الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

بالفيديو أقدم صالون حِلاقة في القدس.. إرثٌ ثمين يمتد لـ 108 أعوام ما قصته؟

حجم الخط
عبد الرزاق خوجة صاحب أقدم صالون حلاقة بالقدس
القدس - فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء

بين أزقةِ البلدة القديمة في مدينة القدس، يفوحُ عبَقَ التاريخ، وتتجلّى تفاصيلُ العَراقة، فتأسرُكَ وتمضي بك إلى أحقابٍ زمنية وأصالةٍ مُمتدة عبرَ العصور، لينعكسَ ما تبقى منها في صالون حِلاقة المقدسي عبد الرزاق خوجة المُلقّب بـ "أبو خلدون"، والذي ورثَهُ عن والده.

يتمسكُ العم "أبو خلدون" في صالون حِلاقته، الذي يتربعُ في حيّ باب السلسلة، منذ 62 عامًا من عمره الذي أصبحَ على عتبةِ الثمانين، ويرتاده يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا، حتى ساعات المساء، مُستقبلًا زبائنه بابتسامةٍ وترحاب.

يستذكرُ "أبو خلدون" حكاية هذا الصالون القائم مُنذُ عام 1914، ويُخبرنا في حديثٍ ماتع أجرته "وكالة سند للأنباء"، أن والده بدأَ تعلُّم مهنة الحِلاقة عندما كان طفلًا صغيرًا لم يتجاوز الأربعة عشر عامًا، حيثُ تُوفي والده (الجد)، ولم يكن له ولوالدته مُعيلًا إلا الله، فذهب لأحد صالونات الحلاقة في القدس؛ لكنّه لم يفلح كثيرًا بسبب صِغِر سنّه.

ويضيف: "في حينها، أيّ زمن الخلافة العثمانية، قررت جدتي أن تعود إلى بلدها الأصلي، صيدا، حيثُ يمكثُ أشقاؤها، وهناك ذهب والدي إلى صالون حِلاقة وتعلَّمَ المِهنة جيدًا، وبقيَ حتى أصبح عمره ما يقارب السبعة عشر عامًا، ثُمّ عاد إلى مدينته المُقدّسة".

ويشير إلى أن والده جاء صُدفةً إلى صالون الحلاقة الذي لا زال صامدًا حتى يومنا هذا، وبدأ العمل مع مُسنّ نابلسي من عائلة "الخاروف"، ومرّت به سنواتٌ عديدة، حتى استقر وضعه وقرر أن يفتتح صالونًا خاصًا به، لكنّ صاحب الصالون رفض وطلب منه أن يبقى معه، لأنه أصبح مثل "أحد أبنائه، ويعرف مُعظم الزبائن".

إرثٌ ثمين..

ومنذ 108 أعوام، تتوارثُ عائلة "خوجة" في القدس، مهنة الحِلاقة، وتتمسكُ بصالونها البالغة مساحته نحو 14 مترًا مربعًا.

ويسرد "ضيف سند": "عام 1960، عندما كنتُ شابًا صغيرًا، لم يتجاوز عمري السبعة عشر عامًا، أدركت أن الحاجة أُم الاختراع، وأن مصاريف الحياة كثيرة، والعائلة كبيرة؛ فطلبتُ من والدي أن يُعلمني هذه المِهنة، وقابل ذلك بترحيبٍ وتشجيع، وطلب منّي أن أتعلم وأحصد ما أُجنيه لنفسي".

في بداية عمله، كان العم "أبو خلدون" يتدرّب على الحلاقة للأطفال الصغار، وما أن أنهى مرحلة الثانوية العامة، حتى أصبح "مُعلمًا" متمكّنًا من فنون الحلاقة للفئات العمرية كلها.

وبعد الثانوية العامة، بدأ "أبو خلدون" العمل كموظفٍ في البريد، ومارس الحلاقة كهواية، عن تلك الفترة يتحدث:  "كُنت يَد والدي اليمين لأنه كَبر في السنّ، وعندما تُوفي عام 1983، بدأت أعمل نصف النهار هُنا، ونصفه الآخر هُناك".

وبقيَ ضيفنا على هذا الحال حتى عام 1998، حيثُ تقاعد من عمله في البريد وتفرّغ بشكلٍ كامل لصالون الحِلاقة.

