشهد الجميل وأرقب زوار المسجد الأقصى الذين يصلون الفجر ويستمرون في رباطهم حتى طلوع الشمس يصلون الضحى وينطلقون الى بيوتهم وأعمالهم".

ثم بعد هذا تجهز نفسها وتذهب إلى مدرستها في احدى جنبات القدس"، قبل أن تعود "بشغف الى المنزل لأعد الطعام لأمي وأبي ونتناوله معا بجوار الشرفة نفسها فنتمتع بالطعام والمنظر الإيماني الجميل الذي ينعش الوجدان .

من الذاكرة

وتستذكر الحاجة إيمان كيف أنها تقدم خدماتها إلى المصلين وزوار المسجد الأقصى، ففي يوم من أيام رمضان ، إحدى المصليات  من يافا ، اقترب موعد أذان المغرب ولم تتمكن من تناول فطورها المثلج الذي جلبته من منزلها ، فلجأت إلينا وقمنا بتسخين طعامها لها في مطبخنا ورفضنا خروجها  وشاركتنا بطعامها وطعامنا وأفطرنا معا.

وتتذكر مربية الاجيال هيا الفتياني كل الأحداث الجسام التي كانت تحصل في الاقصى في الانتفاضات والهبات المتتالية"، وكيف أن أصوات الرصاص وقنابل الغاز تخترق هدوء منزلها.

ولا زالت هيا تتذكر يوم استشهاد شبان عائلة جبارين الذين قتلهم الاحتلال قرب قبة الصخرة في يوليو/تموز 2017.

وتؤكد أنهم نزفوا على الأرض نصف ساعة بدون أن يسمح الاحتلال بإسعافهم وهي ترقب ذلك من شرفة المنزل وقلبها يعتصر ألمنا على الشهداء .

ويشير الحاج المقدسي إلى أن دخولهم إلى المنزل وخروجهم منه، مرتبط بمواعيد الصلاة عبر البوابات الخارجية.

ويفرض الاحتلال قيود مشددة على الصلاة في المسجد الأقصى.

لكن بالنسبة للعائلة المقدسية، يهون هذا الأمر مقارنة بإغلاق أبواب المسجد في الأحداث حيث يغلق علينا أحيانا لمدة أسبوع وقد نكون بحاجة إلى طعام أو شراب أو علاج".

وليس أمام الحاج موسى وعائلته إلا "أن نصبر ونحتسب فداء لجوار الأقصى وساحاته والرباط فيه وحوله" .