الساعة 00:00 م
الخميس 04 يوليو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.8 جنيه إسترليني
5.31 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.06 يورو
3.77 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

غزة.. حرب "إسرائيل" العدوانية تطال الأجنة في بطون أمهاتهم

صحفيون في مرمى النار.. كتاب "الإبادة الصحفية" يُوثق استشهاد 125 صحفيًا من غزة

حجم الخط
حياة وسير الصحفيين الشهداء
غزة/بيرزيت – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

لأنهم لم يكونوا يومًا أرقام في سجلات الأحداث، بل كانوا أرواحًا تعانق الحقيقة والشجاعة، كان لا بد من حفظ ملامح وجوههم جيدًا، وتخليد أسمائهم، وسرد سيرهم، وحفظ قصص رحيلهم واستهدافهم، هذا ما يقوم به مشروع "الإبادة الصحفية" الذي أعلن عنه مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت.

ويهدف المشروع إلى توثيق رحلات حياة وقصص 125 صحفيًا فلسطينيًا شهيدًا في قطاع غزة، ويأتي ضمن مبادرة "الإفلات من العقاب"، بالإضافة إلى ذلك، يشمل المشروع إنتاج ثلاث تحقيقات استقصائية تسلط الضوء على انتهاكات إسرائيلية لحقوق الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة عام 1948."

ومنذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتل الاحتلال الإسرائيلي 153 صحفيًّا وصحفية في قطاع غزة، لم يكونوا آمنين في مكاتبهم الصحفية، أو حتى في منازلهم، حيث لاحقتهم طائرات الاحتلال وقصفتهم في الميدان أثناء تأدية عملهم، محاولين تحويل الصحفيين، ناقلي الخبر والقصة، إلى ذكرى تتلاشى دون صدى في عقول العالم.

وفي العام الماضي، شهد المشروع الذي انطلق هدفه الرئيسي إلى إعداد تحقيقات استقصائية، تسليط الضوء على الجرائم التي لا يعاقب عليها مرتكبوها ضد الصحفيين. كان من بين هذه التحقيقات، التركيز على حادثتي اغتيال الصحفيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين أثناء تغطيتهم لمسيرات العودة، وإصابة الصحفي معاذ عمارنة برصاصة في العين في الضفة الغربية.

ومع اندلاع العدوان على قطاع غزة، تغيرت أولويات المشروع بشكل حاد ليشمل توثيق القصص الشخصية للصحفيين الذين تم استهدافهم بشكل متعمد، وتوفير مواد دامغة يمكن استخدامها في سياق ملاحقة جرائم الحرب.

"وكالة سند للأنباء" تمكنت من إجراء مقابلات مع القائمين على المشروع الذي يُوثّق ذكرى كل صحافي وصحافية فلسطينية استشهدوا أثناء تغطيتهم للأحداث في غزة.

"تخليد ذكرى الصحفيين"..

يقول منسق الأبحاث والسياسات في مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، والمشرف على المشروع، صالح مشارقة، إن "الهدف من توثيق الصحفيين الشهداء يتمثل في عدة جوانب رئيسية وطنية ودولية، أحدها هو جمع المواد والمعلومات لأي جهة فلسطينية أو عربية أو دولية تسعى لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين بسبب جرائمهم ضد الصحفيين"، موضحًا أن الفريق يعمل هذا التوثيق كمصدر قانوني وإثبات لاستخدامه في المحاكمات الدولية وفي سعي العدالة للمحاسبة.

ويضيف "مشارقة"، أعتبر توثيق الصحفيين الشهداء مهمة وطنية لبناء الذاكرة الجماعية والتأكيد على دورهم كأيقونات وشخصيات بارزة في النضال من خلال الإعلام والتوثيق، حيث قاموا بالعمل على كشف جرائم الاحتلال وإلقاء الضوء على القضايا الإنسانية والسياسية في فلسطين.

