الساعة 00:00 م
الثلاثاء 16 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.7 جنيه إسترليني
5.32 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.77 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أغاني الصيادين .. تحمل أسرار البحر و"رزقهم"

حجم الخط
قوارب صيد
غزة - سند

على امتداد شاطئ بحر قطاع غزة، على مدّ بصرك قوارب تتراقص في عَرض البحر، تحِمل كدّ الصيادين وتعبهم في ليلة مغامرة، تحمل فرضيات متناقضة كالموت أو الحياة، الرزق الوفير أو عدمه، حتى أصبحت مع الوقت أمرًا اعتياديًا.

ورغم ما يجده الصياد الفلسطيني من متاعبٍ واحتمالات تُلاحقه كما تفعل "الزوارق البحرية الإسرائيلية" ورغم ذلك يظّل هناك فسحة أمل، تدفعهم للترنم بالمواويل الشعبية، وأغاني الحب والحياة التي تمتد إلى تراث بحري قديم، أو الارتجال تفاعلًا مع جو الصيد العام.

كان صوت البحر يتمازج مع همهمات العمّ أبو كمال العامودي: " هيي سهّل علينا يا رب .. هيي الله يرزقنا يا رب .. هيي كرمك يا رب هيي صلِّ على النبي "، والصيادون يسحبون الشِباك  مرددين خلفه" يارب يارزاق ارزقنا".

بصوته الطيّب يقول العامودي (60 عامًا) لـ "سند": "الأغاني التي نرددها في عَرض البحر، ترتبط بشكلٍ رئيسي بالجو العام للصيد، فمثلًا حين يرى الريّس شِباكه تمتلئ بالسمك فإن شعور الفرح الذي يغمره يدفعه للغناء بشكلٍ ارتجالي وبنبرة فرح عالية؛ أما في حال شحّ الرزق فنكتفي بسحب شباكهم بصمت".

وتشكل الأغنية الخاصة بالصياد الفلسطيني حالة أخرى من حالات أغنية الطبقة العاملة الفلسطينية الممتدة عميقاً داخل الوجدان والذاكرة الشعبية المناقضة تماماً لكافة مظاهر العسف والاستلاب والمرتبطة أصلا بالجذور التاريخية والشواهد المدللة على عمق تراثنا .

وتبدأ رحلة الصيد عادة مع ساعات الليل الأولى، إلى الفجر، وأحيانًا تمتد إلى ساعات النهار، يندفع القارب نحو البحر، حيث الرزق المجهول وألسنة الصيادين تتضرع بالدعاء وطلب الزرق والبركة في رحلتهم.

والملاحظ أن المواويل غالباً ما تحمل الطابع الديني والتي تحمل معاني الرزق والبركة والعون من الله، ويُتابع حديثه مستذكرًا: "دائمًا أُذكر أبنائي بالصلاة :صلِّ يا مسلم .. وخذ إبريقك وروح على الجامع، وإن صليتم خيرا لاقيتم ".

وعندما يرى الصيادون شِباكهم ممتلئة بالسمك، يُصبح الصباح سعيدًا والملامح مستبشرة، والأصوات تتعالي بما يُعرف بـ "دالية الصح" :" طلع الصباح .. صبّح يا عليم .. والعِدّة فيها سردين .. وهيلا هيلا يا صياد .. هيلا هالله صلِّ على النبي.. وإن عجبك صلِّ.. وإن ما عجبك صلِّ "، "بهذا نتفاعل وننسي تعب الليل، حين نرى "الرزق" وهو يتراقص في "غَزل الصيد"_الكلام للعامودي_.

والمطّلع على هذه الأغاني سيلاحظ امتزاج اللهجة المصرية باللهجة الفلسطينية أحياناً، حيث كان البحر قبل عام 1982م مفتوحاً على مصر حتى بور سعيد؛ وفقاً لما ذكره خالد جمعة أحد الكتّاب الفلسطينيين والذي تناول هذا الموضوع في أحد أعماله.

ويقول جمعة: "إن الصيادين لا يقدرون على الغناء بعد استعمالهم المحركات لتحريك القوارب في الماء، "إذ لا صوت يمكنه مجاراة صوت المحرك الذي يهدر كوحش".

لكنذ حين يكون الرزق شحيح، أو تكون ليلة موت حقيقة تُلاحق الصيادين كيف يكون الحال؟ يُجيبنا العاموي: "عادة الريّس هو من يتحكم بالمزاج العام للصيادين، فحين نلمس العبوس على وجوههم، أسارع في تنشيطهم وإنعاشهم ورفع معنوياتهم ليرددوا سويةً: " صلوا على النبي ي شباب .. الله الرازق يا شباب هيلا هيلا يا صياد , الخير في الخيط الجاي ي شباب هيلا هيلا صلوا على النبي".

واللافت الجميل أن الأغاني والمواويل التراثية التي  يُغنيها الصياد داخل البحر تتصف بـ "البساطة"، و"العفوية".

وأغاني الصيادين لا تقتصر على الجانب الديني فحسب، كما يُشير ضيفنا، بل يمتد إلى التغني بالحبيب كنوعٍ من تنشيط الهمة، وهذه إحداها: "يا حبيبي لم تراني .. بحري على أول زماني" .

وفي الكثير من الأحيان تكون أغانيهم عبارة عن مناجاة لجمع الشمل: "بالغائب الغالي " فيبدو اللحن أكثر حناناً من غيره : "وإن هبت الرياح قلت لمركبي سيرى .. وأنا صبرت صبر الخشب تحت المناشيري .. ناديت يا طير بحق السما العالي .. تلم شملي وتجمعني بالغالي".

كما يُعد البكاء على الأطلال سمة رئيسية من سمات أغنية الصياد: "يا عمتي هيلا هيلي.. يا أخت أبي هلا هيلي.. ابكي ونوحي هلا هيلي ..والله على هلا هيلي".

أبو كمال الذي عاش عُمره داخل البحر، يعرف أسراره، وتفاصيله، يشير إلى أن الرزق هو العنصر الأكثر إلهاماً لأغاني الصيادين التي بعضها تكون ارتجالية من الصياد، وقد تكون من الأغاني القديمة مثل أغاني أبو عرب: "وهدّي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا .. ودي سلامي ودي على الأرض اللى ربتنا".