الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

معاناة الفلسطينيين تتفاقم في ظل غياب نظام وطني لإدارة الكوارث

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

العزل الانفرادي في سجون الاحتلال.. حياة مع وقف التنفيذ

حجم الخط
العزل الانفرادي
غزة/ رام الله - أحلام عبد الله - وكالة سند للأنباء

حياة مع وقف التنفيذ، يعيشها الأسير المعزول انفراديًا داخل زنزانة مظلمة في سجون الاحتلال، لا تتعدى مساحتها المترين، يُمنع من ممارسة أي نشاط بشري بالتواصل مع الآخرين، حتى الحديث ممنوع إلا مع نفسه، يُحرم من زيارات الأهل أو رفاقه الأسرى، لا يلمح ضوء الشمس إلا لدقائق معدودة، وقد يُحرم منها أيضًا.

قد لا يستطيع الكثيرون منا تخيّل العيش في تلك الظروف ليوم كامل، لكن عدّاد الزمن في زنازين الاحتلال لا يقتصر على أيام معدودة من العزل، فهناك من عاشوا العزل الانفرادي لسنوات طويلة متتالية، منهم من تحدّوا قسوة الظروف وخرجوا سالمين، ومنهم من لم تقوَ صحتهم العقلية على تحمّل العيش وحيدين.

للاقتراب أكثر لتفاصيل العيش منفردًا لسنوات في زنازين العزل في سجون الاحتلال، التقت "وكالة سند للأنباء" بالأسير المحرر شكري الخواجا (55 عامًا) من قرية نعلين قرب رام الله، ليحكي لنا عن تجربته في العزل الانفرادي، وهو الذي أمضى في الاعتقال 22 عامًا، 4 سنوات منها متواصل بالعزل.

أصناف العزل..

‏لعامين متواصلين كان "الخواجا" وحيدًا في زنزانته، رفيقه المصحف، وكتب يقرأ محتوياتها، وجدول يومي يتغلب فيه على وقت الفراغ الذي يتربص به، مضت بأيامها وشهورها ثقيلة عليه، متنقلًا بين عدة سجون، ففي التنقل عقاب آخر يُحرم فيه الأسير من الاستقرار والاعتياد على مكان محدد.

وبعد مضي عامين، وبعد معركة إضراب عن الطعام خاضها ضد عزله وتضامن الأسرى معه، نُقل "الخواجا" لعزل مشترك مع أسير آخر في سجن هداريم، ليمضي فيه عامين آخرين.

مقبرة مؤقتة..

بكلمات ثقيلة تعيده لعتمة الزنزانة يقول "الخواجا": "العزل الانفرادي هو موت بطيء جدا، بما يرافقه من معاملة سيئة من إدارة سجون الاحتلال، إلى جانب طعام لا يصلح للاستهلاك الآدمي وغربة قسرية عن العالم الإنساني".

‏ولا تتساوى غرف العزل جميعها بنفس المواصفات، فهناك غرفة عزل يكون فيها قليلًا من التهوية، وأخرى يمنع الاحتلال من تسرب الهواء إليها، ولا تتعدى مساحتها مساحة الفرشة التي يتخذها الأسير مناما ومقعد له خلال اليوم، وفق قوله.

عزل أسير.jpg


وعن أسوأ عزل عاش فيه يخبرنا "الخواجا": "عزل سجن الرملة من أسوأ أقسام العزل في سجون الاحتلال، فالمبنى يعود لخمسينات القرن الماضي، في فصل الشتاء تتسرب مياه الأمطار داخل الزنزانة وتغرق الفرشة الوحيدة لدى لأسير، كما أنه يفتقر لمقومات الحياة الآدمية، إلى جانب سوء المعاملة ورداءة الطعام وسوء التهوية".

مراقبة وانتهاك..

‏وتطال قائمة الممنوعات المفروضة على الأسير المعزول تفاصيل عيشه على أدقها، فهو محروم من تناول الطعام بشكل جماعي مع الأسرى، ومن استخدام حمامات الأسرى، فيكون له حمام مخصص في غالب الأحيان مكشوف ويفتقر إلى أساسياته، تبعًا لضيفنا.

ويضيف "لا تسمح إدارة السجن للأسير المعزول أن يتكلم مع أي من الأسرى، حتى عندما كانوا ينقلوني بواسطة "البوسطة"، يتم وضعي بغرفة صغيرة مغلقة داخلة الحافلة، لا تتجاوز مساحتها نصف متر(..) كنت أتحدث مع نفسي لعامين كاملين".

‏ويستطرد: "تفسد إدارة سجون الاحتلال النوم على الأسرى المعزولين حيث تقوم بتفتيش الزنانة يوميا الساعة الثانية فجرا، وتقلب مكونات الزنزانة المعدودة رأسا على عقب لساعة أو ساعتين.. نعيش عذابا بمعنى الكلمة".

‏وتمنع سلطات الاحتلال الأسير المعزول من زياراته العائلية نهائيا طوال فترة العزل، وعن ذلك يقول "الخواجا": "لم أرَ عائلتي لمدة أربع سنوات متتالية وأنا في الزنازين".

صمود رغم العزل..

