الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

بالفيديو الزجاج والخزف.. حرفة شاهدة على عمق الحضارة والتراث الفلسطيني

حجم الخط
صناعة الخزف والزجاج.jpg
الخليل - وكالة سند للأنباء

لا تكاد تدخل زقاقاً أو حارة في مدينة الخليل حتى تأسرك رائحة من عبق الماضي البعيد وتلتف حولك المشاعر تزاحمك بارتباطك الوثيق بهذه الارض، وكيف بنت أمجادها بيديها كشجرة تأبى إلا أن تكون جذورها ضاربةً في عمق الثرى.

 إرث المشاعر يبقى في خيالك حتى يرتطم بالواقع المرير الذي تعيشه الأرض الفلسطينية عموماً ومدينة الخليل خصوصاً تحت وطأة الاحتلال الذي غيّر الملامح ويحاول أن يغير الهوية فيتداعى إلى ذهنك أن كيف كانت وإلامَ آلت.

تعد البلدة القديمة في محافظة الخليل قلعة للاقتصاد وزحامًا في العلاقات الاجتماعية والتواجد الفلسطيني، إذ كانت تعج بالصناعات وخصوصاً الوطني منها.

لم يبقَ من الماضي إلا الهوية المتغلغلة في نفوس أصحاب الأرض، وبعضاً مما بنوه وورثوه وحافظوا عليه، ليكون شاهداً على عمق التراث الفلسطيني الأصيل.

ومن هذه الشواهد حرفة الزجاج والخزف الذي تتشبث به مدينة الخليل، فكان لـ"وكالة سند للأنباء" جولة موثقة في أحد مصانع مدينة الخليل للوقوف على تفاصيل هذه الصناعة .

"من أيام سيدي"

 يُرجع المؤرخون صناعة الخزف والزجاج إلى مئات السنين إلى زمن ما بين الفينيقيين والرومان.

 وبلهجة عامية مبسطة قالها الحاج حمدي النتشة مدير أحد مصانع الزجاج والخزف في مدينة الخليل "من أيام سيدي"، معبراً عن قدم هذه الصناعة.

وفي حديثٍ ماتع أجرته "وكالة سند للأنباء" يقول "النتشة" إن هذه الصناعة موجودة منذ قديم الزمان، فلا يوجد تاريخ محدد لها، إلا أن هذه المهنة مرتبط بالأجداد وتعود إلى 150 عاما على الأقل بالرغم من أنها أقدم بكثير كصناعة عامة.

 تركزت الصناعة في البلدة القديمة في حارة "القزازين" التي احتوت على ما يزيد على 14 مصنعاً، وتمثلت الصناعات في مختلف أنواع الأكواب مثل أكواب الشرب ولمبات الكاز والأواني وغيرها.

ويستطرد الحاج "النتشة" "لقد انتقلنا من موقعنا في البلدة القديمة إلى الموقع الحالي على مدخل مدينة الخليل عام 1976" وتأسس وتجدد المصنع، وأُطلق عليه اسم مصنع زجاج وخزف الخليل، حتى يكون قريبًا وعلى طريق الزوار والسائحين.

"رسالة بلا كلمات"

وفيما يتعلق برسالة هذه الحرفة يعتبر "النتشة" أن هذه الصناعة القديمة تمثل رسالة للتراث الفلسطيني القديم بصورة عامة، وخصوصاً أمام الزوار المستهدفين من الخارج، مثل السياح الأجانب القطاع الاكثر استهلاكاً لهذه المنتجات.

 وتعبر هذه الصناعات للسائحين عن روح قِدم وأصالة التراث الفلسطيني وارتباطه بأرضه منذ قديم الزمان، وعن تاريخ العرب والمسلمين والفلسطينيين في هذه الأرض، وفقاً لما ذكر.

ويلفت ضيف "سند" أنه رغم محبة الناس لهذه المنتجات وهذه الحرفة، إلا أن هناك معيقات داخلية تحوْل دون انتشارها أو اقتنائها.

ويعتبر "النتشة" الوضع الماضي بشكل عام من أبرز المعيقات، ما جعل السياح يتصدرون قائمة الزوار، إضافةً للتراجع الناتج عن الاحتلال الإسرائيلي والانتفاضة، وأخيراً جائحة كورونا.

"آلية صناعة يدوية"

وعن كيفية صناعة الزجاج والخزف، تطرق الحاج حمدي عن مراحل الصناعة قائلاً: إن الزجاج يصنع من الرمل وأفضل أنواع الرمل الزجاجي موجود في منطقة إيلات قرب الساحل الفلسطيني، لكن لصعوبة الوصول الدائم إليه يتم صهر الزجاج الخام على حرارة ما بين 1000إلى 1100 درجة مئوية داخل أفران خاصة.

 ويقوم العامل "وهو فنان" بعجنها تحت الحرارة ونفخها وتشكيلها بالشكل المطلوب، فينتج من ذلك العديد من الأشكال والأواني الزجاجية مثل الأكواب والمزهريات، والأواني والتحف وغيرها الكثير.

أما الخزف فيمر بمراحل أكثر، ويعد الصلصال والفخار والطين مكوناته الأساسية إذ يتم اختيارها بعناية، وعجنها ثم تشكيلها بطريقة فنية ويدوية بالشكل المطلوب، كالجِرار والأواني الفخارية وغيرها.

 ثم توضع في أفران كهربائية خاصة على درجة حرارة 1000 مئوية حتى تخرج صلبةً، يتم بالمرحلة الثانية حفها وتجميلها ثم الرسم عليها وتلوينها بالريشة بشكل يدوي ودقيق من قبل عمال رسامين.

 وفي المرحلة الثالثة تُضاف إليها مواد من الماء الزجاجي السائل إليها، وإعادتها إلى الأفران على نفس درجة الحرارة، ولمدة 12 ساعة على الأقل، حتى تخرج بشكلها النهائي اللامع والجاهز للاستخدام كآنية أو تحفة فنية جميلة.

"رسالة أصحاب الصناعة"

ويشدد الحاج "النتشة" في نهاية حديثه على أهمية هذه الصناعة وارتباطها بعراقة الماضي الفلسطيني، حاثاً جيل الشباب على الاهتمام بهذه الصناعة؛ لتبقى متوارثة من الأجداد للآباء، ومن الآباء للأبناء كما توارثوها.

ويعتبر عزوف الجيل الحالي عن هذه الصناعة سيجعلها عرضة للانقراض وتصبح من الماضي.

ويشير "النتشة" إلى أن هذه المهنة ترسم الصورة التي بناها الأجداد أصحاب هذه الأرض، والتي يحاول الاحتلال دفنها وطمسها عن أعين وعقول الجيل الجديد، تحت شعار "الكبار يموتون والصغار ينسون".