ألقى انتشار "كورونا" في فلسطين بظلال قاتمة على الواقع الاقتصادي برمته، ومع مرور الوقت وتمديد حالة الطوارئ وبقاء الناس في منازلهم، انضم آلاف المواطنين لقوائم المتعطلين عن العمل الذين تقطعت بهم السبل.
ووسط هذه الحالة السوداوية، طفت على السطح مبادرات خيرّية متعددة، فخلال الأيام الأخيرة الماضية أعلنت عدة قرى في محافظة نابلس عن إطلاق حملات لمساعدة العائلات التي تضررت من تبعات انتشار الفايروس.
من عقربا البداية
البداية كانت من عقربا جنوب شرق مدينة نابلس، ففي تلك البلدة أعلن وجهاؤها عن تشكيل لجنة تضم 15 عضواً، لجمع التبرعات النقدية والمواد العينية قبل توزيعها على العائلات المحتاجة.
ويقول رئيس بلدية عقربا غالب ميادمة: "مع استمرار حالة الطوارئ وعدم تمكن كثير من المواطنين من التكسب نتيجة توقف أعمالهم، جاءت فكرة إنشاء هذه اللجنة، خاصة أن جميع المؤشرات تدلل على أن هذه الأزمة قد تطول".
ويضيف ميادمة لـ"وكالة سند للأنباء": "فور تشكيل اللجنة وقبل دعوة الناس للتبرع، ساهم أعضاؤها بحوالي 65 ألف شكيل، كي يكونوا قدوة لبقية المواطنين، بعدها أعلنا عن حملة لجمع التبرعات على الهواء مباشرة عبر صفحة البلدية في فيس بوك وصفحات أخرى".
ويشير ميادمة إلى أن التبرعات انهالت على اللجنة حتى وصلت خلال يومين فقط لحوالي 870 ألف شيكل، عدا عن التبرعات العينية، وأن أحد تجار الملابس تبرع لوحده بـ 70 ألف شكيل.
تخوفات المغتربين
وحول المعيقات التي تعترض الحملة، ذكر رئيس البلدية أن هناك الكثير من مغتربي البلدة أبدوا استعدادهم للتبرع، لكنهم يخشون من التبعات الأمنية حال قاموا بتحويل مبالغ كبيرة لحسابات بنكية في فلسطين.
ويلفت إلى أن جمع التبرعات أسهل بكثير من توزيعها، فقوائم المحتاجين التي بحوزتنا قديمة وبحاجة لتحديث، كما أن إرضاء جميع الناس تبدو صعبة، ولن تسلم اللجنة من الاتهامات مهما كانت على درجة عالية من النزاهة.
ويشير إلى أن الأموال التي تم جمعها ستوزع على مستوصف البلدة التابع للجنة الزكاة، والعائلات الفقيرة والعمال المتضررين، إضافة لشراء مواد تعقيم وتنظيف للاستخدام العام.
بيت فوريك الخير والإسناد
حملات جمع التبرعات تواصلت في قرى نابلس، ففي بلدة بيت فوريك شرق المدينة أعلن الأهالي هناك عن تأسيس لجنة "الخير والإسناد" لمساعدة المتضررين من "كورونا".
وفي هذا الإطار، يقول أحد أعضاء اللجنة حسام أبو حيط:" في ظل أزمة كورونا التي تركت الكثير من العائلات من دون غطاء مادي، جاءت فكرة تأسيس هذه اللجنة التي تضم أعضاءً في لجنة الزكاة والبلدية وشخصيات أخرى من بيت فوريك".
ويضيف لـ "وكالة سند للأنباء" إنه فور تشكيل اللجنة أعلنا عن حملة لجمع التبرعات على الهواء مباشرة عبر صفحة بيت فوريك أولاً في فيس بوك، تفاعل الناس فاق توقعاتنا، استطعنا خلال يومين جمع تبرعات عينية بحدود 160 ألف شكيل، ونقدية بقيمة 470 ألف شيكل تقريباً.
زجاجة الزيت الثمينة
وعن أبرز المشاهد اللافتة في هذه الحملة، ذكر أبو حيط:" خلال الحملة تبرعت إحدى العائلات المتعففة بزجاجة زيت زيتون صغيرة، وكنا نعلم أن هذه التبرع يعني الكثير بالنسبة للعائلة، وعلى الفور عرضناها للمزاد العلني حتى وصل ثمنها لحوالي 2000 شيكل.
وحسب أبو حيط فإن هذه الحملة ستتبعها حملة أخرى تسبق شهر رمضان، لأن "كورونا" ترك الكثير من العائلات في وضع اقتصادي لا تحسد عليه.
بيتا.. نموذج ثالث
المشهد في بلدة بيتا جنوب نابلس لم يكن مختلفاً عن جارتيها عقربا وبيت فوريك، فهناك أعلن عدد من الشخصيات المستقلة عن إطلاق حملة لجمع التبرعات برعاية البلدية.
وعن الدوافع وراء إطلاق هذه الحملة، أوضح عضو لجنة الإغاثة المنبثقة عن لجنة الطوارئ حذيفة هلال أن الفكرة انطلقت من الواقع الذي تعيشه العائلات المستورة والخوف من المستقبل، فالكثير من الخبراء يتوقعون امتداد هذه الأزمة لفترة طويلة.
وتابع هلال لـ "وكالة سند للأنباء" إن المواطنون بشكل عام فقدوا الثقة بالجهات الرسمية، والتحدي اليوم هو إعادة هذه الثقة المفقودة، ولأجل هذا الغرض وسعنا قاعدة المشرفين على هذه الحملة حتى يثق الناس بنا أكثر.
وعن نتائج هذه الحملة، بيّن هلال أنه تم جمع حوالي 150 ألف شيكل، تم استلام منها 30 ألفاً، بالإضافة لتبرعات عينية، وأن أحدهم تبرع بـ 50 كيلو لحمة و800 كيلو خبز وغيرها الكثير.
وحسب هلال فإن مواطنين وضعوا أيضاً شققاً ومخازن فارغة تحت تصرف اللجنة من أجل استخدامها كأماكن للحجر الصحي حال دعت الضرورة.
خاتم.. كل ما تملكه
وعن المشاهد اللافتة في هذه الحملة، تحدث هلال:" خلال الحملة اتصلت علينا امرأة معروفة في البلد بأنها من العائلات المتعففة، تبرعت بخاتم وقرط، وقالت إن هذا كل ما تملكه، هذا الموقف دمعت له عيون أعضاء اللجنة وأظهر حجم التكافل بين الناس".
ونوّه عضو لجنة الإغاثة إلى أن اللجنة وضعت آليات محددة لتوزيع التبرعات على أصحابها، وأن الأولوية ستكون للأسر المحتاجة والفقيرة، ثم العاطلين عن العمل من جميع عائلات البلدة الـ17.
وقال:" تركنا الباب مفتوحاً أمام المواطنين من أجل تزويدنا بأسماء العائلات المتعففة التي ربما لا يعلم بها إلا الله، وبعد التدقيق والتحري من طرفنا سنوصل هذه المساعدات، كما سنحافظ على مخزون احتياطي للفترة القادمة، فلا أحد يعلم متى تنتهي هذه الأزمة".