الساعة 00:00 م
الثلاثاء 14 يناير 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.45 جنيه إسترليني
5.15 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.73 يورو
3.66 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

الحواجز العسكرية.. وسيلة الاحتلال لخنق حياة الفلسطينيين في نابلس

الجائزة التي لم تكتمل: حلم أريج شاهين الذي سلبته الحرب

حرب غزة.. سجن يكبل قلوب المغتربين وليل لم تشرق شمس نهاره..

حجم الخط
حرب المغتربين
فاتن عياد الحميدي- غزة/ وكالة سند للأنباء

مثل كابوس طال ليله واشتدت حُلكته ولم تشرق شمس نهاره بَعد، مرارة تتجرعها عائلات قطاع غزة، ويا لشدة مَن قذفت به الحياة خارج البلاد، خارج الوطن، ليصبح مغترباً سجين الحرب والفقد، مُكبل القلب واليدين، يستذكر قول الجدات "الغربة مرة"، فكيف إذا اجتمعت مرارة الاغتراب ومرارة الحرب والموت؟

"قتلت فرحتي المنتظرة"..

تعُد ميساء كمال حبوش الأيام بلهفة، وتنتظر اللقاء الذي يجمعها بعائلتها؛ تلك اللحظ المنتظرة بعد غربة ومرارة ستة أعوام في دولة السويد، والذي كان من المقرر أن يتم اللقاء في أكتوبر/ تشرين أول الماضي؛ لكنها الحرب..

تصف "حبوش" لمراسلة "وكالة سند للأنباء"، حالها "كنت أشعر بحماس شديد وأتخيل لحظة اللقاء بعد غياب ٦ سنوات بعيداً عن حضن العائلة"، مضيفةً "اشتريت لأهلي كماً كبيراً من الهدايا والشوق يجتاح أضلُعي؛ إلا أن اندلاع الحرب الدامية كسر جميع معاني الفرح والحماس، هذا الشعور الذي أظلم كل شيء، ولا تستطع الكلمات أن تصفه".

تسلل الخوف ودب الرعب في قلب "ميساء" شيئاً فشيئاً، مستذكرةً أن الحرب لم تكن يوماً ولا يومين ولا حتى شهر أو شهرين، ازداد القلق والتوتر وهي بعيدة عن أهلها، فقط تُطالع الأخبار وسط خوف من أن ترى صور عائلتها بين الشهداء.

تحدثنا "حبوش" عن الفترة الشديدة والتي كان وقعها كبير جداً، وهي فترة انقطاع الاتصال التي فصلت قطاع غزة عن العالم.

تصف ضيفتنا حالها بـ"الهستيري"، قائلةً: "زاد الخوف كنت أشاهد صور الشهداء على الإنترنت وأخاف أن تظهر أمامي أو أتعرف على أحد من أهلي، أُدقق في ملابسهم، أُمعن النظر في الشوارع والطرقات، أحفظ التفاصيل، خوفاً من أن يكونوا أحد أفراد عائلتي".

يزداد الخوف أكثر عندما ينتشر في الأخبار خبر استهداف قريب من منزل عائلة "حبوش"، وما يُفاقم الشعور هو اتصال ضيفتنا بعائلتها التي لا تستطع الوصول إليهم بسبب انقطاع الاتصال.

تُحدثنا "ميساء، عن التاريخ الذي لا يُنسى، ففي ١٤ يناير/ كانون الثاني وصل اتصال لضيفتنا من زوجها وكانت الصدمة "حسن ابن اختك استشهد".

وبحرقة في قلب الخالة التي كان ابن شقيقتها صديقاً وابناً وأخاً لها، تقول: "ما صدقت وقلت مستحيل أكيد الخبر مزحة"، والذي فاقم حرقة القلب أكثر انقطاع الإرسال الذي حرم ضيفتنا سماع صوت شقيقتها ومواساتها.

"لوعة الفراق والغربة قاسية جداً، كان نفسي أحضن أختي وأمسح دمعتها، خاصةً أنها وحدها جنوب القطاع وباقي العائلة في الشمال" كما حدثتنا "حبوش".

مرارة الغربة والعجز أصاب "ميساء" بحالة من الاكتئاب ما منعها الخروج من المنزل أو إخراج أطفالها إلى رياض الأطفال، وتختم قولها: "احنا كمغتربين نعيش الحرب حربين أضعاف ما نكون عند أهلنا وحولهم".

الغربة في كفة والحرب كفة أخرى..

"سنوات الغربة في كفة، وأشهر هذه الحرب في كفة أخرى"، لم يختلف حال الشابة هديل أبو ركاب (٢٩ عاماً) عن باقي ضيوف "وكالة سند للأنباء" فمرارة الحرب والغربة فتكت بالقلوب وأرهقت الأبدان.

