الساعة 00:00 م
الأحد 05 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

مقبرة الشهداء العراقيين بجنين.. بوابة العبور لماضٍ تملؤه التضحيات

حجم الخط
مقبرة شهداء الجيش العراقي
جنين - نواف العامر - وكالة سند للأنباء

كالوشم على ظاهر اليد، تلوح مقبرة الشهداء العراقيين على بوابة مدينة جنين الجنوبية، وكأنها تلوّح لقاصدي المدينة بالترحيب والتذكير بماض يملؤه عبق الشهادة، وهي التي يحتضن ترابها خمسين مقاتلًا عراقيًا.

أرض سهلة سلسة منبسطة تضم رياض الشهداء العراقيين الذين قضوا دفاعا عن فلسطين، في معركة سطرها التاريخ، ولم تغب عن ذاكرة المحتلين، حتى أن أول رئيس وزراء إسرائيلي دافيد بن غوريون كان قد خضع لجحافل الفوج الخامس العراقي وأسراب الفدائيين؛ راجيًا طلب الهدنة معهم لاسترداد جثة ابنته التي قتلت في تلك المعارك.

وتخليدًا لذكراهم، توسط المقبرة نصب تذكاري مبني على ثماني درجات، ومكتوب على واجهته الأمامية "شهداء جحفل الملكة عالية"، من الجيش العراقي في معركة جنين بتاريخ 26 رجب 1367 المصادف 3 حزيران/ يونيو 1948، وعلى الجهة الجنوبية رُسِم شعار الدولة العراقية.

وكان الجيش العراقي أحد الجيوش العربية التي هبّت للدفاع عن فلسطين عام 1948، وكان له الدور الأكبر في تحرير مدينة جنين شمال الضفة الغربية، بعد معارك حامية الوطيس، قدّم خلالها الجنود العراقيين أرواحهم رخيصة على ترابها. 

ذاكرة الفلسطيني لم تصب بصدأ النسيان وتصر على تخليد بطولات العراق ومتطوعين فلسطينيين في أيام نحسات من مؤامرات الإنجليز وأعوانهم.

تدق سنوات عمر النائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني أحمد الحج علي من نابلس أبواب التسعين، لكنه لا يزال يذكر شبابه وهو معلم في مخيم جنين، وتفاصيل بطولات وتضحيات سطرت على بوابة المدينة وسهولها، مستذكرًا بطولات المقدم الركن "عمر علي" قائد لواء المشاة العراقي الخامس.

مقبرة العراقيين.jpg
 

فعند الحديث عن الشهداء العراقيين، يبرز للواجهة اسم القائد العراقي "عمر علي"، الذي قاد المعارك ضد اليهود ودافع بشراسة عن ثرى فلسطين، فكان رقم المقاومة الصعب آنذاك.

وبحروف البطولة، تسرد السيَر أن حجافل عراقية عسكرية تحركت في اليوم الأخير من أيار عام ١٩٤٨م، وجهتها فلسطين، انطلاقًا من مدينة عقرة إلى كركوك، وصولا لقطار الموصل، لتحط رحالها في نهاية يوم واحد على ثرى فلسطين.

كان المقر المؤقت للواء الخامس سهل بلاطة البلد بنابلس، كما يسرد الشيخ مازن دويكات في خطبة إحدى الجمع، عندما وردت الأنباء وطلب النصرة لإدراك جنين العام الماضي، وإنقاذها من هجمة الاحتلال الذي لا يشبعه ابتلاع المقدّس من الأرض .

وصل اللواء الركن "عمر علي" لمشارف سهل جنين الجنوبي، حيث تشمخ قرية بئر الباشا وخربة بئر جنزور، بينما هيمنت العصابات اليهودية على جنين وقراها وسهولها من الجهات الأربع، وتحاصر قوة عراقية كبيرة في القلعة وسط المدينة .

استعان اللواء "علي" بفدائيين فلسطينيين يحفظون التلال والسهول والأشجار عن ظهر قلب؛ لإيقاع الاحتلال بفخاخ عسكرية لمنع توسعه جنوبا وغربا نحو طولكرم ووادي الباذان بنابلس، كما تفيد وثائق عثر عليها في جيب قائدهم لاحقا بعد أن انقشع غبار المعركة .

التف "علي" بحكمته خلف التلال والجبال، مستعينا باللواء الركن محمود شيت خطاب، العسكري الفذ والمؤرخ الضليع، والعشرات من الفدائيين الفلسطينيين، ليقع المحتل في فخ عراقي، ودارت معركة قتل وجرح فيها من المحتلين زهاء ثلاثمائة من الجنود وعصابات الهاجانا .

وبروح من وهج النصر يعطف "الحج علي" لـ"وكالة سند للأنباء"، بسرد روائي شيق عن مواصلة العراقيين السير في طريق النار والحرب، نحو مرج ابن عامر والعفولة وحيفا، حيث تُقتل ابنة غوريون في أتون النار، لكن المؤامرة الدولية والعربية أجبرت العراقيين على التوقف بعد إنقاذ جنين وقراها واستردادها.

بعدها ذاع صيت العبارة العراقية المشهورة "ماكو أوامر" وتعني عدم وجود أوامر للجيش العربي بالتقدم وتحرير باقي الأرض.

وكان من نتاج تلك البطولات تحرير قرى حدودية كالمزار وصندلة والمقيبلة وعرانة والجلمة وفقوعة وغيرها إلا أن المزار وصندلة والمقيبلة ابتلعت ثانية بتغيير خطوط الهدنة .

اللواء "خطاب" أشاد بدوره المعركة بنظم شعري بليغ، يفيض ثورة وغضبًا ومقاومة منها ما قاله :

المخلصون تسربلوا بقبورهم     والخائنون تسلموا البنيانا .

ورأيت معركة يفوز بنصرها    جيش العراق وتهزم الهاجانا .

ومع احتلال الضفة الغربية عام 1967 أنشأ الجيش الإسرائيلي نصبًا تذكاريًا أمام مقبرة الشهداء العراقيين، لجنود إسرائيلين قتلوا في المعارك، وكان النصب عبارة عن دبابة تابعة للجيش الأردني شاركت بالقتال في منطقة جنين عام 1967، إلى أن تم سحبها وإزالة النصب التذكاري من قبل الجيش الإسرائيلي عام 1994 عند تسليم مدينة جنين للسلطة الوطنية الفلسطينية.

وإلى جانب مقبرة جنين، تحتضن مقبرة في مدينة نابلس وأخرى في الداخل الفلسطيني المحتل، جثامين العشرات من الشهداء العراقيين الذين قضوا في معارك الدفاع عن فلسطين ضمن جيش الإنقاذ العربي.

وعلى شواهد بعض القبور كتبت أسماء أصحابها من الجنود العراقيين، في حين أن الكثير من تلك الشواهد حملت عبارة "الجندي المجهول".

وتظل سيرة الجنود العراقيين وبسالتهم ملهمة للمقاومة في جنين وملحمة نارية تخلّد ذكريات النصر وتعيد الأمل بالانعتاق من الاحتلال، وتدشين أعمدة الحرية المنشودة، بينما ظلها يحوم كالنسور فوق أعشاشها، فالنسور وفية لنسج الأعشاش استجابة لصراع البقاء، والبقاء مقاومة .

أسماء الشهداء.jpg