الساعة 00:00 م
الخميس 28 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.19 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.68 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"مسيرة الأعلام".. حربٌ على السيادة في القدس ونذير انفجار

حجم الخط
مسيرة الأعلام غلاف.
القدس – فرح البرغوثي – وكالة سند للأنباء

تعيش مدينة القدس تأهبًا استثنائيًا وحالة من الترقب الحَذر منذ أيام، استعدادًا لـ "مسيرة الأعلام" الاستفزازية التي يجري تنظيمها؛ احتفاءً بما يُعرف بـ "يوم توحيد القدس" (18 أيار/ مايو)، وهي ذكرى احتلال شرقي المدينة بعد نكسة حزيران/ يونيو 1967.

ووسط استعدادات أمنية وعسكرية على ضوء التحذيرات باحتمالية تطوّر الأمور إلى مواجهة واسعة على غرار أعوامٍ مضت، يُخطط المستوطنون لتنفيذ أوسع اقتحام للمسجد الأقصى المبارك اليوم الخميس وتحطيم الرقم القياسي لعدد المقتحمين في يومٍ واحد (5000 مستوطن)، علمًا أن أكبر عدد من المقتحمين سُجل العام الماضي 2022 في نفس المناسبة وبلغ 2200، وفق مصادر إعلامية.

وعلى غير العادة تأخذ "مسيرة الأعلام" الاستفزازية هذا العام أكثر من مسار، إذ سيتم اقتحام البلدة القديمة عبر الدخول من باب العامود مرورًا بالحيّ الإسلامي، ثم التوجه صوب حائط البراق (في السور الغربي للأقصى)، بينما سيدخل مستوطنون من باب الخليل (أحد أبواب البلدة القديمة)، مرورا بالحي الأرميني إلى ساحة البراق.

كما ستنطلق مسيرات للمتطرفين من مستوطنات شرق مدينة القدس باتجاه البلدة القديمة، وصولًا إلى محطة الاحتفال الأخيرة (البراق)، بحسب ما أعلن عنه نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أرييه كينغ.

وسيُشارك أعضاء من حكومة الاحتلال في المسيرة الاستفزازية، مثل  وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير "تطوير النقب والجليل" يتسحاق واسرلاف، ووزيرة النقل والمواصلات ميري ريغيف، وسط تهديدات إسرائيلية باغتيال من يحاول عرقلة سيرها.

كيف بدأت "مسيرة الأعلام"؟

تعود قصة "مسيرة الأعلام" إلى الذكرى السنوية الأولى لاحتلال مدينة القدس عام 1968، حيث نظم مستوطنون من اليمين المتطرف _مبادرة فردية_ مسيرة جابوا فيها شوارع شرق المدينة وهم يحملون الأعلام الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين أخذت المسيرة طابعًا "وطنيًا" رسميًا لدى الاحتلال، حيث اعتُمد في تاريخ الثامن والعشرين من الشهر الثامن بالسنة العبرية موعدًا لتنظيمها، وهو اليوم الذي أتمت فيه "إسرائيل" احتلال ما تبقى من  مدينة القدس عام 1967، ووافق يومها السابع من حزيران/ يونيو.

ويعد أتباع التيّارات الصهيونيّة اليمينية المتطرفة، هم نواة المسيرة الصلبة الذين يحشدون كل قواهم وامكاناتهم لجلب المستوطنين من مختلف الأماكن الاستيطانية للمشاركة فيها سنويًا، كما تتبع الجمعيات المشرفة على مسارها لذات الفكر.

مسيرة الأعلام 2.webp
 

بينما تشارك جهات إسرائيلية رسمية وحكومية في تمويل المسيرة الاستفزازية والترويج لها، مثل بلدية الاحتلال في القدس، ووزارات المعارف، والإسكان والتعليم.

وتبعًا للمصادر الإسرائيلية، فإن المسيرة التي تُعرف لديهم بـ "رقصة الأعلام" بدأت في السنوات الأولى بعشرات ثم مئات المستوطنين، إلى أن وصلت قبل عدة سنوات إلى حوالي 30 ألف مشارك؛ لإثبات "السيادة" الإسرائيلية الوهمية على القدس.

