الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

بالصور علاء اللقطة.. الطبيب الفنان الذي يداوي جراح وطنه بـ "الريشة"

حجم الخط
رسام الكاريكاتير الفلسطيني علاء اللقطة
غزة/ المنامة/ إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

"أداوي جرح المريض بالمشرط، وأمسح عن جرح وطني بريشة الفن وألوانها"، هذا ما يُردده على لسانه عندما يُعرّف الناس بشخصيته التي امتزجت ما بين طب التجميل وفن الرسم.

لكن وبالرغم من تفوقه في دراسته العلمية وبراعته في عالم جراحة التجميل، إلا أن اسم علاء اللقطة اشتهر كفنان ورسام كاريكاتير فلسطيني، يحمل هموم وطنه، أوجاعه، أحلامه، وقضاياه التي لا يغفل عن أبسطها، ويخطّها برشيته بأسلوبٍ فائق التأثير.

علاء اللقطة (50 عامًا) طبيب حاصل على البورد الروماني في جراحة التجميل، وفنان يرسم في عدة صحف فلسطينية وعربية مختلفة، متزوج وأب لخمسة من الأبناء (3 بنات وطفلين)، وللتعرف على أبرز ملامح حياته، استضافته "وكالة سند للأنباء" عبر الهاتف من العاصمة البحرينية المنامة.

وُلد "علاء" في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، وكان ترتيبه العاشر بين إخوانه، يقول: "عشت وسط عائلة معروفة بعلمها وثقافتها، كأنها سوق عكاظ الثقافي، وهذا ساعدني كثيرًا في النضوج وتنمية ذكائي، وظلّت هذه الصِفة تلازمني على مدار سنوات حياتي الدراسية".

وكان يُلّقب "علاء" منذ صغره بـ "أبو الجوابات" يحكي عن ذلك بنبرةٍ ضاحكة: "كان جوابي حاضرًا على طرف لساني لكل حدث"، كما كان يتسم بـ "سرعة البديهة وخفِة روحه" وهذا جعله محبوبًا في عائلته وبين أصدقائه.

هذا الطفل كان ناضجًا بما يكفي ليجعله كثير السؤال عن واقع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء التي كانت تعجّ بالمعاناة والحرمان، والكثير من المشاهد القاسية، ولماذا يتوجب عليهم تحمل حياة المخيم وهم أهل الأرض والأحق بها وبخيراتها ومعالمها؟

عبّر "علاء" عن رفضه لتغريبة الفلسطينيين وتهجيرهم القسري من أراضيهم وقراهم، بالكتابة على جدارن المخيم، حيث كان يخطّ خلال الانتفاضة الأولى عبارات تُنادي بالحرية والصمود، وتدعو لمقاومة الاحتلال، وهذا ما اعتبره بداية حقيقية لدخول هذا الشبل إلى عالم "فن الكاريكاتير".

1.jpeg
 

وفي سؤالنا عن فضل والديه عليه، بدا صوته ممتنًا في الإجابة: "لهما الفضل بعد الله، كانا رحمهما الله يؤمنان بالعلم، فوالدي الذي هُجّر من بلدة الفالوجة عام 1449، يعتبر العلم سلاحًا قويًا وأداة النجاة الوحيدة للعيش بحرية وكرامة، لذا وجدناه حريصًا على تعليمنا وتثقيفنا".

كبر الطفل المتفوق، وحصل على معدل 87% في الثانوية العامة، وهذه النسبة تُعد عالية في فترة الثمانينات، حيث شقّ طريقه نحو دراسة الطب، وفي الوقت ذاته بقي محافظًا على تنمية موهبته بالرسم وتطويرها، لتنشر له أول رسمةٍ كاريكاتير حقيقية وهو في عمر الـ 19، حيث خصصت صحيفة "الحق والحرية" الصادرة في أم الفحم، زواية بجانب العنوان الرئيسي، مختومة باسم علاء اللقطة.

ولاحقًا شارك ضيفنا في كثير من المعارض المحلية والدولية والعربية، حيث نُشر له أكثر من 10 آلاف رسم كاريكاتير، وحاز على عدد من الجوائز القيّمة أبرزها جائزة حصل عليها في عام 2013 من بين 400 لوحة، إذ تصدر المركز الثاني على مستوى الوطن العربي كثاني أجمل لوحة "لوحة كاريكاتير".

6.jpeg
 

أجواء الفنان الخاصة..

وينقسم فن الكاريكاتير إلى قسمين _تبعًا لعلاء اللقطة_، حيث يبدأ بفكرة ثم يتم تنفيذها بالرسم، مضيفًا: "الحصول على فكرة تحتاج لأجواء هادئة وعزلة تامة، ومتابعة حثيثة للأحداث وقراءتها بعمق ورؤية ثاقبة، لتخرج أخيرًا بلوحة ناطقة".

وعن أحبّ لوحاته إليه يقول: "أنا أعتبر لوحات الفنان مثل أبنائه لا يُمايز بين لوحةٍ وأخرى؛ لأنه يصْبِغ كل لوحة بشيءٍ من روحه، فاللوحات كُلها عزيزة وتصب في هدف خدمة القضية الفلسطينية والقضايا العربية ثم القضايا الإنسانية العالمية".

وفي طريق الحياة التي عاشها علاء اللقطة، حضر اسم هبة رزق بقوة فمن هي هذه المرأة؟ يرد بنبرة مملوءة بالحب: "إنها زوجتي التي كانت وما تزال السند الحقيقي لعلاء في مسيرته الفنية والعائلية والعلمية".

