الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

الابن البار بجدته.. رصاصة إسرائيلية تُنهي حلم ميلاد الراعي وتكسر قلوب أحبابه

حجم الخط
ميلاد الراعي
غزة/ الخليل – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

في بيتٍ صغير في مخيم العروب شمالي الخليل، تجلس الجدة على كرسيها الخشبي، وجهها يعبس بألم لا يُوصف، هي جدة الشهيد الفتى ميلاد الراعي (16 عامًا)، تفتقده بكل تفاصيله وذكرياته، وبكل ما كان يجمعهما من حب.

تطوي صورة صغيرة لحفيدها ميلاد بأصابع مرتعشة، تنظر إليها بعمق، وكأنها تحاول استدعاء وجهه في أذهانها، لكنها تجد فراغًا حادًا يعصر قلبها، تبدأ بكتم دموعها وهمهمات تعبير عن ألم الفراق.

واستشهد الفتى ميلاد الراعي في 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، إثر إصابته بالرصاص الحي، خلال اندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم العروب شمال مدينة الخليل بالضفة الغربية.

ترك رحيل "ميلاد"، الطالب في الصف العاشر، ندبًا وفراغًا كبيرًا في المخيم وبين أصدقائه وعائلته، وهو الذي عُرف بصوته الجميل الدافئ، يغني لفلسطين، شغفًا بالغناء والوطن، تارة يغني للعودة، وتارة للأطفال، ورغم صغر سنه إلا أنه كان يسير على خطى والده الفنان الموسيقي منذر الراعي.

وبعد استشهاده، انتشر لميلاد مقاطع فيديو يغني فيها الراب بكلمات من تأليفه يسرد فيها حكايته وأحلامه، ويغني: "رغم الألم، رغم الجرح، رغم كل شي بصير، أنا عايش بالمخيم صابر ومتحمل كتير، بحلم أطير، بحلم أغني، بحلم أنافس، أنا إنسان في قلبي الخير، السما إلي والبحر إلي، في السما أنا نسر بطير، في البحر أنا أكبر حوت".

لكن رصاص الاحتلال الإسرائيلي أسكت "ميلاد" عن الغناء، ووضع حدًا لحياته القصيرة، التي حلم فيها باحتراف كرة القدم، فقد كان مغرماً بنادي "ريال مدريد"، ويحلم بزيارة ملعبه وحضور مباراة فيه.

بصوتها الحزين المتحشرج، تتساءل جدة ميلاد عنه: "أين أنت يا حبيبي؟"، وذكريات الأوقات التي قضاها ميلاد بجوارها تتدفق في مخيلتها، وتزداد غزارة كلما مر الوقت، تجعلها تشعر بأنّه لا يمكن أبدًا أن يفارقها حفيدها.

في بيت العزاء، ينتاب الحزن والألم قلوب الحاضرين، ولكن لا أحد يشعر بالحزن بقدر ما تشعر به جدته "أم حاتم"، تلك المرأة العجوز الواقفة بجوار صورة ميلاد، وجهها مغمور بالدموع الهمسات الحزينة لأحزانها.

"يمّا".. كانت تلك الكلمة التي ينادي بها الطفل الصغير ميلاد جدته، كانت تتردد في أذنيها كلما أحسست بالوحدة والحنين، كم كان يمثل لها هذا الصغير الذي رأته يكبر وينمو تحت أنظارها، كانت له قصة حب خاصة به.

"أم حاتم" لم تتحدث كثيرًا، لا تستطيع الكلمات أن تعبر عن ألمها، وداع حفيدها الذي ربته ورعته منذ عمره عام وثمانية أشهر كانت ضربة موجعة لقلبها.

"اقتلعوا روحي من جسدي"..

بصوتٍ يعتصره الألم تقول الجدة "أم حاتم" لـ "وكالة سند للأنباء"، "برحيل حفيدي ميلاد، اقتلعوا روحي من جسدي، وتركوا في قلبي جرحًا عميقًا ينزف بألم لا يوصف، كان حفيدي حياتي، كنت أربيه وأعتني به منذ عمره الصغير".

وتنطق الجدة كلماتها بحنان وألم: "أنا سميت حفيدي ميلاد لأنه الاسم حلو وميلاد بالحياة"، تلك الكلمات تحمل في طياتها حبًّا عميقًا ورغبة في منح الحياة والأمل لحفيدها؛ لكنّ حقيقة الحياة في ظل الاحتلال القاسي جرّعتها الألم أضعافا.

تقول الجدة "أم حاتم": "شجعت حفيدي ميلادي على الاستمرار في لعب كرة القدم، وغرست فيه حب القرآن والصلاة، وعكس ذلك إيجابًا على نموه وتطوره، كنا نراه يتقي الله بكل ورع وإخلاص، يصوم بتقوى وسجادة الصلادة دائمًا على الكرسي، لا ينقطع عن هذا الركن الذي يمثل له القوة والأمان".

تواضعه وطيبته ومحبته للجميع، أكسب "ميلاد" كاريزما لافتة وحبّ كل من عرفه، يبتسم للجميع، ويعامل الآخرين بلطف واحترام، كان يجسد الخير وينبض بروح السلام، تبعًا لحديث الجدة.

وتسرد: "كان ميلاد يمتلك شغفًا كبيرًا بالموسيقى والأغاني الوطنية، التي تعبر عن معاناة المخيم والظروف الصعبة التي يعيشها أهله".

"وداع مُر"..

بدموعٍ تثقل جفونها وبقلبٍ مثقل بالألم، ودّعت والدة الشهيد ميلاد ابنها بكلمات تنطق بعمق الفراق "مع السلامة يمّا.. ابني راح"، هذه الكلمات الثقيلة تحمل في طياتها حزنًا لا يمكن وصفه وفراقًا يقطع القلب.

تقول أم ميلاد لـ "وكالة سند للأنباء"، ابني تمنى الشهادة ونالها، كانت كل كلمته عن الشهادة، وحمل روح الشهداء في قلبه، وكان يتأمل صورهم ويتمنى أن يكون مكانهم.

وتُكمل أم ميلاد، ما يميِّز ابني بشكلٍ بارز هو طيبة قلبه وحنيته، ورقته في التعامل مع الآخرين، كان يمتاز بالعطف والرحمة في تعامله مع الأشخاص من حوله، شخصيته قوية ولا تعرف الخوف أمام جيش الاحتلال.

أما عن آخر لحظات جمعت بينه وبين والدته تروي قائلةً: "هاتفني قبل يوم من استشهاده، وكان يتحدث معي بهدوء تام، أكد لي كم يحبني وأوصاني أن أحافظ على نفسي، وكأنه اتصال مودع"، كما تصفه.

ومنذ بداية العام الجاري استشهد 47 طفلا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، في حين قتل الاحتلال 53 طفلاً خلال العام الماضي في الضفة، وقطاع غزة.