الساعة 00:00 م
السبت 04 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

قهرٌ وعزلة تخنق صاحبها..

خاص انفوجرافيك الحبس المنزلي.. عندما يصبح السجن أحبّ للمقدسيين من بيوتهم!

حجم الخط
الحبس المنزلي للمقدسيين
القدس- فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء

بَين جدرانِ المَنزلِ، تسرقُ سلطات الاحتلال الإسرائيلي أعمار الكثير من الأطفالِ والشُبّان، بعد أن تحكمَ عليهم بـ "الحبس المنزلي"، وتُحوّلُ مسكنَهم لسجن لهم؛ لينقلِب شعورهم فيه من أمانٍ وسَكينة إلى كَدَّرٍ وضِيق، ويصبحُ الأب والأم هما السجّان، رغمًا عنهما.

يعتبرُ "الحبس المنزلي" سيفًا مُسلّطًا على رِقاب الفلسطينيين وتحديدًا المقدسيين منهم، وفي مقدمتهم فئة الأطفال دون سن (14 عاماً)، إضافة إلى القيادات الوطنية السياسية والميدانية والعاملون في المسجد الأقصى المبارك والمرابطون والمرابطات فيه.

وتصدر سلطات الاحتلال قرارات بحبس الفرد في منزله أو في منزل أحد أقربائه لمدة تحددها محكمة الاحتلال قد تمتد شهورًا، وذلك كبديل عن السجن الفعلي خلف القضبان.

وبذلك، تتحوّل بيوت المقدسيين سجونًا لهم، ليمثّل الحبس المنزلي عقوبة أكبر من السجن الفعلي؛ فهو يقيد المحبوس وكفلاءه، ويخلق حالة من التوتر الدائم داخل المنزل وخاصة عندما يكون المستهدف من الحبس المنزلي طفلًا، لما يحدثه من تبعات وخيمة عليه من ناحية نفسية واجتماعية.

سيف مسلّط على المقدسيين..

مدير دائرة الإعلام والعلاقات العامة في هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين ثائر شريتح، يقول إنّ سياسةَ الحبس المنزلي سياسةٌ قديمةٌ جديدة، استُخدمت على مدار سنوات الاحتلال، بحقِ المناضلين والناشطين الوطنيين والاجتماعيين.

ويوضح "شريتح" في حديثه مع "وكالة سند للأنباء"، أنّ سلطات الاحتلال اتخذت مؤخرًا شكلًا جديدًا لسياسة "الحبس المنزلي"، وأصبحَ المُستهدَف الرئيس والأساس بها هم فئة الأطفال، خاصةً من سكان مدينة القدس.

ويستطرد: "بدأ الحبس المنزلي بشكله الجديد بشكلٍ واضح عام 2015، تحديدًا منذ انتشار العمليات الفردية وانتفاضة "السكاكين" بمدينة القدس، في حينه توسّع الاحتلال باستخدام هذه السياسة بشكلٍ كبير، وسُجّلت لدينا المئات من حالات الحبس المنزلي بحق الأطفال المقدسيين".

ففي الفترة الواقعة ما بين يناير/ كانون ثاني 2018 لمارس/ آذار 2022، أصدرت سلطات الاحتلال 2200 قرار بالحبس المنزلي بحق أطفال قُصّر، منهم 114 طفلًا تقل أعمارهم عن 12 عامًا، تبعًا لإحصائيات رسمية فلسطينية.

فيما أصدرت 228 قرارًا بالحبس المنزلي في الفترة بين 2015-2017، وقد تم تحويل 70% من الأطفال المقدسيين الذين تم اعتقالهم خلال السنوات الأخيرة إلى الحبس المنزلي قبل البتّ في قضاياهم.

الحبس المنزلي.png
 

ويُؤكّد ضيفنا أنّ مُؤشر قرارات الحبس المنزلي التي اتُخذت بحق الأطفال المقدسيين، منذ عام 2015، في ارتفاعٍ واضح، لافتًا إلى أن "هيئة الأسرى" سجّلت في إحدى الفترات بشكلٍ يومي، العشرات من هذه القرارات بحق الأطفال والأُسَر المقدسيّة.