ويزيد في حديثه عنها: "هي صابرة على تقلباتي النفسية التي قد تصاحب فنان الكاريكاتير من ضغوطاتٍ يواجهها، فأنا ممتن لها وأشبه وجودها بمساندة خديجة بنت خويلد بمؤازرة النبي في دعوته"، مستطردًا: "نحن دعاة حق وتحرير لقضيتنا، ولا بد من يد حانية واحتواء وامرأة قوية تستطيع أن تقف وتصقل وتساند وتؤيد وتؤازر الفنان من أجل أداء رسالته على أكمل وجه".

هبة.jpeg
 

أما المؤنسات الغاليات بنات "علاء" الثلاث، فعلاقته بهن تأخذ شكلًا آخر ممزوجًا بين "الأبوة والصداقة"، يُكمل: "سارة الكبيرة ابنة أبيها بالصفات والميول العملي، أما ماريا خفيفة الحضور أخذت مني موهبة الرسم، بينما زينة فقد حازت على شخصية ممزوجة منّا جمعيًا".

غربة "علاء"..

غادر "علاء" غزة التي وَعي عليها منذ كان شابًا، حيث سافر إلى أوروبا من أجل الدراسة، ورغم صعوبة هذه المرحلة إلا أنها ساهمت بشكلٍ كبير في صقل شخصيته وتطويرها وصناعة رجل حقيقي، يقف ثابتًا أمام كل ما يواجهه، وفق ما يورده.

ويسترسل: "عشت خارج فلسطين أكثر من 30 سنة، وأقرب وصف لحياة الغربة أنها نار ملتهبة لا تنطفئ في قلب المرء، لكنّ الجميل فيها أن الحنين للوطن يُخرج أجمل ما فينا وبمشاعر صادقة من أجل إعلاء كلمته والحديث عنه في كل المواطن وأمام العالمين على اختلاف جنسياتهم وتوجهاتهم".

284282022_375745434533128_614750575631259773_n.jpg
 

"الكاريكاتير إنسان مشكلنجي"..

كل الصعوبات التي واجهت "ضيف سند" لم تثنهِ عن مواصلة طريقه، يُبيّن، أن "فنان الكاريكاتير هو إنسان مشكلنجي، بالمعنى الإيجابي، لا يُبالي، وبالتالي هناك أعباء كثيرة ومعاناة يتكبدها الرسام الصادق مقابل أن يصدح بكلمة الحق، فهو دائمًا مُحَارب بشكل مباشر أو من خلال السجن أو بقطع الأرزاق أو بالقتل المعنوى"، مؤكدًا أن كل ذلك يهون من أجل القضية التي نعتبر أنفسنا جنودًا في الصف الأمامي للدفاع عنها.

وفي سؤالنا: "كيف تنظر إلى القضيةِ الفلسطينية والتحولات التي حدثت في السنوات الأخيرة؟" كان الجواب شافيًا: "أرى قضيتنا في لمساتها الأخيرة من أجل التجهيز لمعركة التحرير، ثمة إرهاصات كثيرة، فالاحتلال استنفذ كل الطرق البشعة من أجل تذويب القضية الفلسطينية ومن أجل محوها، إلا أن الأجيال الحالية والقادمة ستكون مُجهزة للتحرير بإذن الله".

وفيما يتعلق بالرسومات وتناولها للأحداث، يقول: "إن فن الكاريكاتير له جماهيرية واسعة وخصوصًا بعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي، التي رفعت من سقف الحرية لدى الفنان، وبالتالي نحن كشعوب نعبر عن معاناتنا وكثيرًا ما تكون من خلال "النكتة"، أو السخرية من عدونا".

وينوه إلى أن من مميزات فن الكاريكاتير أنه يتناول الفكرة بطريقة غير مباشرة فهي تحتاج إلى الذكاء، مكملًا باعتزاز: "أن الكاريكاتور أجبر القارئ أن يمسك الصحيفة من الخلف ويقرأ من الصفحةِ الأخيرة حيث توجد الرسمة المعبّرة عن واقعنا".

وخلال حديثه عن أشكال مقاومة الاحتلال، تطرق الدكتور علاء اللقطة، للشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة الفضائية والتي ارتقت برصاصة إسرائيلية أثناء تغطيتها لاقتحامه مخيم جنين بالضفة الغربية في 11 مايو/ أيار المنصرم.

ويسرد في وصف مسيرة "شيرين" المهنية: "هي زميلة أفنت عمرها في خدمة القضية، وباغتيالها أعطانا الاحتلال دليلًا واضحًا على وقع كلماتنا ورسوماتنا عليه، وكيف تعريه وتفنّد روايته الكاذبة في أحقيته بأرض فلسطين، وبالتالي هو لجأ للقتل لمنع نقل روايتنا الصادقة للعالم".

وفي نعيه لـ "أبو عاقلة" رسم الكاريكاتير لوحة احتوت على صورة لـ "شيرين" وهي تحتضن الميكروفون، لكن رصاصة غادرة قاتلة تأتيها من سلاح إسرائيلي، وكتب رسالة من الميكروفون بلسان الشهيدة تقول فيها "كانت معكم وستبقى شيرين أبو عاقلة".

شيرين أبو عاقلة.jpg
 

ويختم ضيفنا بالقول "سنُكمل سواءً بالريشة أو بالكلمة، مسيرة كل حر دفع ضريبة انتمائه لفلسطين وقضيتها، إلى أن يأذن الله وتتحرر البلاد وتعود لأصحابها".

284596113_1181769222582049_7324585785687447665_n.jpg