منذ 58 عاماً ولا يزال الحاج محمد قطروس يستيقظ كل يوم قبل سويعات من أذان الفجر، متجولاً في أزقة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لإيقاظ الناس لتناول سحورهم في شهر رمضان الفضيل.
وبصوته الشجي وترانيمه الجميلة، وبدفة بين يديه ترافقه يصدح الحاج قطروس "وحدوا الله أفلح من قال لا إله إلا الله..صلوا على رسول الله".
ويقول قطروس في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أنا أعشق هذه المهنة كوني عملت بها وأنا في عمر 13 عاماً، برفقة أحد الزملاء حيث بدأ التسحير معه في ذلك الوقت على "صينية" واستمر معه في العمل لمدة 4 سنوات".
طبلة الحاج قطروس هي بحد ذاتها قصة أخرى، والتي ترافقه منذ عام 1980م، ويرفض استبدالها والتي يجوب بها مخيم النصيرات ناشراً الفرحة بين الأهالي والمواطنين.
سعادة الأطفال سعادتي
وللأطفال نصيب من فرحة الحاج "أبو أحمد قطروس" في مهنته، والذين ينتظرونه كل ليلة والذي اعتاد أن يوزع عليهم الحلوى أثناء ملاقاتهم لإسعادهم وإدخال السرور عليهم.
ويضيف "سعادة هؤلاء الأطفال هي سعادتي حيث أشعرهم بفرحة رمضان وفضل الشهر الكريم وتشجيعهم على الصيام ومشاركتهم لي الأدعية الرمضانية والأهازيج الشعبية والتراثية".
وأكد الحاج قطروس على أهمية المحافظة عليها والاهتمام بها لتعريف الأجيال الجديدة على هذه المهنة بوصفها واحدة من المهن التي زاولها الآباء والأجداد، وارتبطت بتاريخهم القديم وأثرهم الحضاري، حيث أصبحت موروثًا شعبيًّا تتوارثه الأجيال.
والمسحراتي أو المسحر مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، حيث يحمل الطبل أو المزمار ويقوم بدقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوب ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.
ويعتبر أول من قام بهذه المهمة هو بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام الذي كان يؤذن للسحور وابن أم مكتوم الذي كان يؤذن للامتناع عن تناول الطعام لحلول الفجر.
ورفض الحاج قطروس الأحاديث التي تعبر أن المسحراتي لم يعد له دور أساسي، بحجة انتشار التكنولوجيا والتنبيهات الإلكترونية، معتبراً أن المسحراتي ضروري في رمضان كونه من طقوس الشهر الفضيل ويعطي نكهة خاصة.
ترحيب وقبول
وأضاف أن سكان المخيم يُعبرون عن إعجابهم بهذه العادة المتوارثة عن الأجداد، ويرغبون في الحفاظ عليها، مضيفاً "أخرج في كافة الظروف، في المطر والبرد القارس، وفي ليالي الحر، دون كلل أو ملل".
وأوضح، أنه في غزة للمسحراتي طعم آخر فلا يكتمل رمضان من دونه، حيث يرتبط ارتباطا وثيقاً بالتقاليد الشّعبية الرّمضانيّة، فقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحّراتي جولته الّليلية في الشوارع العامة والفرعية.
ويختم الحاج قطروس بالقول " ابكي بحرقة حين تأتي العشر الأواخر من رمضان وتبدأ الناس بتوديعه، وتبدأ فيه تهاليلنا الخاصة: إصحى يا نايم إصحى يا غفلان.. قوم واصحى وسبح الرحمن.. ونغني كذلك طلع البدر علينا".