بعد نزوحهم عن منازلهم قسرًا من غزة وشمال القطاع، فتح تجار ذهب بسطات صغيرة في أسواق مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر، باحثين عن فرصٍ جديدةٍ لتحسين أوضاعهم المعيشية وإعادة إحياء تجارتهم.
وتحولت شوارع رفح الرئيسية، إلى أسواق مفتوحة مكتظة بمئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين، وأوجدت طائفة جديدة من التجار في خضم الحرب الإسرائيلية الواسعة على قطاع غزة.
ولا يوجد موطأ قدم وسط المدينة في ظل انتشار مئات الباعة على الأرصفة وتدفق النازحين لتلبية احتياجاتهم الضرورية مع استمرار ارتفاع الأسعار، في ظل القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول البضائع والمواد الأساسية للحياة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفقد العديد من تجار الذهب محلاتهم وكثيرًا من مصاغهم وسوق الذهب في غزة (ويعرف أيضا باسم سوق القيسارية)، هو ممر ضيق مغطى يقع في الحي القديم في مدينة غزة، جراء الحرب الإسرائيليّة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأكثر دموية وشدة في القرن الواحد والعشرين، ممّا اضطرّهم إلى النزوح إلى رفح والبدء من جديد.
وفتح تاجر الذهب عوني الشبراوي بسطة صغيرة في منطقة مواصي رفح حيث تنشر عشرات آلاف الخيام في محاولة لإحياء تجارته وتوفير مصدر دخل لعائلته المكونة من 13 فردًا.
يقول الشبراوي الذي كان يمتلك مع أشقائه 20 محلًا للذهب والحلي في مخيم جبالبا شمال القطاع: "فقدت معظم رأس مالي جراء الحرب واليوم أنا فاتح بسطة وأشتري الذهب وأعيد بيعه من أجل تحصيل لقمة العيش".
ويشتري الشبراوي جرام الذهب مقابل 38 دينارا أردنيا من زبائنه، ويشير إلى أن حركة بيع الحلي تتصاعد خصوصا من قبل النازحين، من أجل تأمين ثمن شراء خيمة أو لباس يحميهم من برد الشتاء القارس.
ويوضح الشبراوي أن أسعار الذهب في جنوب القطاع تختلف عن أسعارها في غزة وشمال القطاع جراء عزلها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتراجع السيولة النقدية هناك.
وقبل الحرب كانت تجارة الذهب في غزة تعاني من كساد كبير، في ظل القيود المالية والاقتصادية التي تمارسها سطلات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة.
التاجر غسان بديع، فيقضي يومه خلف صندوق زجاجي بداخله كمية من الحلي وسط رفح، ومعظم الوقت يتبادل أطراف الحديث مع زبائنه وبالكاد يشتري أو يبيع لزبائن محدودين.
ويوضح بديع الذي كان يتملك محلًا في سوق القيسارية بغزة، أن معظم تجار الذهب الذين نزحوا إلى رفح فتحوا بسطات صغيرة وعادوا لممارسة مهنتهم من جديد على أمل تحسين أوضاعهم المالية في ظل ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
ويضيف: "اليوم نشتري خواتم وحلقان ودبلا وبعضها نخسر فيها.. ما في أشياء ثقيلة وما نجينه طوال اليوم بالكاد يوفر الطعام للعائلة".
وبحزن يروي لنا تاجر الذهب خليل أبو شرب أحد المواقف التي "فطرت قلبه"، عندما فك أب حلقا من أذن ابنته لبيعه من أجل شراء الطعام لأسرته، ويردد "حال الناس اليوم صعب جدًا".
وبفعل الحرب، أعيد تشكيل أسواق الذهب في رفح وأصبح عمليات شراء المصاغ والحلي من أكثر العمليات الرائج في هذه الأوقات في رفح مع استمرار الحرب والحصار الإسرائيلي المشدد للشهر الخامس على التوالي.
ويعيش النازحون في رفح في ظروف صعبة للغاية، حيث يفتقرون إلى المسكن اللائق والمرافق الأساسية، ويواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء والدواء.
ويواجه سكان غزة قفزة هائلة في تكاليف الغذاء القليل إن توفرا، وسط انعدام في وجود المواد الغذائية والطبية، وإن وجدت فإن تكلفتها تترك الكثير غير قادرين على شرائها.
وباعت سناء يونس من غزة جزءا من حليها من أجل شراء ملابس وأغطية وطعام لأسرتها التي في خيمة برفح منذ ثلاثة أشهر.
تقول يونس بعد أن استلمت ثمن الحلي من أحد الصاغة "الحياة هنا صعب والأسعار نار ونحن طلعنا من بيوتنا بملابس الصيف ونحتاج إلى كل شيء في ظل البرد القارس".
وارتفعت أسعار الخضار واللحوم والمواد الغذائية الأساسية، حيث شهدت بعض المواد زيادة بمقدار عشرة أضعاف أو أكثر.
ويعتمد الفلسطينيون على طرود غذائية معلبة تصل من خلال معبر رفح البري مع مصر بعد خضوعها للتفتيش في معبر إسرائيلي، ويشوب عملية توزيعها موجة من الانتقادات اللاذعة من قبل النازحين وسكان المدينة الحدودية.
ولم يستسلم أبو أنس الشبراوي من مخيم النصيرات وسط القطاع، وعاد لممارسة عملة كبائع ذهب في رفح بعد وصوله إلى المدينة مطلع هذا العام.
يقول الشبراوي إن غارة إسرائيلية استهدفت منزلهم وتسبب في استشهاد شقيقه وأكثر 3 كيلوا من الذهب كانت بحوزته في النصيرات قبل نزوح العائلة إلى رفح.
ويضيف "اليوم أن وعائلتي وعائلة أخي الشهيد ووالدتي عايشن في رفح ونحتاج إلى كل شيء لذلك قررت أن أعود للعمل بما تبقى من ذهب لدي من أجل توفير مصدر دخل للجميع".
ووفق الشبراوي فإن الحرب الإسرائيلية تمثل كارثة مروعة لجميع أطياف الشعب الفلسطيني، وقال إن تجارة الذهب سوف تعاني بعد الحرب في ظل سرق الاحتلال كميات كبيرة من الذهب وتدمير مصانع الصاغة وسوق الذهب الرئيسي في غزة ".