سابقة هي الأولى من نوعها إن حدثت..

وهذا العام يوافق "يوم توحيد القدس" 19 مايو/ أيار (غدًا الجمعة)، لكنّ الجماعات الاستيطانية قررت الاحتفال قبل يومٍ من الموعد الرسمي (اليوم الخميس)؛ خوفًا من الاصطدام بالمصلين المسلمين في "الأقصى"، فهي تُخطط إلى ضمّ اقتحام المسجد ضمن تقاليد "مسيرة الأعلام" السنوية.

وعن مسارها تُشير المصادر التاريخية إلى أنّ المستوطنين قديمًا كانوا يقتحمون البلدة القديمة من جبهة باب الخليل وصولًا لساحة البراق، لكنّ مع مرور السنوات تغيّر المسار ليتسع طرقًا جديدة وأعدادًا أكبر.

ففي هذا العام كان لافتًا وجود مسارات جديدة للمسيرة، من بينها ما دعت إليه منظمة "عائدون إلى جبل الهيكل" لتنظيم مسيرة إضافية في البلدة القديمة، تنطلق من منطقة باب الأسباط وصولاً إلى باب المغاربة.

كما ينوي نشطاء المنظمة تحويل مسار المسيرة هذا العام لتدخل المسجد الأقصى من باب الأسباط لا المغاربة، في سابقة هي الأولى من نوعها إن حدثت، فالتجول بالرقصات والاحتفالات يتم عادةً حول أبواب "الأقصى" من الخارج فقط، لكنّ شرطة الاحتلال أعلنت مؤخرًا عدم موافقتها على ذلك.

مسيرة الأعلام.jpg
 

ويتخلل المسيرة الاستفزازية التي تنتهي عند حائط البراق قبيل غروب الشمس، رقصٌ بالأعلام الإسرائيلية، وهتافات تُمجّد الاحتلال وتُسيء للفلسطينيين ورموزهم الدينية والوطنية، وفي كثيرٍ من الأحيان يُساء لنبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام.

ويُخرّب المستوطنون أيضًا ممتلكات المقدسيين بالبلدة القديمة، يترافق ذلك مع اعتداءات شرطة الاحتلال على الفلسطينيين المتواجدين في باب العامود ومحيطه، إذ يتم قمعهم باستخدام المياه العادمة والرّصاص المطاطي والقنابل؛ ما يُؤدي لوقوع إصابات واعتقالات في صفوف الذين يحاولون اعتراض المسيرة.

"عامٌ أكثرَ دَموِية"..

رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، يقول إنّ حكومة الاحتلال الحالية تُريد إثبات قِوّتها وقدرتها على تنفيذ وعودها بتنظيم "مسيرة الأعلام"، بعد ما مرّت به من أحداث أكّدت ضعفها.

ويحذّر الهدمي في حديثه مع "وكالة سند للأنباء" من مخطّطات الاحتلال بتنفيذِ رمزية أكبر لـ "مسيرة الأعلام" هذا العام، ومحاولة عدم توقفها عند باب العامود، ودخولها وتشعبها إلى طُرقات وأزقة البلدة القديمة وصولًا إلى حائط البراق.

ويرجّح  أنّ تكون  المسيرة "أكثر دموية، وتَحملُ أَطْماعًا خطيرة"، لكنّه في ذات الوقت، يرى أنها ستفشل فشلًا أكبر من السنوات السابقة، وستتبّب باندلاع مواجهاتٍ كبيرة في القدس وبقية المدن الفلسطينية.

ويبيّن أنّ "رمزية" المسيرة انتهت، مستطردًا: "الاحتلال نَظمَ مسيرة الأعلام ليُثبتَ للعالم أنه صاحب سيادة في عاصمته المُوحّدة، لكنّ السنوات الأخيرة أظهرت أن هُناكَ من يُنازِعَه السيادة فيها، ويُغيّر له برنامجه في تنظيمِ وسَيرِ المسيرة".

