كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن تفاصيل الدعم الاستخباري الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في حربها وحملة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة للشهر التاسع.
وبحسب الصحيفة قدمت وكالات الاستخبارات الأمريكية قدراً غير عادي من الدعم لنظيرتها الإسرائيلية. وقد ساعدت هذه المساعدة في تحديد مكان احتجاز أربعة أسرى إسرائيليين في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة مؤخرا، ولكنها أثارت أيضًا مخاوف بشأن استخدام المعلومات الحساسة.
وقالت الصحيفة "اعتمدت عملية إنقاذ الأسرى الأربعة القاتلة التي قامت بها القوات العسكرية الإسرائيلية في غزة يوم السبت الماضي على عملية ضخمة لجمع المعلومات الاستخباراتية كانت الولايات المتحدة أهم شريك لإسرائيل فيها".
وأضافت أنه منذ هجمات السابع من أكتوبر، كثفت الولايات المتحدة من جمع المعلومات الاستخباراتية عن الحركة في غزة، وتشارك كمية غير عادية من لقطات الطائرات بدون طيار، وصور الأقمار الصناعية، واعتراض الاتصالات وتحليل البيانات باستخدام برامج متقدمة، بعضها مدعوم بالذكاء الاصطناعي، وفقًا لمسؤولي استخبارات أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين.
وأوضحت أن "النتيجة هي شراكة في تبادل المعلومات الاستخباراتية ذات حجم نادر، حتى بالنسبة لبلدين عملا معًا تاريخيًا في مجالات ذات اهتمام مشترك، بما في ذلك منع إيران من صنع سلاح نووي".
تعويض إخفاقات الاستخبارات الإسرائيلية
في المقابلات، قال المسؤولون الإسرائيليون في مقابلات مع صحيفة واشنطن بوست، إنهم ممتنون للمساعدة الأمريكية، التي منحت الإسرائيليين في بعض الحالات قدرات فريدة كانوا يفتقرون إليها قبل هجمات 7 أكتوبر المفاجئة عبر الحدود.
لكنهم كانوا أيضًا في موقف دفاعي بشأن براعتهم في التجسس، وأصروا على أن الولايات المتحدة لم تكن، في معظم الأحيان، تعطيهم أي شيء لا يمكنهم الحصول عليه بأنفسهم.
وذكرت الصحيفة أنه قد يكون من الصعب التوفيق بين هذا الموقف وبين الإخفاقات الواضحة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف العلامات التحذيرية لتخطيط حماس والاستجابة لها.
وبحسب الصحيفة تتسم الشراكة الأمريكية الإسرائيلية بالتوتر في بعض الأحيان. وقد شعر بعض المسؤولين الأمريكيين بالإحباط من مطالبة "إسرائيل" بمزيد من المعلومات الاستخباراتية، والتي قالوا إنها لا تشبع وتعتمد في بعض الأحيان على افتراضات خاطئة بأن الولايات المتحدة قد تكون تخفي بعض المعلومات.
وفي إحاطة مع الصحفيين في البيت الأبيض الشهر الماضي، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن واشنطن "قدمت مجموعة مكثفة من الأصول والقدرات والخبرات".
وردًا على تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 11 مايو، قال سوليفان إن المعلومات الاستخباراتية "ليست مرتبطة أو مشروطة بأي شيء آخر. إنها ليست محدودة. نحن لا نخفي أي شيء. وقال سوليفان: "نحن نوفر كل الأصول وكل الأدوات وكل القدرات".
ويشعر مسؤولون آخرون، بمن فيهم مشرعون في الكابيتول هيل، بالقلق من أن المعلومات الاستخباراتية التي تقدمها الولايات المتحدة قد تشق طريقها إلى مستودعات البيانات التي تستخدمها القوات العسكرية الإسرائيلية لشن غارات جوية أو عمليات عسكرية أخرى، وأن واشنطن ليس لديها وسائل فعالة لمراقبة كيفية استخدام "إسرائيل" للمعلومات الأمريكية.
وقد منعت إدارة بايدن "إسرائيل" من استخدام أي معلومات استخباراتية مقدمة من الولايات المتحدة لاستهداف المقاومين في العمليات العسكرية.