وتُورّث عائلة "خوجة" أبناءها المهنة منذ طفولتهم، فقد علَّم العم "أبو خلدون" ابنه الأكبر الحِلاقة، وأصبحً "مُعلمًا" فيها، يُمارسها كهوايةٍ إلى جانب وظيفته الأساسية "الطبخ"، ويُعيل والده ويُسنده في المناسبات والأعياد وأيام الجُمع.

"متحفٌ ساحر"..

ولا يزال صالون العم "أبو خلدون" يُحافظ على طابعه القديم، وأدواته، حتى يجعل كلّ من يراه يتسمّر أمامه متأملًا التفاصيل النادرة، ويرى تاريخ القدسِ في أحقابٍ زمنية مختلفة، مرورًا بالعهد العثماني، وزمن الانتداب البريطاني، وحتى يومنا هذا.

ويُكمل حديثه لنا: "لا يزال الصالون يحتفظ بطابعه منذ أيام الوالد، مع بعض التغييرات البسيطة التي أجريتها عام 1987، كتحديث البلاط والمرايا، واستخدام أدوات حِلاقة كهربائية عِوضًا عن اليدوية".

ويُفسر عدم قيامه بتحديثاتٍ كبيرة لـ "اعتزازه بمحبةِ والده للصالون، وذكرى من رائحته الطيّبة"، مستطردًا: "المحل يحظى باهتمامٍ كبير من قِبل السُياح والزائرون الأجانب، ويلفتُ أنظارهم، كونهُ معلمًا هامًا في البلدة القديمة، ويُشبه "المتحف القديم"، الذي يسرق أنظار كل من يراه".

ويصفُ ضيفنا ما يحدث مع السياح، بنبرةٍ سعيدة: "الصالون يجعل الأجانب يقفون بجانبه بعض الوقت؛ مندهشين أمام الجمال الفلسطيني الصامد على مرّ العصور، يلتقطون الصور، ويرسلونها إليّ، من ثمّ يكسبون تجربةَ حلاقةٍ مُميزة كذكرى من المدينة المُقدّسة".

وعن أبرز الشخصيات التي ارتادت الصالون، وحظيت بتجربة حلاقةٍ من تحت يديه، يُشير "أبو خلدون" أن أمين عام المبادرة الوطنية، مصطفى البرغوثي، زاره قبل بضعة أسابيع، وحَلقَ عنده، إضافةً إلى أحد المسؤولين في المجلس الأوروبي، والذي يترك الصالونات جميعها ولا يختار سوى "أبو خلدون".

تضييقاتٌ وضرائب..

ويرى العم "أبو خلدون" أن الأحداث السياسية والأوضاع، تلعبُ دورًا هامًا في التأثير على تُجار البلدة القديمة في القدس، مضيفًا: "كلما كان هُناك أحداث، كُلما تأثرت التجارة سلبًا.. نحن هُنا نعتمد بشكلٍ أساس على السياحة، ولا يوجد لدينا زراعة أو مصانع".

الكثير من المواقف يحتفظ بها بين طيّات ذاكرته، من بينها ما حدث في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما تأثرت المحال التجارية بشكلٍ سلبي، واضطر أصحابها لإغلاقها، وأصبحوا يعملون في ساعاتٍ محدودة وبسيطة.

وعلى مدار الأعوام الماضية، تجرَّعَ العم "أبو خلدون" ظلم الاحتلال الإسرائيلي وما يكفي من مضايقاته.

وعن ذلك يقول: "بلدية الاحتلال تفرض علينا ضرائب "الأرنونا" بشكلٍ سنوي، وأدفعها بالتقسيط شهريًا، حتى لا تتراكم علينا الديون، ونتقدم لمحاكم الاحتلال، وتُفرض علينا غرامات مالية باهظة".

ذلك عدا عمّا يعانيه ضيفنا وتُجار البلدة القديمة، أثناء فترة الأعياد اليهودية، حيثُ تفرض قوات الاحتلال تشديداتها الأمنية والعسكرية، وتمنع الحركة، وتقلّ الحركة التجارية.

أما عن رسالته، يختتم "أبو خلدون" مرددًا: "حافظوا على مدينة القدس، وعلى المحال التجارية فيها.. تضامنوا مع بعضكم البعض.. القدس جوهرة غالية جدًا لا تُقدَّر بأيّ ثَمن، فهي مهبط الديانات السماوية الثلاث، وأرض الأنبياء".