أبرزت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية المخاطر المتزايدة على صحة وسلامة وحياة سكان قطاع غزة في ظل تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية للشهر العاشر، منبهة إلى أن الأوبئة والجوع يهددان بمضاعفة حصيلة الضحايا بشكل صادم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإحصائيات الرسمية تفيد بأن أكثر من 38 ألف شخص استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، لكن الباحثين يدرسون أيضا عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم كنتيجة غير مباشرة للحرب.
ويقول العلماء إن هذا القياس، المعروف باسم الوفيات الزائدة، يمكن أن يوفر مؤشراً أكثر صدقاً لحجم الصراعات والاضطرابات الاجتماعية الأخرى. على سبيل المثال، إذا مات شخص بسبب مرض مزمن لأنه غير قادر على الحصول على العلاج في منشأة طبية مثقلة بالحرب، فيمكن أن تُعزى هذه الوفاة إلى الحرب والصراع.
إبادة بشتى الوسائل
فضلا عن شن هجمات عسكرية دموية تستهدف أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة من مستشفيات ومصادر مياه ومرافق الخدمات العامة، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي فرضت إغلاقا محكما واستخدمت سلاح التجويع ضدهم بمنع الإمدادات الإنسانية.
وقد أثيرت مسألة الوفيات الزائدة في غزة في رسالة نشرت الأسبوع الماضي في مجلة لانسيت الطبية، حيث حاول ثلاثة باحثين تقدير عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أو سيموتون بسبب الحرب، بالإضافة إلى الوفيات التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة.
وحذر الباحثون من أنه من الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأوبئة والجوع، وهما تهديدان للحياة البشرية يمكن أن تتسبب فيهما الحرب. ولم يسمح الاحتلال الإسرائيلي للباحثين بدخول القطاع منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واستندت الرسالة التي نشرتها مجلة لانسيت، والتي قالت إن إحصاء الوفيات غير المباشرة في غزة "صعب ولكنه ضروري"، في تقديرها إلى النظر في دراسات سابقة للصراعات الأخيرة، والتي أشارت إلى أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بشكل غير مباشر يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة عشر ضعفًا لكل شخص مات بالهجمات العسكرية.
وبتطبيق ما أسموه "تقديرًا متحفظًا لأربع وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة واحدة"، كتب الباحثون أنه "ليس من غير المعقول" أن نقدر أن حوالي 186 ألف حالة وفاة يمكن أن تُعزى في النهاية إلى الحرب في غزة.
توقعات حتمية
قال سليم يوسف، طبيب القلب وأخصائي الأوبئة في كندا والذي شارك في كتابة الرسالة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن التقديرات كانت تستند إلى دراسات للصراعات السابقة، واعترف بأن "هذه توقعات حتمية".
وأضاف يوسف أن: "النقطة المهمة هي أن الأعداد الحقيقية للضحايا في غزة ستكون كبيرة للغاية".
في تحليل كتبه مايكل سباجات، أستاذ الاقتصاد في كلية رويال هولواي في جامعة لندن، والذي كتب عن الخسائر التي لحقت بالحرب في غزة، نبه إلى المخاوف من تفشي الأمراض المعدية مثل الكوليرا في ظل تحذير الوكالات الإنسانية من مستويات كارثية من الجوع.
وذكرت نيويورك تايمز أن الرسالة التي نشرتها مجلة "ذا لانسيت" ليست المحاولة الأولى لقياس الخسائر البشرية في غزة، بما يتجاوز الأرقام التي أوردتها السلطات الصحية في غزة.
في فبراير/شباط، أعد علماء الأوبئة في جامعة جونز هوبكنز وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي نموذجاً يظهر ثلاثة سيناريوهات مختلفة للحرب تؤثر على إجمالي الوفيات في غزة.
وتوقع العلماء أنه إذا ظل القتال والوصول الإنساني عند نفس المستويات، فقد يكون هناك 58260 حالة وفاة إضافية في الأشهر الستة من مارس/آذار إلى أغسطس/آب.
وموضوع الوفيات الزائدة حساس لأنه يمس “التكلفة الجانبية” لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.
فبالإضافة إلى العدد الكبير من الضحايا، ألحقت الهجمات أضراراً بالمستشفيات والملاجئ، فيما يقول مسؤولو المنظمات الدولية إن “إسرائيل” فرضت قيوداً أيضاً على الوصول إلى الوقود الذي تحتاجه المرافق الطبية للعمل.
وقبل الحرب، كان قطاع الصحة في غزة ينتج بيانات موثوقة، مما يساعد في نمذجة الوفيات الزائدة، ولكن عدم قدرة الباحثين على الوصول إلى غزة يجعل المهمة أكثر صعوبة، وفقًا لزينة جمال الدين، عالمة الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب.
ويقول جان فرانسوا كورتي، وهو طبيب إنساني ورئيس منظمة أطباء العالم غير الحكومية: "إن التوقعات بوصول حصيلة الضحايا إلى نحو 186 ألف شهيد والتي وردت في مجلة (لانسيت) الطبية، تتوافق مع الوضع الصحي والعسكري والجيوسياسي بسبب الحصار البحري والجوي والبري المفروض على قطاع غزة. وهذا التقدير يعكس بشكل حقيقي المأساة المطلقة التي يعيشها السكان على الأرض".
ويوضح كورتي "إذا أضفنا أولئك الذين من المرجح أن يموتوا بسبب سوء التغذية أو نتيجة للجروح التي أصيبوا بها نتيجة للقصف الإسرائيلي في الأسابيع والأشهر المقبلة، بسبب مخاطر العدوى الإضافية ولأن أمراضهم سوف يتم علاجها في وقت متأخر، فإن الرقم 186 ألف حالة وفاة المذكور في مجلة "لانسيت" هو رقم معقول".