الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

خاص في المخيم.. التغريبة مستمرة

حجم الخط
1.JPG
غزة-سند

بيوت متلاصقة بأسقف صفيح (زينقو)، وأزقة لضيقها، لا يستطيع المارة التجوّل فيها، لا مرافق صحية، ومياه شديدة الملوحة إن توفرت، يبدو منظر برك الماء عند الأبواب، روتينيًا في مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة.

صوت ضحكِات الأطفال من البيوت، تُشعرك وأنت تمّر بأزقة المخيم الضيقة، كأنها تسير بجانبك، ففي هذا المخيم، كل الأشياء قريبة من بعضها، حتى المنازل للوهلة الأولى تعقتد أنه يجمعها سقف واحد.

هو قدر واحد يتقاسمه أهل المخيم، منّذ نكبة الفلسطينيين التي مرّ عليها واحد وسبعين عامًا.

ومخيم الشاطئ، هو ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، التي احتضنت عدد من الذين هُجرّوا من ديارهم بعد أحداث النكبّة التي حلّت بهم.

ويقع المخيم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مدينة غزة، وفي البداية، استضاف مخيم الشاطئ 23,000 لاجئ من الذين هُجرّوا من اللد ويافا وبئر السبع، والجورة، وحمامة، وهربيا والسوافير، وغيرها من المناطق الأخرى في فلسطين.

وحاليًا يُعد المخيم مأوى لأكثر من 85,628 لاجئ يعيشون جميعهم في بقعة لا تزيد مساحتها عن0.52  كيلومتر مربع فقط.

وأنت تسير بين أزقة المخيم، تُشاهد المنازل القديمة المتهالكة، وامتزاج أصوات الجيران في الشوارع، وازدحام صفوف اللاجئين في طابور أمام مركز خدمات الشاطئ للأونروا لاستلام مواد تموينية.

تشاهد كبار السن وهم جالسون على قارعة الطريق يتبادلون الحديث ويتشاركون الهموم بشكلٍ شبه يومي.

 هذا وغيره من المشاهد يجّر إلى ذاكرتك، مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، الذي وثقّ نكبة الفلسطينيين بصورة درامية، كما لو أن النكبّة هي هي منذ واحد وسبعين عامًا، لكن باختلاف التفاصيل والوقائع والأمكنة.

النكبة.. لغةٌ عَرف اللاجئون أبجدياتُها وحروفُها ومفرداتها، هي آهات وآلام وجرح غائر، يُضمده فتات أملٍ بالعودة إلى الديار.

شاهدة على النكبة

رغم مرور واحد وسبعين عامًا على النكبة، لا تزال الحاجّة أم عوني الكحلوت(84 عامًا) من قرية نعِليا قضاء المجدل، تتذكر المسير الذي وصفته "بالأكثر حزنًا" حُين هُجرت مع عائلتها إلى غزة تاركين خلفهم بيوتهم وممتلكاتهم وأحلى الذكريات.

بصوتها الطيّب تُحدثنا أم عوني: "خرجنا بدموع حارقة، ومرارة تأكل القلوب، لا أنسى ذلك اليوم، حضّرنا أنفسنا، وأخبرنا عمي (والد زوجي) بأن جلوسنا في غزة لن يتجاوز أيامًا معدودة، فسكنا في الشجاعية، أقرب الأماكن لقريتنا".

مرّت يوم .. يومين، شهر، جرّ آخر، ثم عامين.. وشعاع الأمل بالعودة يخفت شيئًا فشيء، فقررت عائلة أم عوني الاستقرار في مخيم الشاطئ للاجئين رغمًا عنها.

كان المخيم على مدّ البصر أشبه بالأحراش، _كما تصفه أم عوني_، وجزء منه ساحات واسعة فارغة، لكن حين هُجروا من ديارهم وقراهم ومدنهم الأصلية، لجأ عدد من الفلسطينيين للمخيم، وكان تشرف على إدارة شؤونهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين"الأونروا".

ولم يغب عن أذهان الحاجة أم عوني أدق التفاصيل، في تلك الحقبة الزمنية التي فُصلت فيها أرواحهم عن أجسادهم، فأصبحوا في غربة مريرة لم تنتهِ تفاصيلها بعد.

يبدو الحزن واضحًا في صوتها وهي تستذكر معنا تفاصيل اللجوء: "منحتنا الوكالة خيمة، وكنّا 6 أشخاص، نعيش فيها ولك أن تتخيلي، حجم المعاناة".

أما دورات المياه فكانت عامة في المخيم، للنساء مكان، وللرجال آخر، وهذا فصل كبير من المعاناة اليومية التي عاشها اللاجئون على مدار أعوام.

وفي سؤالنا متى صرفت لكم الأونروا الخدمات المعيشية؟ تُجيب: "مباشرة، بعد استلامنا كرت المؤن، وكنّا نستلم الكابونة أسبوعيًا، فيها كل المواد التموينية".

ويطلق اللاجئون الفلسطينيون على البطاقة الزرقاء التي منحتها لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بعد النكبة اسم "كرت المؤن".

وقد منحت "أونروا" هذه البطاقة لأسر اللاجئين عام 1948 للتأكد من كونهم يستحقون الاستفادة من خدماتها.

ويستفيد حاملو "كرت المؤن" من 3 أنواع أساسية من الخدمات وهي: التعليم والرعاية الصحية والإغاثة أو "الإعاشة" المشتقة من معاش".

"اشتقتِ للبلد؟"، صمتت هُنَيْهَة، كأن السؤال سكين تربع بالحشا، ثم ردت: " طالت كتير، والله ما توقعتها هيك يا بنتي، ريحة البلاد تزكم أنفي، وذكراها يُنعش القلب، فكيف بعودتنا إليها؟"

وتحاول أم عوني رغم حزنها الثقيل، مواساة نفسها، وتصبيرها، بأحلى الذكريات التي عاشتها في البلاد، في ظّل عائلتها، وجيرانها، وأقاربها، والتي لا تمّل من سردها لأحفادها عند كل جلسة سمر تجمعهم معًا.

معاناة المخيم

ويُعاني مخيم الشاطئ من مشاكل كبيرة في مختلف مناحي الحياة، أبرزها سوء تهوية البيوت وعدم تعرضها للشمس، وانقطاع الكهرباء، ومياه شديدة الملوحة لا تصلح للشرب، وتنقطع كثيرًا عن أهل المخيم.

إضافة إلى انعدام البينة التحتية واكتظاظ السكان نظرًا لضيق مساحته، حيث تُبنى المنازل بالقرب من بعضها البعض، وهناك نقص في الأماكن الترفيهية العامة.

وفي كثير من الحالات، اضطر السكان للتوسع العمراني الأفقي، لاستعياب عوائلهم ويتم ذلك على الأغلب بدون تصميم منظم، كما تعيش الكثير من الأسر في ظروف معيشية متدنية وغير مناسبة.

إذا النكبة الفلسطينية، هي كما قيل فيها "محاولةُ تغييرِ طبيعةِ الجغرافيا وتشويهِ مسارِ التاريخ بإحلالِ شعبٍ من العصاباتِ والمجرمينَ، محلَ شعبٍ نبتتْ جذورهُ منذُ آلافِ السنين على هذه الأرض".