ويشدّد "شريتح" على خطورة هذه السياسة المُستمرة بحقِ الأطفال بشكلٍ عام، والمقدسيين بشكلٍ خاص، مُطالبًا المؤسسات الحقوقية والأُسرية والخاصة برعاية الأطفال محليًا ودوليًا، على ضرورة التحرّك الفوري، ووقف الاحتلال عن هذه السياسة الظالمة.

شقيقان فرّقهما الحبس المنزلي..

لا تكتفِ سلطات الاحتلال بتحويل الطفل إلى حبسٍ منزلي، بل تُضيّق عليه وعلى عائلته بشتى الطُرق والوسائل المُجحِفة؛ مثل دفع غرامات مالية شاقّة، إلى جانب التوقيع على كفالاتٍ مالية باهظة في حال أخلّوا بالشروط، كما تُقيّد حركة الأسير بإسوارةٍ إلكترونية، وتمنعه من الخروج من المنزل، وتحرمه من حقه في التعليم والعلاج والتنقّل.

هذا الحال، عاشته عائلة المقدسييْن ورد وقيس الغول، من حي رأس العامود ببلدة سلوان، وهما شقيقان كانا يَحلمان ويخطّطان لبناء مستقبلهما معًا، قبل أن يُفرقهما الاحتلال بقرارته الجائرة.

341005675_1288799241717979_3849735966832050495_n.jpg


ورد (23 عاماً) شابٌ طموح، نشأَ وتَرعرَع خارج فلسطين، وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من الجامعة الأهلية في الأردن، وعاد إلى القدس في شهر نيسان/ أبريل 2021، ليُكمل دراسته العليا في جامعة بيرزيت.

أما شقيقه قيس (18 عامًا)، قاصرٌ لا زال في مَطّلعِ عُمره يُخطّط لبناء مستقبله، عقب إنهاء مرحلة الثانوية العامة.

تقول والدتهما لمياء الغول لـ "وكالة سند للأنباء"، إنّ "الاحتلال اعتقل ورد فجر الثامن عشر من كانون ثاني/ يناير 2022، أما شقيقه قيس، تم اختطافه الساعة الحادية عشرة ليلاً في التاسع من شهر شباط/ فبراير المنصر من الشارع".

وتضيفُ بنبرةِ حُزن: "أمضى ورد في الزنازين 40 يومًا، فيما تم التحقيق مع قيس لـ 25 يومًا، رغم أنه قاصر، كانت أيامًا قاسية وصعبة، ثُمّ تم تحويلهما لسجن "مجدو" لأربعة أشهر".

شروطٌ مُجحِفة..

وعقب ذلك، بدأت العائلة بإجراءات تحويل نجليها إلى الحبس المنزلي؛ حتى يُكملا دِراستهما وأحلامهما، وتَم دفع كفالةٍ مالية تبلغُ قيمتها 10 آلاف شيقل لكلّ منهما، وقد تعرّض كُلّ كفيل للفحص والمقابلة عند "ضُباط السلوك"، الذين يُوافقون عليهم ضمن شروطٍ مُعينة، وهم جزء لا يتجزأ من مخابرات الاحتلال.

وعند سؤالها عن التحديات التي واجهتهم خلال ذلك، تُجيب: "رفض الاحتلال أن يَتمْ الحَبس المنزلي في منزلنا بحي رأس العامود، واضطرّرنا للاستئجار في بلدة بيت حنينا، وهذا بحدّ ذاته يُمثل ضغطًا إضافيًا علينا؛ أن نَجِدَه في زمنٍ قياسي محدود، شرط أن توافق محكمة الاحتلال على عنوانه، عدا عن تكلفة الإيجار الباهظة في القدس، وشُحّ الدعم".

