بين البحث عن ما تبقى من أشلاء وتشيع جثامين الشهداء تباعًا، عاش نازحون فلسطينيون ساعات "مروعة" عقب هجوم جوي إسرائيلي استهدف مخيما للنازحين في رفح جنوبي قطاع غزة.
وعثر جمال العطار وآخرون على بقايا جمجمة، وأشلاء، وسط حطام غرف من الصفيح، لجأ إليها نازحون من شمال القطاع، عقب اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال العطار (57 عاما) لمراسل "وكالة سند للأنباء": "في البداية حكوا الجيران أن القصف استهدف بئر مياه مشان ما نحصل على المية، لكن بعد لحظات اشتعلت النيران وخرج جميع سكان المخيم والمخيمات المجاورة من غرفهم وخيامهم في حالة فزع وخوف".
وأضاف "لا أعرف لماذا قصفوا المخيم، ولا أرى سببا لارتكاب هذه المجزرة البشعة بحق المدنيين. ابن عمي ومرته وأولاده الثلاثة استشهدوا هنا. وزي ما انت شايف (ترى) نبحث عن ما تبقى من أشلائهم".
وتابع بحرقة "هؤلاء أبرياء، أطفال، أصغرهم عمره أربعة أشهر، والثاني عامان، والثالث أربعة أعوام. حسبنا الله ونعم الوكيل".
وأظهرت لقطة فيديو تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، جثة طفل دون رأس عثر عليه مسعفون من وسط الحطام الذي أحدثه القصف الإسرائيلي الأعنف ضد النازحين عقب اجتياح مدينة رفح في السادس من الشهر الجاري.
وكانت طائرات حربية إسرائيلية قصفت دون سابق إنذار مساء أمس الأحد، عددا من غرف الصفيح داخل مخيم "السلام الكويتي 1" الواقع في شمال غرب رفح.
وساعدت دول عربية في توفير خيام وبناء غرف من الصفيح للنازحين في مناطق أعلن جيش الاحتلال أنها آمنة عقب إعلانه شن حرب على قطاع غزة وصفتها الأمم المتحددة بأنها الأقسى في القرن الواحد والعشرين.
ويقع المخيم المنكوب خلف قاعدة لوجستية مكتظة بالنازحين، وتستخدم في تخزين المواد الغذائية لصالح وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) صنفها الاحتلال الإسرائيلي عبر منشورات أسقطها من الجو بأنها "آمنة".
ووصفت "أونروا"، في بيان صحفي اليوم الاثنين، الهجوم على خيام النازحين في رفح بـ "المروع"، وكتبت على منصة (إكس) "المعلومات الواردة من رفح حول شن المزيد من الهجمات على العائلات التي تسعى للمأوى مروعة. غزة جحيم على الأرض والصور التي التقطت هي شهادة أخرى على ذلك".
ولا تزال الاشتباكات بين جيش الاحتلال من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، بعيدة نسبيا، عن مكان الهجوم الذي وقع مع حلول الظلام في مخيمات تؤوي آلاف الأسر النازحة قسرا.
ورفح البالغ مساحتها 55 كيلو متر مربعًا، وتمتلك حدودا برية مع مصر تبلغ 14 كيلومترا، كانت تؤوي أكثر من مليون ونصف المليون نازح قبل الهجوم الإسرائيلي على المدينة، وفق بيانات الأمم المتحدة والسلطات في غزة.
وأجبر حوالي 900 ألف فلسطيني على النزوح قسرا من منازلهم ومراكز الإيواء والخيام التي لجأوا إليها في رفح خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فيما لا يزال مئات الآلاف يعيشون في أحياء مثل السلطان، والسعودي، ومخيم بدر، وأطراف مراج، وساحل المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
واجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي شرق ووسط مدينة رفح، وسيطر عسكريا على 70 بالمئة من الشريط الحدودي مع شبة جزيرة سيناء المصرية، بحسب بيانات صادرة عن الصحافة العبرية.
وهجرت "إسرائيل" في بداية حربها قبل ثمانية أشهر مئات الآلاف من سكان غزة وشمال القطاع إلى جنوب القطاع بزعم انه "منطقة آمنة ".
وقال محمد إسماعيل، النازح من مخيم البريج "بعد صلاة المغرب وقع انفجار زلزل المكان. عندما حاولت فتح باب حجرتي نار هبت في وجهي. غرفة الجيران وقعت على غرفتي. ساعدوني الجيران بالخروج، وشفت (رأيت) أكثر من عشر جثث متفحمة حولي رغم الظلام".
وأضاف، وهو يشير إلى الأشلاء المتناثرة، "شوف (شاهد) ماذا فعل الجيش الإنساني (جيش الاحتلال) انظروا إلى هول الجريمة البشعة. عشنا هنا أيام البرد في الشتاء، والحر في الصيف، وبعد هيك قصفونا وقتلوا الأبرياء دون ذنب".
ووصف إسماعيل الحرب الإسرائيلية بأنها أكبر محرقة في التاريخ الحديث ضد المدنيين من الأطفال والنساء، وتابع موضحا "نحن صابرين ومرابطين لكن حجم الوجع والألم كبير. يعني مثلا اليهود بقولوا هذا المكان آمن ثم يقصفوه، كما انا مثلا بدي أسافر عند ابني في ألمانيا لكن مشان أسافر لازم أدفع خمسة آلاف دولار مشان أدخل معبر رفح".
وأصاب الخراب والدمار معظم أنحاء قطاع غزة، وأجبر معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على النزوح قسرًا المرة تلو الأخرى في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر الثامن على التوالي.
وودعت نسوة يرتدين غطاء رأس، أحد أقربائهم في ساحة أمام غرفة من الصفيح وسط أجواء من الحزن والألم والقهر.
وقالت دعاء النجار بصوت متهدج "هذه الحرب لم تترك أحدا. اليهود يقتلوننا في بيوتنا وشوارعنا وفي خيامنا. شو بدهم (ماذا يريدون) وين نروح (أين نذهب)".
وتسبب الهجوم الإسرائيلي المروع على مخيم النازحين في استشهاد وإصابة أكثر من مائة فلسطيني وفق حصيلة أولية صادرة عن وزارة الصحة في غزة.
واستشهد حوالي 36 ألف فلسطيني في الفترة الواقعة بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحتى 26 مايو/ أيار الجاري.
وقال جهاد أبو شوارب (68 عاما) عقب أداء صلاة الجنازة على أحد أقربائه: "الهجوم على مخيم للنازحين بهذه الصورة البشعة كشف الوجه القبيح للاحتلال وعراه أمام العالم، لكن لا أحد قادر على وقف آلة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين".
وأضاف أن "حادثة قتل ابن شقيقتي شادي الدسوقي وزوجته والعشرات من الأبرياء هي فعل إجرامي ضد الأمنين. للأسف الشديد هذا الاحتلال لا يردعه قانون دولي ولا حقوق إنسان، لأنه تجرد من كل الأخلاق والقيم الإنسانية".