الساعة 00:00 م
الأربعاء 08 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.63 جنيه إسترليني
5.22 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.7 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

وفي جدران فلسطين.. تُختزل الحكايا

حجم الخط
tbJx0.jpeg
غزة_ وكالة سند للأنباء:

على الجدران، حكايات كثيرة، تختبأ خلف كل حرفٍ كُتب عليها الكثير من التفاصيل، وفيضٌ من المشاعر، تجمع في ألوانها الثورة، الانتصار، الحزن، والفرح، والأماني، ولكل جملة سبيلها في نفوسٍ عابرين قرأوها، فنبشت عن شبيهاً لها في خزائن الذكريات، تصحبها دعوة تُلقى هنا أو هناك.

لطالما كانت جدران المدن الفلسطينية بمثابة إعلان عن الأحداث الحاصلة في الميدان، فتحتفي بكل ما يملكه الفلسطيني، تجد في سطورها تعبير عن دينه وانتماءه، وحبه للوطن، آماله وأحلامها التي يُطارد العمر لأجل تحقيقها، وفي كثيرٍ من الأحيان تجد شعارات الأحزاب والتذكير بكثير من الثوابت والأحداث، كي تبقى عالقة في ذهن الفلسطيني.

62400c1d-78dc-45c7-989c-3a9ee9504730.jpeg
 

صحافة الجدار

وسميت بصحافة الجدار أو الصحافة الجدارية نظراً للكتابة على الجدران، ولأن الشباب الفلسطيني يلجأ إليها في الكثير من المراحل، من أجل إيصال رسائله المعنية، سواء بكتابة الشعارات المختلفة والتي تنم عن ظروفٍ معينة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.

عبارات كثيرة، إيذاناً ببدء ثورة، أو رفضاً لقرار ما، نعي لشهيد، أو احتفاء بالإفراج عن أسير، أو بدءاً بمراسم تهنئة زفافٍ أو حج أو عمرة، أو أنصاف أحلام وحبٍ بقيت معلقة على حبل الحصار، تنتظر التحقيق في يومٍ يكتب لها القدر اكتمالاً.

بدأت الكتابة على الجدران في فترة الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى 1991، انتشرت آنذاك الكثير من الرسومات والكتابات المحفزة لإشعال الثورة والانتفاضة، واقتصرت على الأحزاب الفلسطينية المقاومة.

وجاءت هذه الكتابات في ظل غياب وسائل الإعلام، التي لم تكن الفصائل تستطيع الوصول إليها، وبث رسائلها وفكرها من خلالها، فكانت الجدران الوسيلة الإعلامية المعتمدة من أجل الإعلان عن الأفكار والأهداف، خشية من ملاحقة قوات الاحتلال الإسرائيلي آنذاك واعتقالهم.

واعتمدت الجدران آنذاك كوسيلة مهمة لنقل ما يجري على أرض الواقع، لتصبح بمثابة جريدة الشعب الفلسطيني، وكثرت الكتابة وأصبحت كعلامة وجود وقوة للفصيل الذي يكتب على الجدران.

20479460_1979894378920210_5218263549957328755_n.jpg

بعيدة عن مقص الرقيب

معتصم منصور الذي عمل كخطاطٍ منذ سنواتٍ طويلة، خطّ خلالها الكثير من الأحداث والشعارات الثورية، يوضح لـ"وكالة سند للأنباء" أن أغلب الموضوعات التي دونها على الجدران، هي تمجيدٌ للأسرى ودعم صمودهم، وكذلك نعي الشهداء والتغني ببطولاتهم المميزة، والتأكيد على المضي في طريق التحرير، والعودة إلى الأوطان.

كما وحظيت أغلب الجدران بحب المسجد الأقصى ونصرته، والتأكيد على التمسك به، وكذلك التمجيد بالمقاومة وعملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي من أجل دحره.

ويشير منصور إلى أنه لا تزال الكتابة على الجدران من الوسائل الإعلامية المفضلة لدي الشعب الفلسطيني خاصة في المخيمات، وقد تطورت في عباراتها لتواكب التطورات المتسارعة في فلسطين، وكذلك في الرسم والتعبير واستخدام الألوان، والخطوط الملفتة والجميلة.

وعن السبب الذي كتب لصحافة الجدار البقاء، يبين منصور لـ"وكالة سند للأنباء" أن عامة الناس لا يمتلكون فاتورة الدفع لوسائل الإعلام المعروفة، لذلك يكتبون على الجدران ويرسمون كل ما يريدون بعيداً عن مقص الرقيب.