واشترطت إدارة بايدن أن تُستخدم المعلومات الاستخباراتية فقط لتحديد مكان الأسرى الذين يحمل ثمانية منهم الجنسية الأمريكية، وكذلك القيادة العليا لحماس. وقد تم التأكد من مقتل ثلاثة من الأسرى الأمريكيين الثمانية، ولا تزال جثثهم محتجزة في غزة، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين.
تغير الأولويات
قالت الصحيفة إنه قبل هجمات 7 أكتوبر، لم تكن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعتبر حماس هدفًا ذا أولوية، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين. وقد تغير ذلك على الفور تقريباً بعد هجمات الحركة التي شكلت أكبر ضربة تتلقاها دولة الاحتلال.
بدأ أفراد من قيادة العمليات الخاصة المشتركة للجيش الأمريكي العمل جنبًا إلى جنب مع ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مركز الوكالة في "إسرائيل"، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.
وبدأ أفراد من وكالة استخبارات الدفاع بالاجتماع مع نظرائهم الإسرائيليين "على أساس يومي"، حسبما قال أحد المسؤولين الأمريكيين. كما يعمل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في "إسرائيل".
وفي الأسابيع الأولى من الحرب، طلب المسؤولون الإسرائيليون المسؤولون عن تحديد مكان الأسرى في قطاع غزة من واشنطن للمساعدة في سد الثغرات فيما يعرفونه من مصادرهم الخاصة.
وشمل ذلك أجزاء محددة من المعلومات، بالإضافة إلى تقنيات وخبرات لتحليل كميات كبيرة من الصور وتراكب الصور المختلفة لخلق صور أكثر تفصيلاً، بما في ذلك ثلاثية الأبعاد، للتضاريس في غزة.
وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين الكبار، الذي رفض تقديم تفاصيل، إنهم قدموا لنا بعض "القدرات التي لم تكن لدينا قبل 7 أكتوبر". لكن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً آخر أشار إلى أن واشنطن قدمت صوراً مفصلة للغاية من الأقمار الصناعية التي تفتقر إليها "إسرائيل".
معلومات شحيحة متوفرة
وبالإضافة إلى الاستخبارات، كان الدعم الأمريكي يتألف من أعضاء من قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وهي قوة العمليات الخاصة النخبوية التي لديها خبرة عميقة في عمليات إنقاذ الأسرى.
وقال مسؤولون أمريكيون إن أعضاء المجموعة كانوا يعملون في "إسرائيل"، بالشراكة مع ضباط استخبارات أمريكيين، منذ وقت قصير بعد بدء الحرب.
وقال مسؤولون أمريكيون إن قوات قيادة العمليات الخاصة المشتركة في المنطقة كانت مستعدة للانتشار في غزة لتحرير مواطنين أمريكيين تم احتجازهم في غزة.
وقال أحد المسؤولين: "إذا تمكنا من الحصول على معلومات من جانب واحد يمكننا التصرف على أساسها، واعتقدنا أنه يمكننا بالفعل إخراج أشخاص أمريكيين أحياء، ولكن كانت هناك معلومات قليلة جدًا في الحقيقة عن الأسرى الأمريكيين على وجه التحديد".
في المقابل قال مسؤولون حاليون وسابقون إسرائيليون إن ندرة المعلومات الاستخباراتية البشرية كانت مسؤولة جزئياً عن الفشل الإسرائيلي في استعادة الأسرى أو حتى اكتشاف وفهم التخطيط هجمات 7 أكتوبر.
التورط الأمريكي باستهداف المدنيين
تساءل النائب جيسون كرو (ديمقراطي عن ولاية كولورادو)، وهو عضو في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، كيف يمكن لمسؤولي الإدارة أن يتأكدوا من أن "إسرائيل" لا تستخدم المعلومات الاستخباراتية التي تتلقاها كجزء من حملتها العسكرية التي أسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.
وقد شارك كرو، وهو من قدامى المحاربين في الجيش، في صياغة تشريع سُنّ العام الماضي يلزم مدير الاستخبارات الوطنية بإخطار الكونجرس إذا ما أسفرت المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة لدولة أخرى عن سقوط ضحايا مدنيين.
وقال كراو في بيان للصحيفة "يتبع رئيس الوزراء [بنيامين] نتنياهو استراتيجية فاشلة في غزة، إن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين والمجاعة وعدم وجود استراتيجية متماسكة أمر مقلق للغاية".
تابع "سأستمر في إجراء رقابة قوية لضمان أن تبادل المعلومات الاستخباراتية يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة."