الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

رمضان بأجواء حزينة.. كيف يهوّن أهل غزة على بعضهم ويلات الحرب؟

حجم الخط
421988599_1546537252557066_7054124796003235025_n.jpg
غزة - وكالة سند للأنباء

يعيش سكان قطاع غزة ظروفًا استثنائية مأساوية في شهر رمضان هذا العام، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، فقد غاب عن موائد الأسر الفلسطينية، أحبّة كُثر، مثلما غابت عادات رمضانية كانت تُزين الشهر الفضيل وتزيد من بهجته.

وبالرغم مما يُعاينه الغزيون على امتداد شهورٍ طويلة من ويلات الحرب، إلا أنّهم يحاولون التمسك بالأمل كخيارٍ أخير، ويحاولون الوقوف إلى جانب أقاربهم ومعارفهم؛ من أجل تخفيف مآسيهم المشتركة، وتهوينها على أنفسهم المثقلة بالآلام.

فهذا نافز شحدة أحد النازحين إلى مدينة خانيونس جنوب القطاع، يتمنى في اتصالٍ هاتفي مع شقيقه الذي بقي في منزلهم بمدينة غزة، لو أنّ الزمن يعود إلى ما قبل تاريخ نزوحه، كي لا يُغادر منزله مهما كلّفه ذلك من ثمن.

ويقول نافز شحدة لـ "وكالة سند للأنباء" إنّ شقيقه الأكبر بقي في غزة رفقة أولاده وأحفاده ولم يقبل بفكرة النزوح، لكن استشراء المجاعة في محافظتي غزة والشمال، وتفاقم الظروف المعيشية مع حلول شهر رمضان، دفعه للتفكير بالنزوح إلى الجنوب؛ ليحمي عائلته من خطر الموت.

"يا ريت في طيارة ونبّدل وأرجع لبيتي، حتى لو ما في مقومات حياة هناك"، بهذه الكلمات البسيطة ردّ "نافز" على شقيقه حين أخبره بفكرة النزوح، مضيفًا: "هو يريد سد رمق أولاده وأطفالهم، ولا يجد سبيلًا إلا النزوح، أما نحن (في الجنوب) وصل الحال بنا أنّ نحسد من بقي في بيته ولم يسمع لأوامر الاحتلال".

ويشير إلى أنّ الحال صعب على الجميع سواءً كانوا في الشمال أو في الجنوب، فقد أثقلتهم أعباء الحرب وهمومها، واشتاقوا لحياةٍ طبيعية يعيشونها مع عوائلهم في الشهر الفضيل، دون تشريد ولا قتل، ولا أصوات انفجارات، لكن مع غياب الأمل بحلٍ قريب، لم نجد إلا وسيلة مواساة بعضنا البعض.

لا يختلف حال "نافز" عن عائلة المواطن أسامة علي التي نزحت إلى رفح جنوبًا مع الأيام الأولى للحرب، إذ يقول في كل مرة أهاتف أقاربي وأصدقائي في شمال القطاع، أغبطهم على وجودهم في بيوتهم رغم المجاعة التي جعلتهم بأجسادٍ هزيلة وضعيفة، أما هم فيؤكدون أن حالنا أفضل منهم حتى لو كنا خارج بيوتنا.

أسامة علي الذي يعيش في خيمة بأحد مراكز الإيواء يضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "حتى سماع صوت الآذان في رمضان صرنا نغبط بعضنا عليه، بعدما دمر الاحتلال مساجد الشمال، ولم يُبقِ لهم إلا أنقاض من حجارة والكثير من الحسرة والقهر".

ويتابع: "نحن وهم، نقر في داخلنا أنّنا جميعنا لسنا بخير، والأمور تزداد قسوةً يومًا بعد يوم، خاصة في شهر رمضان، الذي نفتقد فيه أحبّة وعادات رمضانية كثيرة، لكن ليس باليد حيلة إلا أن نهوّن على بعضنا ما نحن فيه".

ويوضح أنّ الاحتلال استخدم التجويع وحرمان السكان في الشمال من الأشياء الضرورية التي تُبقيهم على قيد الحياة كوسيلة من وسائل الحرب؛ لإدخال شعور الندم إلى قلوب من بقوا في منازلهم، بينما يواصل علينا الضغط نحن سكان الجنوب بالقصف العشوائي، والغلاء الفاحش، لإرغامنا على الهجرة إلى الخارج.