ويرى أن بناء ذاكرة الفلسطينيين حول هؤلاء الصحفيين يساهم في تخليد ذكراهم وفي إبراز دورهم البارز في مواجهة القمع والظلم، وهو جزء من تأكيد هويتهم ومقاومتهم ضد الاحتلال والظلم الذي تعرضوا له.

ويشرح "مشارقة" أن الطرق التي تم جمع المعلومات بها تضمنت توظيف ثلاثة صحفيين من قطاع غزة، وهم الزملاء رشا أبو جلال، يحيى اليعقوبي، وأحمد أبو قمر، الذين عملوا معه عن بُعد لمدة ستة أشهر بالتعاون مع جامعة بيرزيت.

ويُكمل، خلال هذه الفترة، تم جمع معلومات شاملة عن كل صحفي أو صحفية شهيد، تتضمن البيانات الشخصية، والحالة الاجتماعية، والمستوى العلمي والتعليمي، وتاريخ التخرج، بالإضافة إلى تفاصيل عن مسيرتهم المهنية وأماكن عملهم. كما تم جمع روابط للفيديوهات والصور والمواقع الإلكترونية التي نُشرت فيها مواد صحفية للصحفيين الشهداء.

ويسرد ضيفنا، تم جمع المعلومات أيضًا من زملاء الصحفيين وأهاليهم، بالإضافة إلى منظمات حقوقية ومراكز تعنى بحقوق الإنسان التي أصدرت بيانات وتقارير حول لحظة اغتيال الصحفيين الشهداء، مؤكدًا أن هذا العمل جمع هذه المعلومات لتوفيرها لأي جهة تسعى لملاحقة إسرائيل قانونيًّا، سواء كانت من السلطة الوطنية، أو منظمات التحرير، أو جامعات الدول العربية، أو السفارات، أو المنظمات الدولية.

ويوضح "مشارقة" أنهم أنجزوا توثيق 125 صحفي شهيد، ويعتزمون توثيق المتبقين منهم في الأشهر المقبلة.

وفي حديثه عن التحديات التي يواجهونها، يرى أنها تتمثل في عدم توفر الإنترنت والاتصالات الأرضية أو الهاتفية في قطاع غزة أثناء عملية جمع المعلومات، هذا أدى إلى أخذ وقت طويل في محاولة انتظار عودة الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو إمكانية الاتصال عبر واتس أب للتواصل مع الشهود، الأقارب، أو المنظمات الأهلية.

ويُشدد "مشارقة" أن الفريق الذي عمل معهم من قطاع غزة حاضر في المنطقة، لكن ظروف الحرب عطلت حريتهم في التحرك أو التواصل بحرية لجمع المعلومات من المصادر المحلية والدولية.

ويوضح ضيفنا أن المشروع الأصلي يتمحور حول كتابة تحقيقات صحفية غير مرتبطة بالصحفيين الشهداء، بل يشمل تحقيق حول الصحفي الشهيد ياسر مرتجة والصحفي الشهيد أحمد أبو حسين، اللذين يُشاركون في مسيرات العودة.

ويرد "مشارقة" بأنهم واجهوا التحديات بسبب عدم توفر الإنترنت والاتصالات في قطاع غزة، مما أدى إلى تأخر في جمع المعلومات، واستخدام وقتًا طويلا في انتظار عودة الاتصالات للتواصل مع الشهود والأقارب والمنظمات الأهلية.

ويضيف أنهم استفادوا من التعاون مع اليونسكو لتوثيق معلومات حول الصحفيين الشهداء، حيث قاموا بتوثيق 125 صحفيا في المرحلة الأولى، بالإضافة إلى إنتاج ثلاث تحقيقات تناولت الانتهاكات ضد الصحفيين في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر.

