تُشكِّل أزمة المياه في محافظات قطاع غزة الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، مأساة تُفضي إلى حياة كارثية، جراء تدمير شبكات المياه واستهداف محطات التحلية وتوقف بعضها بشكل كامل والآخر بشكل جزئي، وعدم توفر الوقود الكافي لتشغيلها.
وأدت الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع إلى انخفاض حصة الفرد الواحد من المياه إلى ما بين 3-15 لترا يومياً، مقابل معدل استهلاك بنحو 84.6 لترا للفرد يوميا خلال العام 2022، وفق إحصائيات حديثة حصلت عليها "وكالة سند للأنباء"، ما يُدخل السكان في حرب جديدة للحصول على المياه.
أسبوع دون ماء..
وتصف السيدة حليمة زياد النازحة إلى منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة وهي أم لطفلين، حالها "البائس" مع المياه، سواء كانت مياه الشرب أو المياه المالحة.
تقول "زياد" إنها لما تتمكن من الحصول على المياه "مياه البلدية"، منذ أسبوع، وهي التي تعتمد عليها يومياً في ملئ بضعة أواني لديها حتى تستفيد من المياه المتوفرة وقتاً أطول، مضيفة أنها في المرة التي حصلت عليها قبل أسبوع لم تكفِ لبضعة أيام مع شح استخدامها.
وتشير إلى أنها مضطرة إلى ترشيد استهلاك المياه في الاستخدام اليومي سواء في غسل الأواني، أو بعد قضاء الحاجة، أو حتى في الاستحمام الذي أصبح بميعاد؛ بسبب النقص الحاد في الكميات التي يحصلون عليها، واصفةً الظروف التي يعيشونها بأنها صعبة جدًا.
لجأوا لمياه البحر..
والتقت مراسلة "وكالة سند للأنباء" بإحدى السيدات النازحات من شمال قطاع غزة إلى مدينة دير البلح، والتي فضلت عدم ذكر اسمها، أثناء تواجدها على شاطئ البحر لتغسل ملابس أطفالها.
وتصف السيدة معاناتها اليومية في الخيام ووقوفها في الطوابير هي وعائلتها للحصول على جالون ماء، إلى أن نفذت المياه تماماً من خيمتها واضطرت بعدها إلى استخدام مياه البحر.
وتوضح لنا أن "مياه البحر شديدة الملوحة وتؤثر على غسيل الأواني، غير الرمل الذي قد يبقى عالقاً في الثياب بعد غسلها".
وتلفت النظر إلى أنها ترسل أطفالها في معظم الأحيان للاستحمام في البحر، بسبب قلة المياه، وسط خوفها الشديد من انتقال أي عدوى لهم بسب اكتظاظ الخيام على ساحل البحر.
معاناة الوصول للماء..
أما السيد جابر إسماعيل فيقطع مسافات طويلة بحثاً عن المياه الصالحة للشرب، بعد أن توقفت محطة تحلية المياه في منطقة نزوحه في دير البلح جراء نفاد الوقود.
ويلفت ضيفنا إلى أنه يتوجه أحياناً إلى التحلية بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى، وأحياناً أخرى يشتري من سيارات المياه التي قلَّت بنسبة كبيرة بسبب نفاذ السولار، مضيفاً أن سعر الجالون الواحد وصل إلى ٣ شواكل بعد أنا كان شيكلاً واحداً.
ويذكر لنا معاناته في الحصول على مياه الشرب، مستدركا: " أُفضِّل التعب في الحصول عليها وقطع مسافات طويلة، على لحظة واحدة يشعر فيها طفلي بالمرض والتلوث والبقاء في المستشفيات جراء الأمراض الناتجة عن تلوث المياه".
مسألة حياة أو موت..
واستكمالاً لما سبق، تقول المديرة التنفيذية لـ "اليونيسف" في تصريحات لها "إن الحصول على ما يكفي من المياه النظيفة هو مسألة حياة أو موت، والأطفال في غزة بالكاد يحصلون على ما يكفي للشرب".
وتضيف في تصريحها "ويضطر الأطفال وأسرهم إلى استهلاك المياه من مصادر غير صحية أو شديدة الملوحة أو ملوثة؛ ومن دون مياه نظيفة، سيموت عدد أكبر من الأطفال بسبب الحرمان والمرض في الأيام المقبلة".
وتؤكد اليونيسف أن محطة تحلية المياه التابعة لليونيسف في دير البلح - وهي واحدة من ثلاث منشآت كبيرة لتحلية مياه البحر في غزة - لا يمكنها العمل إلا بقدرة 30% بسبب نقص الوقود.
أما منظمة الصحة العالمية فتشير إلى أن نقص المياه والتلوث أدى إلى إعاقة الوصول إلى الرعاية الصحية، مما أدى إلى تفشي الأمراض وإلى خلق أزمة صحية عامة.
وتتابع أن "أنظمة المياه والصرف الصحي المتضررة وتناقص إمدادات التنظيف جعلت من المستحيل تقريباً الحفاظ على التدابير الأساسية للوقاية من العدوى ومكافحتها".