تشهد الأغوار الفلسطينية والتجمعات البدوية والرعوية في الضفة الغربية تطهيرا عرقيا وعمليات تهجير صامتة، وعنف متصاعد للمستوطنين أدى لترحيل وتهجير 18 تجمع رعوي اختفت عن الخريطة منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر العام الماضي.
ولعل أبرز التجمعات التي عانت في الآونة الأخيرة من اعتداءات المستوطنين كانت تجمع عرب المليحات في منطقة المعرجات غرب أريحا، والتي يقطنها 65 عائلة فلسطينية، حيث ضيّق المستوطنون الحياة على الفلسطينيين هناك، ونكّلوا بهم طيلة السنوات الماضية.
ومع بداية العدوان على غزة، تصاعدت اعتداءات المستوطنين على عرب المليحات، والتجمعات البدوية بالضفة بشكل عام، خاصة مع القرارات الإسرائيلية بتسليح المستوطنين بشكل واسع بعد تاريخ 7 أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
خنق التجمعات الرعوية
في تحقيق صحفي لصحيفة "هآرتس الإسرائيلية ترجمه المتابع للشأن الإسرائيلي والناشط محمد علان دراغمة، جاء فيه: "هكذا تتم عملية خنق التجمعات الرعوية في الضفة الغربية، الأغنام في حظائرها، كل مناطق المراعي مغلقة بعد أن تم السيطرة عليها من قبل المستوطنين العنيفين، وأسعار الأعلاف لا تسمح للرعاه البقاء، الأطفال في حالة ذعر".
وبيّن التحقيق أن تجمع عرب المليحات مقام على هذه الأراضي منذ عشرات السنوات، وإن استمرت الأحوال على ما هي عليه الآن، هم الآخرون سيضطرون لترك التجمع والرحيل، مشيرًا إلى أنه لا يوجد من ينقذ عرب المليحات، فالجيش الإسرائيلي يتعاون مع المستوطنين، ومثله أيضاً الإدارة المدنية الإسرائيلية، والشرطة الإسرائيلية لا تحرك ساكناً، وأكد: "عملية التراتسفير العنيف والصامت بدون أي عائق".
مساعي قديمة للسيطرة الكاملة
وتحيط مستوطنات ريمونيم وكوخاف شاحر، وموفوت أريحا ويتيف، وبؤر إستيطانية ومزارع بعضها لا يحمل اسمًا، بالقرية البدوية الصغيرة عرب المليحات،.
وكشد تحقيق "هآرتس" أن منطقة المليحات كانت هادئة نسبيا قبل سنوات، إلا أنها تدهورت في أعقاب سعي المستوطنين للسيطرة على كل الأراضي لصالحهم، مضيفًا: "بعد الحرب على غزة التي أنهت كل الحدود التي كانت قائمة، ارتدى "زعران المستوطنين" الزي العسكري للجيش الإسرائيلي، وزودوا بالسلاح، ومركبات عسكرية سميت "وحدات الاستنفار".
وحسب الصحيفة، فقد تحولت منطقة الأغوار وسفح الجبل لمنطقة حرب على الأرض، ولجعل حياة السكان بائسة حتى يحذوا حذو المجتمعات الرعوية الأخرى ويهجروا أراضيهم، ولتكون المنطقة كلها يهودية وكلها للمستوطنين.
وفي محيط منطقة عرب المليحات، تتواجد مركبة عسكرية إسرائيلية، لتعزيز القبضة الحديدية للمستوطنين على التجمع حتى يتم تهجيره هو الآخر، وفق هآرتس.
تهجير للمرة الثالثة
سكن المواطنون في عرب المليحات منطقة المعرجات في العام 1981 بعد أن تم تهجيرهم من مكان سكنهم، مرة من النقب إلى الضفة الأردنية في العام 1948، والمرة الثانية إلى هنا، بعد أن أقام الجيش الإسرائيلي معسكراً في وسط الضفة الغربية.
واليوم يحاول المستوطنون تحت دعم كل مؤسسات الاحتلال تهجير عرب المليحات للمرة الثالثة، ولتبقى مخططات التهجير في مخططات الاحتلال ومستوطنيه.
المتحدث غير الرسمي لتجمع عرب المليحات سليمان مليحات، يقول في التجمع حوالي 5500 رأس من الأغنام، ليس لديهم مكان للرعي بعد أن سيطر المستوطنون على الأراضي المحيطة بهم.
