تتعد أشكال وأوجه معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فمن الإهمال الطبي المتعمد، إلى العزل الانفرادي، مروراً بالمنع من زيارة الأهل واقتحام الأقسام والغرف وانتهاءً بالاعتقال الإداري، كلها عناوين صغير لمعاناة كبيرة يندرج تحتها مئات وربما آلاف الأسرى.
ومؤخراً، زادت وتيرة الاعتقالات الإدارية وارتفعت حتى بلغت أرقاماً قياسية تزداد يوماً بعد يوم، فوفقاً لنادي الأسير الفلسطيني فإن أعداد الإداريين بلغت حتى نهاية يناير/ كانون ثاني الماضي 4384 أسيراً، بينهم 40 طفلاً، و11 أسيرة، بالإضافة لـ 21 صحفيًا.
وأشار النادي إلى أن هذه الأعداد لم تُسجل حتى في ذروة انتفاضة الاقصى منذ أكثر من 20 عاماً، وطالت بشكل أساسي أسرى سابقين أمضَوا سنوات في سجون الاحتلال، إضافة لشبان وفتية من الجيل الجديد، لم يسبق أن تعرضوا للاعتقال.
الاعتقال الإداري.. كابوس يلاحق الأسرى
والاعتقال الإداري؛ اعتقال تعسفي لا يستند للائحة اتهام ولا يتم خلاله إخضاع الأسير لأيٍ من أشكال الاستجواب أو التحقيق المعروفة (إلا في حالات نادرة)، ويرتكز بالأساس على قرار يصدر من جهاز "الشاباك" الإسرائيلي عبر ما يسمى الحاكم العسكري.
وغالباً ما يكون دور محامي الدفاع في هذا النوع من الاعتقال الذي يعود لفترة الانتداب البريطاني وقوانين الطوارئ، شكلياً وهامشياً، لأنه يتسند على ملف سري تُعده النيابة العسكرية ولا يحق للمحامي الاطلاع عليه أو معرفة تفاصيله.
ورغم عرض المعتقل الإداري على محكمتي التثبيت والاستئناف والمحكمة العليا، غير أن جميع هذه المحاكم صورية وتخضع لإرادة الجهات الأمنية "الإسرائيلية"، فهي التي تقرر متى تفرج عن المعتقل ومتى تبقيه رهن الاعتقال.
سلاح لقمع الفلسطينيين..
من ناحيته، يقول الوكيل المساعد في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد العال العاني: "لا يروق لحكومة الاحتلال العنصرية أن يقاوم الشعب الفلسطيني سياساته حتى وإن كانت بشكل سلمي حتى وإن كانت من خلال الكلمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك تلجأ الى الاعتقال الإداري".
وأكد "العاني" في تصريحات سابقة لـ "وكالة سند للأنباء" أن الاحتلال يرى في الاعتقال الإداري سلاحاً فعالاً وسهلاً لقمع الفلسطيني، وهي سياسة قديمة جديدة تزيد أحياناً وتخف أحياناً تبعاً للوضع الأمني العام.
وعلى الناحية الأخرى، يرى "عبد العال" أن الاعتقال الإداري لا يشكل ضغطاً على الجهاز القضائي الإسرائيلي فهو ليس بحاجة لكتابة إفادة وتوجيه لائحة اتهام ضد الأسير، ولا يتطلب عقد عشرات الجلسات قبل النطق بالحكم، لذلك نجد الاحتلال يفضل هذا النوع من الاعتقال.
وحسب الوكيل المساعد فإنه من الضروري وضع استراتيجية وطنية تشمل الحركة الأسيرة وفصائل العمل الوطني والجماهير الفلسطينية لمواجهة الاعتقال الإداري ووقفه.
مشدداً على أن المطلوب من الأسرى مقاطعة المحاكم الإسرائيلية بجميع درجاتها بشكل كلي وكامل ومتواصل.
وأضاف:" المطلوب أيضاً من الجهات الرسمية طرق أبواب المؤسسات الدولية، فالقوانين تمنع هذا النوع من الاعتقال، على أن يكون كل ذلك مدعوماً من الجماهير على الأرض عبر الفعاليات المساندة للأسرى بشكل عام والادريين تحديداً".
الأعلى في تاريخ الحركة الأسيرة..
من ناحيتها، تقول الناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى أمينة الطويل، إن أعداد المعتقلين الإداريين اليوم هي الأعلى منذ تاريخ الحركة الأسيرة.
وعن الأسباب التي تدفع الاحتلال لزيادة مساحة الاعتقال الإداري، أوضحت الطويل: "يسعى الاحتلال لتفريغ الساحة الفلسطينية من أي شخصية مؤثرة سواء كانت لقادة في الفصائل أو نواب في المجلس التشريعي أو مسؤولي نقابات مهنية وعمالية أو حتى أعضاء مجالس طلبة وصحفيين وحقوقيين".
وتكمل في تصريحات سابقة لـ "وكالة سند للأنباء": " تعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن مثل هذه الشخصيات المؤثرة تعمل على تحريك الشارع الفلسطيني المنتفض أصلاً، لذلك ترى من الضروري إبعادهم من خلال الاعتقال الإداري".
مشيرة إلى أن الاحتلال يهدف أيضاً لإرهاق هذه الشخصيات بالاعتقالات المتلاحقة ودفعهم لاعتزال العمل السياسي، عدا عن الأثر النفسي والصحي.
وحسب الطويل فإن 85% من المعتقلين الإداريين اليوم هم أسرى سابقين قضوا عدة سنوات في الاعتقال الإداري.
وعن أسباب عدم نجاح الحركة الأسيرة في وقف الاعتقال الإداري، رغم خوضها عدة إضرابات جماعية وفردية خلال العقود الماضية، تذكر الطويل: "الاعتقال الإداري بعكس بقية القضايا المتعلقة بالحركة الاسيرة قضية سياسية لا يمكن أن تنتهي الا بقرار سياسي صادر عن حكومة الاحتلال، وهذه الأخيرة يستحيل أن تتنازل عما تعتبره أحد ركائز الأمن لديها".
وترى الطويل أن مصلحة السجون الإسرائيلية ليست صاحبة قرار في هذا الشأن، بل جهة تنفيذية فقط.
مشيرة إلى أن الحركة الأسيرة نجحت في تخفيض سقف الاعتقال الإداري، حيث كان بعض الاسرى يمكثون 5 سنوات متواصلة في هذا الاعتقال، فيما لا تزيد المدة اليوم عن عامين.
ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال اليوم أكثر من 9000 أسير؛ منهم 4384 معتقلًا إداريّا، فيما كان عدد الأسرى في سجون الاحتلال قبل الـ 7 من أكتوبر أكثر من 5250، والمعتقلين الإداريين نحو 1320.