الساعة 00:00 م
الجمعة 10 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

هجرة اليهود إلى فلسطين.. صراع على هوية الأرض

حجم الخط
هجرة.jpg
أحمد البيتاوي - وكالة سند للأنباء

104 أعوامٍ على وعد بلفور الذي منحت بموجبه بريطانيا أرض فلسطين "التي لا تملكها"، للحركة الصهيونية "التي لا تستحقّها"، لإقامة "وطن قومي لهم".

هذا الوعد الذي يعتبره المؤرخون علامة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، فتح الباب على مصراعيه أمام هجرة اليهود من مختلف بقاع العالم إلى أرض فلسطين، تلك البقعة الصغيرة التي كانت خاضعة لسلطة الدولة العثمانية التي توشك على الانهيار.

فبعد صدور هذا الوعد الذي جاء بعد عام واحد على بداية الانتداب البريطاني، انتعشت حركة الاستيطان وأخذت موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين تتوالى بدعم من حكومة الانتداب.

ونتيجة حتمية لذلك بدأت أعداد اليهـود في فلسطين تتزايد يومًا بعد يوم، حيث بلغ عدد المهاجرين في الفترة ما بين عامي 1919-1923 نحو 35 ألف مهاجر يهودي، ضمن ما بات يعرف بموجة الهجرية اليهودية الثالثة، لتتوالى بعدها موجات أخرى أتت بـ100 ألف يهودي.

ارتفعت بعدها نسبة اليهود في فلسطين من 5% من مجمل أعداد السكان يوم إصدار الوعد،  إلى نحو 31.7 % في العام الذي أُعلن فيه عن قيام دولة إسرائيل.

وبعد مضي قرن وأربعة أعوام على هذا الوعد، يرى مختصون أنه كان أحد الركائز التي قامت علها دولة إسرائيل، لأنه ساهم بصورة مباشرة في تدفق المهاجرين اليهود، وأخلّ بالتركيبة الديموغرافية التي كانت تعطي أفضلية للفلسطينيين في ذلك الوقت.

أحد تجليات هزيمة الدولة العثمانية

يقول الكاتب والمؤرخ الفلسطيني صالح عبد الجواد: "إن وعد بلفور كان أحد تداعيات هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبصرف النظر عن موقف من يؤيد السياسة التركية الحالية أو يعارضها: لو بقيت هذه الإمبراطورية على قيد الحياة لما ظهرت إسرائيل على الخارطة".

وأضاف لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذا الوعد الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور، كُتب بعناية فائقة وساهمت الحركة الصهيونية على رأسها هربت صموئيل بصياغة كلماته.

وجاء في حديثه: "أنه رغم قصر هذا الوعد حيث يتكون من 67 كلمة فقط، غير أنه أخذ عدة سنوات وجولات حتى خرج بهذه الصيغة".

ويرى "عبد الجواد" أن تبني عصبة الأمم المتحدة لوعد بلفور، منحه شرعية دولية كانت تبحث عنها الحركة الصهيونية في ذلك الوقت.

ولفت إلى أن الوعد كان جزءاً من خطة بريطانيا وفرنسا، لرسم خريطة المنطقة من خلال اتفاقية سايكس بيكو وظهور الدولة القطرية.

وأورد "ضيف سند" أن هذا الوعد وضع الأسس لتدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين خلال المرحلة التي سبقت قيام دولة إسرائيل عام 1948.

ووفقًا لـ "عبد الجواد" فإن "إسرائيل تعاني من بطئ في نمو عدد سكانها، نتيجة لعزوف الشبان عن الزواج أو عدم رغبتهم بالإنجاب، لذلك تبرز أهمية الهجرة لتعويض هذا النقص في أعداد اليهود".

ويعتبر الخبراء في إسرائيل أن الحرب الديموغرافية بين العرب واليهود ما بين البحر والنهر لا تقل أهمية عن المواجهة العسكرية.

هجرة اليهود العمود الفقري لـ"وعد بلفور"

يمكن القول، أن هذا الوعد كان سيظل مجرد حبر على ورق، لو لم يترافق مع إسناد بشري، ومن هنا برزت أهمية الهجرة اليهودية لفلسطين، والتي مرت بعدة مراحل منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل وحتى يومنا هذا.

وتعد الفترتين (1948-1960) و(1990-2000) من الفترات الذهبية التي جذب مهاجرين يهود باتجاه فلسطين، حيث ساهمت الهجرة في تلك المرحلتين بنحو 65% من إجمالي الزيادة اليهودية.