ظنّت "ضيفة سند" أنها ستلتقي بِمُهجتيْ قلبها سويًا، وستتمكّن من الاهتمام بهما بعد أيامٍ عجاف عاشتها وهما مُحتجزان في زنازينٍ لا تصلحُ للعيشِ الآدمي؛ لكنّها صُدمت عندما رفضت "النيابة العامة التابعة للاحتلال" أن تُبقيَ "ورد" و"قيس" بالحبس المنزلي مع بعضمها البعض، وفرقتهما في ظروفٍ سيئة وصعبة، لا تُنسى مهما مرّت عليهم السنين.

وعن أيامهما في الحبس المنزلي، تُحدثنا: "تشتّت العائلة كاملة.. اضطرّ قيس للعيش في منزل والده وزوجته بعيدًا عنا، أما أنا وورد هُجرنا إلى منزلٍ جديد بعيدًا عن عائلتنا ومسقط رأسنا (..) خسرنا وظائفنا، ومدخل رزقنا، قُطعت علاقاتنا الاجتماعية، ومكثّنا سنةً كاملة مُنذ نيسان 2022 في حَبسٍ مُشدّد، وضغطٍ نفسي ومعنوي ومادي يصعب وصفه".

وتُكمل: "قُيِّدَ كلّ من ورد وقيس بأساورٍ إلكترونية على مدار الساعة، فُرّقا ومُنعا من الخروج من مكاني إقامتهما إلا للمحاكم، وحُدّدت لهما غرفًا معينةً للتجوال فيها داخل المنزل، إلى جانب التفتيش الفجائي التي كانت تشنّه إدارة السجون، وعدم السماح بتركهما وحيدين بتاتًا؛ وإلا سيتم فرض غرامة بقيمة 25 ألف شيقل على الكفيل".

نجاحٌ من رَحمِ المعاناة..

شهران كاملان قضاهما "قيس" في الحبس المنزلي بعيدًا عن حَنان أمّه وحضنها الدافئ، التي لم يرَها سوى عن طريق مكالمات الفيديو، ذلك الطالب النجيب، الذي لطالما حَلِم بوصوله إلى مرحلة الثانوية، ومغادرة منزله إلى الاختبارات بعد أن يُقبّل والدته، ويعانقها بينما هي تُحيطه بدعوات الرضا والتوفيق.

ولولا فُسحة الأمل والصبر، لاستحالَ تحقيقِ الأحلام واكتمالها، فبعزيمةٍ مَقدسيّةٍ اجتاز "قيس" مرحلة الثانوية العامة بِمُعدل 90%، بعدَ أن تعاونت معه المدرسة ووفرت له نظام "الأون لاين" في الدراسة، وسمحت له سلطات الاحتلال بتقديم الاختبارات النهائية في المدرسة، ضمن ساعاتٍ مُحدّدة، وبمرافقة الكفيل.

وحول ما حدث بعد ذلك، تقصّ لنا والدته بقلبٍ مكلوم: "عندما نجح قيس، في السابع من آب/ أغسطس الماضي، طلب من والده أن يُقدّم له طلبًا للعودة إلى الحبس؛ بسبب الضيق والضغط النفسي الذي عانى منه، وقد كانت من أقسى اللحظات في حياتي".

"عاجبك تاخدوني وتجيبوني زي الكلب! أنا ما بدي، وما بقدر.. خلصت توجيهي خَلص وبدي أرجع على السجن"، هذه الكلمات القاسية، والتي وقعت على قلب والدته كالصاعقة، هي آخر ما عَبّر بها "قيس" عن شعوره خلال الحبس المنزلي، وهو الآن في سجن "ريمون"، ويقضي حكمًا لـ 14 شهرًا.

أما "ورد"، فقد انتصر على الحبس المنزلي وضغوطاته، بالدراسة والقراءة، وقد تمكّن من إنهاء كافة متطلبات الدراسات العليا في جامعة بيرزيت، وبقيَ عليه تقديم الرسالة، وينتظر محاكمته بـ27 نيسان الجاري، وفقًا لوالدته.