تصف "أبو ركاب" -وهي فتاة أهلها الوحيدة والمدللة على عدد من الإخوة- شعورها المليء بغصة في القلب، فبعد أن كانت وسط شعور الأهل الخائفين على ابنتهم في الغربة، عُكِس ذلك لتصير المغتربة في دوامة من الرعب على عائلتها داخل الوطن!

تضعنا "هديل" في جزء من صورة الحال الذي تعيشه، الأخبار على مدار الساعة، الخوف والقلق بات يلازمها، عدا عن أي صوت فجائي تسمعه ما يصيبها بالذعر وكأنها في غزة.

أما عن أصعب اللحظات، تقول " أبو ركاب" لا شعور بالخوف تملكني كلحظة سماعي بتمركز الدبابات الإسرائيلية عند مدخل بلدة الزوايدة وهو المكان الذي تقطنه عائلتها، واصفةً ذلك" دقات القلب بتزيد خصوصاً إذا سمعت اسم مكان تحفظه جيداً، حينها تدرك كمية الخطر المحدق".

تلقت "هديل" في هذه الحرب أنباء استشهاد العديد من الأقارب والأصحاب والجيران، لكن أكثر ما أوجعها خبر استشهاد ابنة عمها نور أبو ركاب وطفلتها ياسمين.

تستكمل ضيفتنا: " سمعتُ على الأخبار نبأ ارتقاء امرأة وابنتها في الزوايدة، فجلستُ أفكر مَن تكون هذه السيدة، فحيِّنا صغير وجميعنا نعرف بعضنا، إلى أن ذُهلت بقراءة اسمها ورؤية فيديو طفلتها الشهيدة، كيف لا يتمزق قلبي وهي التي كانت بمثابة أختي، ورفيقة طفولتي إلى أن تغرّبت".

ياسمين أبو ركاب.jpg

يا للمرارة..

وهذه السيدة إسراء محمود أبو شمالة (٣٧ عاماً) أحد المغتربين في ألمانيا، تُعبِّر بقولها: "ما أصعب أن يتملكني شعور الخوف، شعور الفقد، كنت أتردد كثيرًا قبل أن أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي كي لا أرى خبر استشهاد أحدهم، أو أحد معارفنا، شعور الغصة وحرقة القلب لا يمكن وصفه، جميعها مشاعر مختلطة بين الحزن والخوف".

تقول "أبو شمالة" لمراسلتنا، "لم أعتد ممارسة حياتي بشكل طبيعي، لا أستطيع الخروج من البيت كي أبقى على متابعة متواصلة للأخبار، أما في فترة انقطاع الاتصال، كنت على متابعة أولًا بأول، وأنتظر على أحر من الجمر أن يرسل لي أحدهم رسالة ليطمئنني عن أحوالهم".

لم تشعر "إسراء" بالكل أول الملل، فرَدٌّ واحدٌ كفيل بنشر جرعة من الطمأنينة، فكما ذكرت لنا "أقوم بإرسال عشرات رسائل الواتساب دون كلل أو ملل لعلها تصل، واتصالات دولية، وأخرى عبر الواتس وغيرها، لكن دون جدوى، فيتملكني شعور بالقهر والخيبة"!!

لا يُسعفنا البكاء..

أما عن متابعتها للأخبار، فلم تتمكن ضيفتنا من وصف شعورها بتلك اللحظات، موضحةً "لا يمكن لي أن أتخطى كيف فتكت المجاعة بأجساد أطفال حولتهم لهياكل عظمية، مشاهد القتل والدمار وصور الأشلاء، لا يمكن تخطي لحظات وداع الشُهداء، لا يُسعفني حتى البكاء، تعجز عن الكلمات، تعجز عن فعل شيء".

ليس هذا فحسب، فالحرب لم تُبقِ قلباً إلا وأخذت منه عزيز، فقد تلقت "إسراء" خبر ارتقاء خيرة من شهداء عائلتها، وصديقات مقربات، كانت إحداهن العزيزة على قلبها الصحفية حنان عياد.

حنان عياد.jpg


وتضيف "أبو شمالة" أن الأخبار جميعها كالصاعقة، ولم تحتمل ذلك، إلى أن مرَّت بمرحلة من الاكتئاب حتى منعها زوجها من متابعة الأخبار لتتحسن نفسيًا، لكنها لم تتعافى بعد، واصفةً ما يحدث بـ"الكارثة، فلا تستطيع تجاوز كل ذلك".

ويبقى شعور الوجع والفقد موجع ولا يُضاهيه ألم، لكن الأكثر إيلاماً عجزك أن تحظى بلحظة الوداع أو إلقاء النظرة الأخيرة، الفقد في الغربة تعيشه مع نفسك، وسط حرب أخرى من التفكير والقلق والخوف من القادم.