ومليحات صاحب قطيع من الأغنام تعداده 130 رأس، وعمه جمال صاحب قطيع أغنام تعداده 150 رأس، 35 منها سرقت مؤخراً على يد المستوطنين.
خطط سيطرة وتهجير
وأشار تحقيق "هآرتس" إلى أن مجموعات المستوطنين تعمل على تطبيق خطة عمل تتمثل في منع السكان في المنطقة من الإقتراب من حدود المستوطنة أو البؤرة الإستيطانية، حتى 2 كم من حدودها.
وعقب ذلك يقوم المستوطنون ببناء المزارع والبؤر الفردية كتلك التي سيطر عليها المستوطن "عومر"، والذي وفق روايات سكان التجمع سيطر على قرابة 2000 دونم، ومنع الرعاة من الإقتراب منها، ومنذ بداية الحرب على غزة يتحرك في المنطقة بالسلاح وبالزي العسكري.
وأضافت الصحيفة: "المستوطن "زوهر" هو الآخر أقام بؤرة استيطانية زراعية حملت اسمه، وسيطر مع قطيعه على مساحة قاربت على 3000 دونم، ومنع سكان التجمع من الاقتراب منها".
ويتحدث سكان عرب المليحات عن هجمات المستوطنين عليهم وعلى قطعان أغنامهم في ساعات اليوم وفي ساعات الليل، ويقومون بإلقاء الحجارة عليهم ودهس أغنام بالتركتورونات، وهناك مرات تم حرق خيم.
تواطؤ شرطة الاحتلال
ولفت أهالي المليحات إلى أنه عند استدعاء الشرطة، يقوم المستوطنون بإرشادها مَن يعتقلون مِن السكان، وكثير من السكان اعتقلوا بناء على طلب المستوطنين.
وأضاف الأهالي: "في كثير من الأحيان يأتون بعد أن يغادر المستوطنين، وعند ذهاب السكان لتقديم شكوى لدى شرطة بنيامين لا يسمحون لهم بالدخول إلا بوجود محامي، وحتى اليوم لم تسفر أي عملية تحقيق عن نتائج".
ولاحظ أهالي عرب المليحات قبل عدة أسابيع وجود ثلاثة حفر بالقرب من مدرسة القرية، وكانوا على قناعة بأن الحفر عبارة عن رسالة من المستوطنين لترهيب السكان، بأنهم سيقتلون وسيقبرون هنا إن هم اقتربوا من المستوطنات.
ثبات ورفض للتهجير
ويعيش سكان المليحات بالأغوار في ظروف حياتية صعبة وقاسية جدا، فهم يعاندون صعوبة الطبيعة وظروفها القاسية، وبذات الوقت يقاومون الاحتلال والتقدم الاستيطاني الاحتلالي.
وقبل عدة شهور أخلي تجمع روعي واد السيق بسبب عنف المستوطنين، والسكان في عرب المليحات يعتقدون أن مصيرهم سيكون شبيه، ولكنهم حتى الآن هم لن يتنازلوا عن مكانهم.
وقالوا:"لن نترك المكان، نحن هنا، وليس لدينا مكان آخر، ولدنا هنا سنوات طويلة قبل مجيء المستوطنين ولن نرحل".
وبحسب بيانات الباحث الحقوقي لمنظمة "بيتسلم" في الأغوار عارف دراغمة، فإن عملية تطهير غور الأردن في ذروتها، منذ بداية الحرب على غزة (18) تجمعاً رعوياً هجرت في الضفة الغربية بسبب إرهاب المستوطنين، إلى جانب عشرات العائلات الأخرى.
وتتواصل اعتداءات المستوطنين الهمجية ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في أنحاء متفرقة في الضفة الغربية.
ويطلق على الأغوار الفلسطينية في الضفة الغربية "سلة غذاء فلسطين" ويظهر من خلال هذا الوصف الأهمية الاستراتيجية لهذا الشريط الشاسع "الأغوار"، إزاء السياسة الاحتلالية التي تطرح فكرة قديمة جديدة مفادها فرض سيادة الاحتلال على الجزء الغربي من غور الأردن التابع للضفة الغربية، إضافة لمنطقة شمال البحر الميت لأسباب تزعم أنها أمنية.