في "خربة الدير" الواقعة برأس المثلث الفاصل بين الضفة الغربية والأردن والداخل الفلسطيني المحتل، يعيش من تبقى من السكان الأصليين، في صراعٍ دائم مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاتها الرامية لتغيير الحقائق وتهويد المكان وهويته.
وتشتهر خربة الدير بالأغوار التي تبلغ مساحتها نحو 18 ألف دونمًا، بالزراعة والمراعي، وتكثر فيها الينابيع العذبة، لكنّ الفلسطينين لا يستفيدون منها، وتُلاحقهم قوات الاحتلال بشكلٍ دائم للتضييق عليهم وحملهم على ترك بيوتهم وممتلكاتهم.
معاناة مركبة..
ففي ذاكرة المزارع الفلسطيني عبد ربه محمد بني عودة، تفاصيل قاسية تحمل ملامح الترحيل القسري وتدمير المنازل والملاحقة، التي تشهدها خرب منطقة الأغوار منذ نكسة 1967 وحتى يومنا هذا، يقول: "تذوقت مرارة التهجير القسري مرات عدة، فمن سمرة وبلدة النصارية إلى مثلث الحلوة وأم القبا، إلى أن وصلت أخيرًا إلى ما تبقى من خربة الدير الحدودية".
ويُضيف "بني عودة" لـ " وكالة سند للأنباء" أنهم يتعرضون لانتهاكات إسرائيلية متصاعدة، فرغم ملكيتهم لأراضيهم وبيوتهم، إلا أن الاحتلال يتعمد بين فترة وأخرى، لهدم منازل وبركسات وخيام وحظائر، مشيرًا إلى أنها ازدادت خلال السنوات الماضية.
"وجودك مقلق للأمن والمستوطنات" هكذا تُبرر سلطات الاحتلال إخطارات الهدم والترحيل التي تُسلمها للفلسطينيين في الخربة، عن ذلك يُحدثنا: "يحاولون قهرنا بسخريتهم الدائمة عن أسباب هدم خيامنا وتهجيرنا القسري، يقولون لنا اذهبوا لتل أبيب، لأن وجودكم هنا مقلق".
وفي سؤالنا عن الظروف التي يعيشها أطفال هذه الخربة؟ يُجيبنا "بني عودة" بصوتٍ ممزوج بالألم والقلق: "حدث ولا حرج عن ترهيب الاحتلال للطفولة هنا، تفتيشات ليلية مفاجئة من الجيش المدجج بالسلاح ما يُسبب رعبًا داخلهم، اعتداءات وملاحقة مستمرة كغيرهم من سكان الخربة الذين يدفعون ضريبة الثبات".
بالتوازي مع انتهاكات قوات الاحتلال، يتفنن المستوطنون في استهداف مواشي الفلسطينيين وممتلكاتهم في الخربة كيف؟ يُشير "ضيف سند" إلى أنهم يُسممون الأغنام عبر نثر مادة سامة بين أكوام الأعلاف الغذائية، ما يؤدي إلى تسمم الحليب ونفوق العشرات منها.
وتحصل العوائل في الخربة على الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، ولا تكفي لسد حاجتهم، ففي الصيف تزيد الطلب على الكهرباء، أما في فصل الشتاء فإن الطاقة المُنتجة لا تكفي لسد احتياجاتهم، فضلًا عما يُعانوه من نقصٍ حاد في المياه.
وتُشكل الطرق الوعرة وقلة المواصلات وغياب البنية التحتية الضرورية خطرًا إضافيًا على صمود الفلسطينيين في خرب الأغوار _تبعًا لبني عودة_ مسهبًا: "هنا نفتقد البنى التحتية، فلا تعليم، ولا موصلات، ولا كهرباء ولا مياه، فما الذي يُشجعنا عن الصمود أكثر في أرضنا؟".
31 قرية مدمرة..
الباحث الفلسطيني عارف دراغمة يكشف عن تدمير 31 قرية مع احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967م، إذ حوّل أراضيها إلى مناطق تدريبات عسكرية، لافتًا إلى أن خربة الدير واحدة من ضحاياه وشاهدة على بشاعته وغطرسته.
ويقول "دراغمة" لـ "وكالة سند للأنباء" إن 20% من أراضي الدير لازالت غنيّة بالمياه والخصوبة، بينما ذهبت باقي مقوماتها لأطماع الاستيطان، فعلى سبيل المثال، دمر الاحتلال 9 برك مياه من أصل 15 بركة لأغراض الزراعة والشرب، ويختلق الذرائع لهدمها بهدف إنهاء الوجود الفلسطيني.
وتُشكل مناطق الأغوار 28% من مساحة الضفة الغربية، على مساحة بـمليون و160 ألف دونمٍ، ويقطن فيها نحو 65 ألف فلسطينيّ، يتبعون إداريّاً إلى ثلاث محافظات وهي؛ أريحا (الأغوار الجنوبيّة) وبواقع 12 تجمعاً سكانيّاً، ونابلس (الأغوار الوسطى) وبواقع 4 تجمعات سكانيّة، وطوباس (الأغوار الشماليّة) وبواقع 11 تجمعاً سكانيّاً.