ويرى أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية غسان وشاح، أنه صياغة وعد بلفور بعناية فائقة من خبراء ومختصين في القانون والسياسة، وأن كل كلمة فيه كان لها مدلول هام.

وشدد "وشاح"  لـ"وكالة سند للأنباء" أن ذلك كله يصب لأجل هدف واحد، وهو أن تصبح فلسطين بقعة جاذبة لليهود في جميع بقاع العالم، دون أن يفقدوا حقوقهم في بلدانهم الأصلية التي أتوا منها.

هجرة عكسية

وحسب الباحث فإن إسرائيل تعيش اليوم أزمة حقيقية، فلم تعد تلك الدولة الجاذبة ليهود العالم، وهو ما انعكس على أعداد المهاجرين اليهود لفلسطين، خاصة خلال العقديين الأخيرين، الذين  شهدا اندلاع انتفاضة الأقصى وعدة حروب في قطاع غزة وموجات مسلحة في الضفة.

ونبّه أنه كلما اشتدت المقاومة والاشتباك مع الاحتلال سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة وتقلص شعور اليهودي بالأمن كلما أثّر ذلك على حركة الهجرة اليهودية.

ويؤكد "وشاح" أن "إسرائيل عانت خلال السنوات الأخيرة من هجرة عكسية لليهود من فلسطين إلى بلدانهم التي أتوا منها، فلم نعد نسمع عن وصول أفواج تضم ألآلاف من يهود أمريكا وأوروبا إلى فلسطين".

وأشار إلى أن "الأعداد تقلصت لبضع مئات، اقتصرت على يهود أفريقا الذين يجذبهم العامل الاقتصادي فقط".

ويشير الحاخام اليهودي "إلياهو كوفمان " إلى أن أكثر من 1.5 مليون شخص تم استقدامهم منذ تسعينيات القرن الماضي إلى إسرائيل، لكنهم ليسوا يهوداً في الأصل، إلى جانب 500 ألف يقطنون في إسرائيل دون أن يتم تصنيفهم تحت أي ديانة.

وتبعًا لـ "وشاح" فإن العامل الديني والحديث عن إعادة بناء الهيكل في القدس لا يزال حاضراً في أساليب الدعاية التي تستخدمها إسرائيل لجذب يهود العالم إلى فلسطين.

واستدرك "حتى هذا الأسلوب الذي كان العامود الفقري في الدعاية الإسرائيلية لم يعد جذّاباً في أوساط يهود أوروبا وأمريكا من الجيل الثالث والرابع، الذين باتوا أكثر علمانية وابتعاداً عن الدين".

ويعتقد الحاخام "كوفمان" أن الحوافز المالية، وإغراق العائلات اليهودية المهاجرة بالهبات والإعفاءات الضريبية والسكن المجاني والامتيازات لسنوات طويلة، أو حتى العقائدية الصهيونية التي يروج لها في سبيل استقدام اليهود، تفقد تأثيرها وقيمتها.

وأردف: "رغم هجرة اليهود من دول أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا وروسيا وانتقالهم للعيش في إسرائيل، غير أن هؤلاء يرفضون التخلي عن جنسيتهم الأصلية ويحتفظون بجوازات سفرهم، وباتوا يتنقلون بين دولتين، وهو ما يعني أن إسرائيل لم تعد بيئة آمنة ولا مستقرة في نظرهم".

التركيز على النوع لا الكم

وفي محاولة من إسرائيل لتعويض النقص في أعداد المهاجرين اليهود من دول العالم، أوصت دراسة لمعهد السياسة القومية في جامعة "التخنيون" الإسرائيلية بحيفا، بالتركيز على النوع على الكم عند الحديث عن استجلاب يهود العالم.

وأكدت الدراسة التي صدرت مؤخرًا، على ضرورة التركيز على إحضار عائلات النُخب اليهودية خاصة في البرازيل ودول أميركا اللاتينية، الذين يحملون مؤهلات علمية عالية في الطب وعلوم التكنولوجيا والهاي تيك.

واليوم، يمكن القول إن بريق الهجرة اليهودية إلى فلسطين خفت بعض الشيء،  فلم تعد إسرائيل في عيون يهود العالم "أرض العسل واللبن"، لمن أراد العزف على وتر الاقتصاد والمال، ولا هي "أرض الهيكل" لمن أراد العزف على الوتر الديني.