ويلفت إلى أن الجدران فيها مساحة أوسع لإبراز ما يكتبون بخط أكبر، وكذلك تعتبر الوسيلة الأسرع إلى كل الناس مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية، وكذلك الوسيلة الأدوم لبقائها طويلاً أمام أعين المارين في كل وقت، عدا عن قابليتها للمحو والتجديد، لذلك تعتبر كتاب الناس المفتوح دائما ًوالمتاح للجميع.

GettyImages-959489890.jpg
 

منبرٌ إعلامي

وبعد انتشار وسائل الإعلام واختلاف الظروف لم يعد الجدار، بمثابة اللوحة الإعلانية للثورة والثوار، بل أصبحت كذلك لوحاتٍ فنية تشكيلية يُسقط فيها الرسامون والنحاتون رسوماتهم التي تعبر عن واقع وطنهم السياسي والاجتماعي وغيرها.

كما وأصبحت بمثابة منبر إعلامي للتعبير عما يجول في ذهن الشاب الفلسطيني، فيكتب أحلامه وآماله، علها تصل إلى مرادها، أو تلفت الضمير لمعاناةٍ يعيشها الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال في الضفة الغربية والحصار والبطالة في قطاع غزة.

وانتشرت ظاهرة الكتابة على الجدران في قطاع غزة في الآونة الأخيرة بشكل لافت، فامتلأت جدران المدارس والأماكن العامة والمنازل، التي تعبر عن مشكلات الشباب والأزمات التي عصفت بالقطاع مؤخراً، والتي غالباً ما تكون مرآة للواقع المعاش وانتقاده.

وأوضحت الإعلامية وردة الزبدة أن الكتابة على الجدران نوعٌ من الأدب، وهو عبارة عن معاني مكثفة في كلمات قليلة، لكنها تحمل مضاميناً كبيرة، لذلك تتجه الناس إليها، كونها تحمل في طابعها التعبير عن النفس والذات، دون توجيه الكلمات لشخص بحد ذاته، وفي كثيرٍ من الأحيان هي محاولة للهروب.

وتبين الزبدة لـ "وكالة سند للأنباء" أنه الجداريات تعبر عن النفس بدون أن يتعرض الشخص للإحراج، كما وأن عبارة واحدة قد تشرح ما تحتويه مجلدات.

وتلفت إلى أن الإنسان أحياناً يحتاج إلى أنه يريد الحديث لكن لا يود توجيه الحديث لشخص آخر، فيلجأ لأدب الشوارع للتعبير عن نفسه وعن شعوره أو كتابة أشياء هو تأثر بها شخصياً، وقد تجعل القارئ جملة واحدة يتخيل قصة بأكملها أو رواية كاملة.

تنفيسٌ للأحلام

الاستشارية والأخصائية في تحليل الشخصية من الخط رنا الريماوي، توضح لـ"وكالة سند للأنباء" أن أغلب العبارات التي تدون على الجدران، وخاصة التي يدونها الشباب، يكون لديه رسالة يود إيصالها بصوت عالٍ، فيشعر أن إمكانياته لا تكفي لإيصالها، فيحاول أن يجد بديلاً لإيصال صوته وبشكل أسرع.

وتوضح الريماوي أنه أن الشخص الذي يخط العبارات يعتقد أنه كلما كبرت المساحة التي يريد الكتابة عليها وكانت فارغة، كلما استطاع التعبير بشكل أكبر، فيكتب بالخط الكبير وتأخذ العبارات أكبر من حجمها.

A4B9D272-39D9-4436-B4DF-A6F977C5E3D5.jpg
 

وترجع السبب إلى اختلاط الأفكار في عقول الشباب، والمرور بتجارب معينة، تدفعهم للتنفيس عنها عبر الكتابة على الجدران، وتفريغ مشاعرهم الناتجة عن أذى أو نقص أو حزن أو غضب.

ومع اختلاف العبارات، والدوافع، والنصوص، إلا أن جدران مدن وقرى فلسطيني، تبقى شاهدة على الواقع الذي يعيشه الفلسطيني، ومرآة تعكس أفكاره وتطلعات شبابه، وعقيدته، وثوابته، لتصبح بمثابة هويةٍ يعبر من خلالها المار إلى العقل الفلسطيني، ويدركه بشكل واقعي.


FE88E5F3-8F25-4D80-921F-6BA25741279A.jpg
6217DC98-62D3-4667-8A37-892899CB6FA8.jpg