ويركز "ضيف سند" على كيف قام الاحتلال بمنع تشكيل نقابة للصحفيين وسجن العديد منهم، ومنع آخرين من ممارسة مهنتهم، مما أدى إلى تفاقم الانتهاكات بعد الهجوم في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك اعتقال الصحفي معاذ عمارنة وانتهاكات ضد عدد من الصحفيات الفلسطينيات بسبب نشرهن محتوى على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك.

وفي سؤالنا لماذا اخترتم اسم "الإبادة الجماعية" للمشروع؟ يُجيبنا "مشارقة"، أنه اختار اسم "الإبادة الصحفية" ليناسب حجم الفظاعة التي استخدمتها إسرائيل في قتل الصحفيين الفلسطينيين، ولم تكن إسرائيل تقتلهم عرضًا أو عرضيًا، بل قتلتهم بشكل مدبر ومسبق التخطيط، حيث اعتقلتهم في مراكز إعلامهم وأرسلت مسلحيها لاغتيالهم بين أهلهم.

ويؤكد "مشارقة" أن الجنود الذين نفذوا عمليات القتل كانوا يدركون تمامًا هوية ضحاياهم كصحفيين، فقد كانوا يرتدون خوذاتهم وستراتهم وشارات الإعلام. ومن هذا المنطلق، سُمي هذا التوثيق بـ "الإبادة الصحفية"، لأن إسرائيل لم ترتكب مجرد انتهاكات بحق الصحفيين، بل خططت وجمعت المعلومات وانتظرت لفترات طويلة ورصدت أهدافها في الميدان قبل أن تقتلهم بدم بارد.

ويلفت إلى أن الفريق حاول من خلال مصطلح "الإبادة" تسليط الضوء على الفظاعة والتدبير التي ارتكبتها إسرائيل ضد جميع الفئات في قطاع غزة، بما في ذلك النساء والأطفال وطواقم الإسعاف والدفاع المدني والمدنيين العاديين، بالإضافة إلى الصحفيين الذين كانوا في مهمة توثيق الأحداث في الميدان.

"واجب إنساني ومهني"..

الصحفي يحيى اليعقوبي من قطاع غزة الذي كان عضوًا في فريق التوثيق، يقول: "بدأ المشروع عندما بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكنا مرتبطين مع مؤسسة بيرزيت في مشروع للتحقيقات الصحفية، وتم اختيار الصحفيين الشهداء مثل ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين قبل بداية الحرب."

ويوضح "اليعقوبي" أن الصعوبات كانت كبيرة في التعامل مع حجم الظروف وانقطاع التيار الكهربائي، مع الحاجة الملحة لتوثيق قصص الشهداء والتواصل مع أسرهم.

ويكمل ضيفنا: "تفاجأنا بالاستهداف الكبير للصحفيين خلال الحرب، مما دفع المؤسسة إلى تغيير اتجاه المشروع، ورأيت مثابرة زميلتي رشا أبو جلال، لمواصلة العمل وإكمال المشروع بنجاح."

ويردد "اليعقوبي": "رغم كل التحديات الأخلاقية والبشرية، شعرنا في النهاية بالرضا لتقديم جزء من واجبنا الإنساني والمهني، وإظهار كيف انتهك الاحتلال حرية الصحافة وقتل الصحفيين بشكل مروع."

ويتحدث "ضيف سند" عن الجهود المشتركة مع زميلته رشا أبو جلال والصحفيين الآخرين في التعامل مع التحديات الكبيرة، وكيف كانوا يعملون على تغطية وتوثيق قصص الشهداء بمثابرة وإصرار شديدين.

ويضيف: "كانت القصص التي تعاملنا معها تتطلب أحيانًا أسابيعًا للبحث والتواصل مع أسر الشهداء، لكننا كنا ملتزمين بإظهار الحقيقة وإبراز الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين."

ويختتم "اليعقوبي" بتأكيد: "رغم كل التحديات والصعاب، شعرنا بالفخر والارتياح بعد تقديمنا لجزء صغير من الحقيقة والعدالة، وهذا ما دفعنا لمواصلة العمل رغم كل شيء".