"كنا نحكي زمان بالمثل الشعبي "دارك ع شط البحر"، لمّا نوصف الشخص اللي عايش برفاهية، والحياة عنده حلوة ومريحة، وكأنها بتضحك له، لكن هلقيت بالحرب لما تصير نازح على البحر بيكون أصعب مأوى إلك هو اللي "ع الشط!"
بهذه الكلمات بدأت الشابة عفاف الناجي، النازحة من غزة إلى دير البلح في المحافظة الوسطى حديثها عن معاناة النزوح على شاطئ البحر وصعوباته.
فماذا يعني أن تكون "دارك ع شط البحر" خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟، وأن يصير الشاطئ هو المأوى، وأن يتحول البحر من متنفسٍ للتنزه إلى ملاذ نزوحٍ صعب!.
في هذا التقرير ترصد "وكالة سند للأنباء" مع ضيوفها جانبًا من ملامح حياة النازحين على شاطئ البحر، وتسلط الضوء على جزء من معاناتهم.
معاناة شريان الحياة..
كآلاف النازحين الذين لم يجدوا ملاذًا يأويهم بعد محطات النزوح المتكررة من منطقة لأخرى غير شاطئ البحر، تعاني "الناجي" واقعا صعبا بالنزوح، وتقول: "بعد نزوح لأكثر من 7 مرات، بات البحر الآن مأواي، وأن تكون خيمتك على شاطئ البحر معناه باختصار افتقارها لأغلب متطلبات الحياة اليومية، ما يزيد واقع نزوح الخيام صعوبة فوق صعوبته".
وفي سؤالنا عن هذه التحديات والصعوبات، تضعنا "ضيفة سند" في صورة شيء منها، تلك التي تمس بالأساس شريان الحياة "الماء"، فمن الصعب الوصول لمياه الشرب، عدا عن شبه انعدام المياه المالحة حيث يتواجدون ما يضطرهم لاستعمال مياه البحر بالاستخدام اليومي، وحتى الاستحمام، الأمر الذي ألقى بظلاله على إصابتهم بأمراض جلدية ظهرت على أجسادهم.
معانة يومية في قطع المسافات الطويلة يعيشها الشاب محمد البديري، النازح على شاطئ بحر خانيونس ليصل إلى مياه الشرب، ويقول خلال حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "قرابة الساعة أو أقل بقليل أمشي يوميا من خيمتي لأقرب مكان لتعبئة ماء الشرب لي ولعائلتي، وكأنها المفارقة العجيبة؛ رح ينشف ريقك لتوفر الماء اللي رح يبل ريقك!".
الخيمة والشاطئ..
وفي الحديث عن بُعدٍ آخر، غير ذلك المتعلق بالمياه، يقول "البديري": "موقع الخيمة على الشاطئ أساسا هو نفسه تحدٍ، فقد نزحت قبل أسبوع من رفح _على إثر اجتياح المدينة_ وهو نزوحي السادس، ولم أجد متسعا ولا مكانا لنصب خيمتي في منطقة المواصي ولا غيرها، فاضطررت للشاطئ، وفي بادئ الأمر كان بيني وبين موجة عالية عاتية غرق خيمتي!".
ويُكمل: "صحونا أول أيامنا من موج البحر وهو يدخل على خيمتنا، فقد كانت الأمواج عالية جدا حينها، والشاطئ مكتظا بخيام النازحين، فاضطررنا لتعديل مكان الخيمة والرجوع قليلا عن الشط".
ويستدرك القول بـ "تنهيدةٍ عميقة": "وأظننا لم ننجُ بكل الأحوال، وكأن البحر على اتساعه لقد ضاق علينا!".
أمراض جلدية..
وبوجه أحرقته أشعة الشمس وتملؤه البثور البيضاء، وبيدين تملؤها الحبوب الكبيرة ذات اللون الأحمر، تتحدث الفتاة النازحة أميرة السلمي لـ "وكالة سند للأنباء" عن مرضها الجلدي الذي أصابها منذ نزوحها على شاطئ البحر، موضحة أن "جو البحر والاعتماد على مياهه في استخدامنا اليومي والاستحمام يُمرض فعلا، والجلد يتكلم عنا!".
فمنذ شهر ونصف تعاني الفتاة "السلمي" من جملة أمراض جلدية، موضحة: "معاناة كبيرة ظهرت لي تزامنا مع نزوحي على شاطئ البحر، فأنا أعاني من حروق الشمس الشديدة، وحساسية الجلد، وحرارة الجسد، والحبوب والبثور لا تفارق بشرتي". وحال أميرة كالكثيرين في خيام النازحين على الشاطئ.
وكل هذه الأمراض وفقا للأطباء بسبب تغير الجو والبيئة، وتكمل الفتاة: "أنا بطبيعتي من قبل الحرب بشرتي حساسة، ولم أعتد على زيارة البحر إلا مرات تُعد على اليد بالعام، فكيف يكون الحال إن عشتُ على شاطئه؟!".
وبخليط مشاعر وكأنه يلخص حال الكثير من النازحين على شاطئ البحر، تختم "ضيفة سند" حديثها: "كان البحر متنفسنا الوحيد بغزة، الذي نهرب إليه من همومنا، كنت أتمنى أن تظل ذاكرتنا معه لطيفة وجميلة مثله، وأن نظل نزوره حباً، لا أن نضطر للعيش على شاطئه قسرا، ونعاني عليه تفاصيل حياة النزوح الصعبة".