الساعة 00:00 م
الخميس 28 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.19 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.68 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بالصور في وداع الطفلين "ميار" و"علي".. وجع الفقد يزور قلوب رفاقهم

حجم الخط
ميار وعلي عز الدين
غزة - فاتن عياد الحميدي – وكالة سند للأنباء

في قطاع غزة اعتاد سكانه صور الوداع ومشاهده المتعددة في كل عدوانٍ يشنّه الاحتلال الإسرائيلي عليهم، لكن شعور الغصّة في كل مرة يزداد تغولًا في نفوسهم، فهنا طرق الموت مختلفة، وما أقساه حين يُصيب قلوب الأطفال.

أجساد غضة، وأحلام بريئة تناثرت بفعل الغارات الإسرائيلية التي شُنّت على ليل غزة بعدوان مباغت فجر يوم الثلاثاء، ليرتقي منذ ذلك الحين وحتى صباح اليوم الخميس 25 شهيدًا، بينهم 6 أطفال و4 سيدات، و2 من كبار السن .

يرحل الأطفال الشهداء كالعصافير إلى السماء، لكن الدنيا تضيق برحابتها على رفاقهم الذين تركوهم خلفهم، إذ يقفون بوجه الفقد بقلوبٍ مرتجفة تتساءل عن الذنب الذي اقترفوه؟ ولماذا يرحلون مبكرًا؟

في هذه السطور، تشاطر "وكالة سند للأنباء" أصدقاء الشهداء الأطفال حزنهم، وتروي بكلمات مثقلة بالألم تفاصيل ذكريات لن ينسوها معهم.

الشقيقان المميزان..

في مدرسة "أوائل وقادة" النموذجية الخاصة في مدينة غزة، لا يخفى على أحد صاحبة الشعر الطويل المنسدل ولهجتها الفلسطينية "الجنينية" ميار طارق عز الدين (11 عاماً)، وشقيقها علي ( 8 سنوات) اللذان امتازا بذكائهما ورقتهما ونُبل أخلاقهما، فسلبوا لُبَّ وقلوب أحبتهم ورفاقهم، قبل أن يرتقيا في الغارة الأولى على القطاع.

ميار استشهدت برفقة شقيقها علي، ووالدها الأسير المحرر المبعد من جنين طارق عز الدين، وتركت والدتها وأخًا أكبر وآخر بعمر عامين، إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلهم فجر يوم الثلاثاء الماضي.

"كيف سأعود للمدرسة دون ميار، ومن سيجلس بجانبي بعدها؟ وغيرها من الأسئلة التي تفوق بوجعها قدرة الطفلة "تقى" على التحمل واستعياب الفاجعة، كيف لا وصديقتها المقربة أضحت شهيدة!

"انكسرت يا ماما.."، كلمات ووداع لا يليق بقلب الطفلة تقى الدلو، حين سندت رأسها على حافة السرير وشرعت بالبكاء متسائلةً "ليش ما قالتلي بدها تروح".

وكانت "ميار" صديقة أول الطريق وكلّه لـ "تقى"، قبل أن تفلت يدها وترحل شهيدة، تاركة وراءها الكثير من الذكريات، وصندوق به دفتر مذكرات وسوار، واسميهما على ورقة صنعتها بيديها الصغيرتين.

345018549_791216939297534_8561159741523440914_n.png

تستذكر آلاء أبو عيشة والدة "تقى" بعض الذكريات للطفلتين، لتحدث بها "وكالة سند للأنباء" قائلة: "تعرضت تقى قبل شهر لكسر في يدها اليمنى، ما لم يمكنها من الكتابة ومتابعتها للدروس في الفصل، فما كان من ميار إلا أن تكتب كل شيء لها، ثم ما إن تعود للمنزل حتى تشرع بكتابة دروسها بنفسها، ممثلة أبهى صورة للإيثار بين الأصدقاء".

وتستكمل: "عندما كُسرت يد تقى، زارتها ميار، وأصرّت أن ألتقط لهما صورة معًا، والآن تعانق ابنتي هديتها وتبكي"

فدفتر المذكّرات الذي ما زال مقفلًا كما قدّمَته "ميار" لـ "تقى"، أخبرتها أثناء الزيارة بأن أول رسالة تكتبها فيه سيكون لها، تُردف والدة "تقى" : "الدفتر وسوار، وبطاقة مكتوب عليها اسم طفلتي بخطّ ميار، كلّها ستبقى شواهد على وجعٍ لن يمرّ عاديًا أبدًا على قلب طفلة".

343845261_258828079930204_2569759576202641221_n.png

343257839_913507786379704_8789927801840993732_n.png

مواساة طفلة..

أما لين جنينة، صديقة أخرى تحب "ميار" كثيراً، فهي لا تنسى حبّ صديقتها لها، وهي تخفف عنها ألمها بكلمات المواساة ذات يوم مرضت فيه. 