ويؤكّد ضيفنا على الدور الكبير لأبناء الضفة الغربية في حماية "الأقصى" وإسناد المقدسيين في مواجهة الاحتلال واعتداءاته، قائلًا: "إنّ ما يجري في الضفة من أحداث تُؤثّر على الوضع داخل المسجد، وأعداد المستوطنين المقتحمين لساحاته".

ويكمل أن "الشعب الفلسطيني أصبحَ أكثرَ قوّةً، وعناصر قِوَته أصبحت مُتعدّدة، بينها تكامل وانسجام، تصبّ جميعها باتجاه الدفاع عن المسجد الأقصى، والعاصمة المُقدّسة" مشددًا على ضرورة أن يستمر هذا التكامل في المرحلة القادمة.

هبّة الفلسطينيين في وجه المسيرة..

في السنوات الماضية الأخيرة بدأ المقدسيون بالتصدي لمسيرة "رقصة الأعلام، وذلك من خلال الاحتشاد عند مدرجات باب العامود ورفع الكوفية والأعلام الفلسطينية بوجه المستوطنين، وهتاف شعارات تؤكد تمسكهم بالقدس وعروبتها مثل "لا شرقية ولا غربية، هذي القدس عربية".

هبّة الشبّان في وجه مسيرة الأعلام.webp
 

وكانت جولة التصعيد العسكرية بين فصائل المقاومة بغزة والاحتلال عام 2021 والتي عُرفت بـ "سيف القدس" من أبرز ملامح الرد الفلسطيني على "مسيرة الأعلام" الاستفزازية، حيث وجهت المقاومة عند الساعة السادسة من مساء يوم 10 مايو ضربة صاروخية للمستوطنات المقاومة في القدس؛ ما تسبب بفشل المسيرة التي اعتاد المتطرفون على تنظيمها سنويا.

وهذا العام أعلن الحراك الشبابي الشعبي في مدينة القدس، اعتبار أيام الخميس والجمعة، أيامًا لـ"العلم الفلسطيني"، ردًا على مسيرة الاستفزازية، داعيًا أهالي الضفة الغربية والداخل المحتل وقطاع غزة والشتات لرفع العلم في كل ساحة، وعند كل نقطة حدود يستطيعون الوصول إليها.

علم فلسطين.jpg
 

المسيرة تُشكل محطة اختبار..

بدوره، يعتقد المختصّ في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أنّ "مسيرة الأعلام" ستشكّل محطة اختبار ستقود إما إلى حالة إنجاز أو توتر، مُقلًلًا من إمكانية إشعالها "حالة مواجهة أو إطلاق صواريخ من قطاع غزة".

ويُفسّر وجهة نظره أن "ظروف المسيرة هذا العام تختلف عما كانت عليه عام 2021، فحينها صادفت شهر رمضان الفضيل، تزامنًا مع اعتداءات تعرض لها حي الشيخ جراح، ومواجهات اندلعت في الضفة الغربية والداخل المحتل، وبالتالي فإن تدخل فصائل المقاومة بغزة كان تتويجًا طبيعيًا لهذه التحركات الشعبية".

ويصف في اتصالٍ مع "وكالة سند للأنباء" مسيرة الأعلام بـ "الاستفزازية والعدوانية، وتُعبّر عن استعلائية حكومة الاحتلال"، لافتًا إلى أنّ جزءًا من هذا الأمر يتمثّل بإعلان بنيامين نتنياهو المُبكر عن موعد المسيرة ومسارها كما هو مُخطّط.

ويُشير إلى أن اليمين المتطرف الذي يعتلي سدة الحكم حاليًا في "إسرائيل"، يسعى لتسريع عملية تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والاستفراد به وصولًا إلى تحقيق مطامعه بـ "بناء الهيكل" المزعوم.

وفي سؤالنا عن المطلوب فلسطينيًا، يجيب منصور: "علينا ألّا نتعامل مع كلّ حدث على أنه مُنفصل عن الآخر، لذلك يجب أن نستفيد من هذه الأحداث في إدارة مجمل الأخطار التي يتعرّض لها الأقصى والقدس تحديدًا، وقضيتنا بشكل عام من هذه الحكومة وحكومات الاحتلال المُتعاقبة".