أن تكون أسيرا معزولا يعني توقف الحياة حتى إشعار آخر، لكن الأسير الخواجا عقد العزم على أن تستمر حياته، ليغيظ سجانه، ويقول: "لولا أني استعنت بربي وقرآني، وجدول يومي من قراءة وكتابه ودراسة وتلخيص، لأصابني خلل حتمي في عقلي، فالكثير من الأسرى لم يستطيعوا التغلب على ظروف الزنزانة، فتأثرت صحتهم العقلية والنفسية، فالعلاج الوحيد هو أن تقتل الفراغ قبل أن يقتلك".

‏"كيف كنت تقضي يومك بالعزل؟"، يجيبنا الأسير المحرر: "كنت أبدأ يومي بصلاة الفجر وبعد ذلك يبدأ جدولي من دراسة وقراءة وتلخيص وحفظ القرآن والعديد من الأمور التي كنت أجدولها في يومي، فكان ينتهي اليوم وأنا لم أٌكمل جدولي".

‏وعن الأعياد التي مرّت عليه في عزله، يحدثنا: "كنت أصحو مبكرا لصلاة الفجر، وأصلي بعدها صلاة العيد، وأرتدي أفضل ما لدي من الملابس، وأجهز طاولة صغيرة أضع عليها ما يتوفر من لدي حلويات المتواضعة".

عزل 555.jpg
 

‏وحين يدخل عليه ضابط السجن يصف فعله بالجنون فيرد عليهم قائلا: "اليوم عيد وأنا تجهزت لاستقباله، وأتخيل إني أمر على أقاربي خارج السجن، وعلى الأسرى في الأقسام الأخرى وأعيد عليهم، الأمر الذي يغيظهم".

بين إدارة السجن والمخابرات والمحكمة..

الناطق السابق باسم هيئة شؤون الأسرى حسن عبد ربه، يقول "إن سياسة العزل شكل من أشكال العقوبة والتعذيب الممارس من قبل إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي".

‏ويضيف في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء": "الاحتلال يحرم الأسرى المعزولين في غالب الأحيان من الزيارات العائلية، ويفرض بحقهم الغرامات المالية، إلى جانب حرمانهم من الكانتين".

ويتم عزل الأسير بقرار إداري من قبل ضابط مخابرات السجن، أو مدير السجن، ضمن الإجراءات إدارية، تسمى إجراءات تأديبية، أو بقرار من محكمة الاحتلال كما هو حاصل مع أسرى نفق الحرية، محمود العارضة، وزكريا الزبيدي، ومناضل نفيعات، ويعقوب قادري، وأيهم كممجي".

ويتابع "ويتم عزل الأسرى أيضا بقرار من المخابرات الإسرائيلية "الشباك"، بتهمة أن الأسير يشكل خطورة على الأمن ويمارس نشاطات عدائية داخل السجن، دون توضيحها".

كما تلجأ سلطات الاحتلال لعزل الأسرى كإجراء انتقامي لبعض قيادات الحركة الأسيرة كما هو الحال مع الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، ومروان البرغوثي، وغيرهم من القيادات، التي يتم عزلهم على فترات مختلفة، وفق "عبد ربه".

وفي إجراء يبعد كل البعد عن الإنسانية، تعزل إدارة السجون الأسرى الذين يعانون من مشاكل مرضية وعصبية ونفسية.

العزل الانفرادي.jpg


ويوضح "عبد ربه" :"بدلا من علاج الأسرى ووضعهم في بيئة ملائمة الوضع الصحي، يتم عزلهم ومعاقبتهم بحجة أنهم خطر على من حولهم، الأمر الذي يؤدي إلى مفاقمة حالتهم المرضية، مثل الأسير أحمد مناصرة".

‏كما تقدم إدارة السجون على عزل الأسرى الذين ينجبون أطفالًا عبر النطفة المهربة، مثل الأسير أحمد شمالي من غزة، الذي عزلته في زنازين سجن نفحة.

‏وعن أطول فترة عزل قضاها أسرى في سجون الاحتلال، يقول ضيفنا: "هناك أسرى تخطوا 10 أعوام و12 عاما داخل زنازين العزل، مثل الأسير عبد الله البرغوثي، وعباس السيد، وأحمد المغربي، ومحمود عيسى".

‏ وتعزل إدارة سجون الاحتلال حاليا ما بين 35 إلى 40 أسيرا، في عدة سجون مختلفة، مثل "هداريم" و"عسقلان"، وسجن "إيشيل"، و"نفحة"، بحسب "ضيف سند".

وخاض الأسرى في سجون الاحتلال عدة إضرابات عن الطعام احتجاجًا على سياسة العزل، منها في عامي 2012 و2014، لإخراج كوادر الحركة الأسيرة من العزل، تبعًا لـ "عبد ربه".

ويبيّن ضيفنا: "سلطات الاحتلال تنتهك اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والتي تشكل حماية للأسرى، ونصت بعض موادها (82 و90 و85) على أن العقوبات التأديبية التي قد تقع على الأسرى يجب أن يراعى فيها أكبر قدر من التسامح، وحظرت الحبس بمبان تكثر فيها الرطوبة وتنعدم التهوية، وحظرت أن تزيد مدة العقوبة الواحدة مطلقا على 30 يوما".