تقول آية أبو طاقية والدة "لين": "طفلتي التي كانت تُنصت لميار جداً، ترافقها، وتحبها جداً فُجعت بصديقتها لتفقد مرةً أخرى شخصاً أحبته بعد والدها الشهيد".

تذكر لنا "أبو طاقية" موقفاً يطبب القلب لـ "ميار" التي ساندت ابنتها يوماً ما في المدرسة، بعد أن صابتها وعكة صحية، وببراءة الأطفال تقول لين: "يا ماما كل البنات دخلوا الفصل وميار معي ما تركتني وهي تواسيني وتخفف عني".

طفل بعقل شاب عزيز..

أما شقيق "ميار"، الشهيد "علي"، الذي كان يرتدي ساعته دائما ويصفف شعره بطريقة مميزة، حتى أنه بقي كما هو يوم استشهاده، مَن سيُخفف لوعة فراقه على قلب صديقيه المقربين الثنائي "محمد" و"يوسف"، ومَن سيُكمل تلوين اللوحة التي اتفق أنا ينهيها وصديقه "محمد"، أم كيف ستنعاه معلمته "مروة" التي تعلقت به بعد هذا المصاب؟ّ

بصوتها المخنوق ودموعها تنهيدة عميقة، تقول مروة نعيم معلمة الطالب المتفوق علي عز الدين: "الصدمة كبيرة جداً على قلوبنا، وصديقه محمد أكثرنا صدمة برحيل صديقه المقرب بهذه السرعة بعد أن حاول معه بكل الطرق لإقناعه بالتسجيل في الرحلة المدرسية التي كانت مقررة يوم استشهاده".

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.40 PM.jpeg

تضيف المعلمة "مروة": "كان علي يصحوا من نومه مبكراً كما قال، ويقف في طابور المدرسة وقد ظهرت عليه ملامح القوة والعزة، وينشد نشيد المدرسة بكل فخر وانتماء".

أما عند دخوله الصف تحكي: "يدخل علي إلى الصف ويبحث عن مكان، ولكن لم يكن يبحث عن المكان فحسب، بل كان ينظر إلى محمد أو يوسف ليختار أن يكون بجانب أحد منهما، كنتُ أنظر إليهم ولكن لم أستطع أن أُفرِّق هؤلاء الأطفال عن بعضهم البعض لارتباطهم الوثيق".

وبصوت مختنق تُكمل: "لم يشرق الصباح بعد، فقد أظلمت الدنيا بخبر علي، وتحوّل المرح إلى سيل من البكاء وغيمة مقيمة مشبعة بالأحزان على أطفال تكررت عليهم مشاهد الوداع وألفوا الفراق جيداً، لكونهم أبناء شهداء وأسرى، أو هم ناجون وحيدون من حروب مضت".

حلم تلاشى.. 

عند الحديث مع طفل فقد صديقه شهيدًا، فلا بد أنك تدرك أن عمره الذي لم يتجاوز الثماني سنوات، ليس كفيلًا بمثل هذا المصاب، فقد كُسر القلب، ورحل من أحب!

فرحيل "علي" وقع على قلب صديقه المقرب محمد مشتهى، ثقيلًا جدًا، ولا زالت آثار الصدمة الكبيرة بادية عليه.

بصوتٍ متحشرج يُخبرنا "محمد": "أنا بحب صديقي علي كثيرًا، مع مين بدي أكمل تلوين الرسومات؟".

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.41 PM.jpeg

ويتابع بصوته الطفولي: "كنا أنا وعلي نلعب ونركض، يُساندني دائمًا (..) أنا واياه بنرسم ونلون، نتقاسم حتى وجبة الطعام في المدرسة ونقضي كل وقتنا سويًا".

ولأحلام الطفولة متسع، إلا في غزة، فقد حلم الطفلان الصديقان أن يكونا مهندسان في المستقبل، لكن كل شيء تلاشى مع تناثر أجساد "علي" و"ميار".

وكان الصديقان "محمد" والشهيد "علي" طبعا يديهما بألوان لتبقى بينهما ذكرى، قد يعود لها محمد مشتهى في يوم من الأيام وقد كبرت هذه اليد، بينما يرى أنامل ذلك الطفل الصغير العالق في قلبه، صغيرة كما هي!

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.40 PM (2).jpeg

وداع غير اعتيادي..

وفي وداع غير اعتيادي، وقف الطفل الصغير "محمد" يحمل همّه الثقيل، وهو يودع رفيق دربه  المسجّى بكفنٍ أبيض في الجامع العمري الكبير وسط مدينة غزة، وسط ذهول وصدمة عارمة، ولسان حاله يقول، "كيف لحبيبي علي أن يكون بهذا الشكل"؟

ليس "محمد" فقط، بل جميع أصدقائه في الفصل عبّروا عن حزنهم بطريقتهم الطفولية وبراءتهم التي امتزجت بالحروب، لكننا الآن ندع الصور تتحدث.

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.55 PM.jpeg

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.56 PM (1).jpeg

WhatsApp Image 2023-05-11 at 12.36.56 PM.jpeg