وشردت الحرب الإسرائيلية نحو مليوني مواطن، يقيم غالبيتهم إما في مراكز إيواء، أو في خيام بلاستيكية أقيمت داخل أماكن عشوائية غير منظمة تفتقر لجميع الخدمات، في كثير من مناطق القطاع.

فيما تتواصل مأساة سكان مدينة غزة وشمالها، جراء الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال، والذي بموجبه تحول دون وصول المساعدات بالكميات الكافية للسكان هناك، ما زاد من حجم المجاعة، التي تسببت في وفاة العديد من المواطنين بينهم أطفال وكبار في السن.

وتتناول باسمة محمد مع طفليها إفطارهم على أنقاض منزلها في مخيم الشاطئ غربًا، والحسرة تأكل قلبها بعدما أفقدتها الحرب زوجها وثلاثة من أولادها، تقول لـ "وكالة سند للأنباء": "في ظل المعاناة الغذائية ونفاذ ما يلزم من طعام وشراب، فإننا نتشارك موائد الطعام مع أقاربنا والجيران".

وتلفت إلى أنّ العوائل في غزة لا تفكر بماذا ستُفطر في رمضان، فلا خيارات أمامهم لإعداد وجبات الطعام، بل وأحيانًا لا يجدون الماء لكسر صيامهم فيه، مضيفة: "نعيش كل يوم بيومه، يأتي رزقه معه، فمثلًا نأكل الخبيزة، أو أرز مسلوق بالماء، أو شوربة عدس، وعلى بساطة هذه الوجبات فإننا نتشاركها مع أقاربنا".

أما التجمّعات العائلية في شهر رمضان، فلم تعد موجودة، فمئات آلاف الشهداء رحلوا بسبب الحرب المدمرة، منهم عائلات مُسحت بأكملها، أما مَن تبقّى من تلك العائلات، فقد فقرّهم الاحتلال بالتشريد والاعتقال، وهذا فاقم الظروف المعيشية سوءًا، وفق "باسمة".

وفي سؤالنا هل فكرتِ بالنزوح إلى الجنوب؟ تُجيب: "بالتأكيد لا، فقدت زوجي وأولادي، في سبيل البقاء في منزلنا وعدم الانصياع لأوامر الاحتلال، وبعد أن قطعنا هذا المشوار الطويل، علينا الثبات أكثر حتى يقضى الله أمره بالنصر والفرج".

وتسترسل ضيفتنا: "أهلي نزحوا إلى الجنوب منذ 3 شهور، والآن يتمنون اليوم الذي يُعلن فيه عن وقف إطلاق النار، للعودة إلى منازلهم، فعلى الرغم من توفر المستلزمات الأساسية عندهم، فهم يعيشون ويلات مضاعفة للحرب".

وفي إجابتها على سؤالنا أما أنتِ ما الذي تغبطين أهلك عليه؟ تبتسم ثم توضح: "نُمازح بعضنا في كل مكالمة، فهم يحسدوننا على العيش بمنزلنا، أما أنا فأحسدهم على سماع صوت الآذان، شعور لا يمكن تخيله حين سمعت صوت الآذان لأول مرة بعد شهور من انقطاعه في غزة، بكيت بحرقة".

وتتابع: "لكن ما يهوّن عليّ أنني أعيش بالقرب من منزلي، حتى لو كان كومة حجارة، لكن بالتأكيد حالنا لا يسر لا صديق ولا عدو، وما نمر به عار على الأمة بأكملها(..) هذا الحال يجب أن ينتهي وأن يُحاسب الاحتلال على جرائمه".

وخلّفت الحرب المدمرة ضد قطاع غزة من السابع من أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، حتى اليوم الأربعاء، 31 ألفًا و341 شهيدًا، بالإضافة لـ 73 ألفًا و134 مصابًا معظمهم من النساء والأطفال، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية.

ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع، قطع الاحتلال إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، الذين يعانون بالأساس أوضاعا متدهورة للغاية.