كشفت المحامية في لجنة مناهضة التعذيب بالداخل الفلسطيني المحتل جنان عبده، عن وقائع جديدة تُظهر الظروف الإنسانية القاسية والمهينة التي يعيشها أسرى قطاع غزة، عقب زيارة أجرتها مؤخرًا لبعض سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت عبده في حوارٍ خاص مع "وكالة سند للأنباء"، إنّها التقت بأسرى غزيين نُقلوا مؤخرًا من معتقل "سديه تيمان" في صحراء النقب إلى سجون أخرى، مؤكدةً أنّ شهادات الأسرى تفيد بتعرضهم لتعذيب قاسٍ ومهين لكرامة الإنسان.
وأضافت أنّه خلال زيارتها الأولى لسجن عوفر للقاء أسرى غزيين نقلوا من "سديه تيمان، قامت إدارة السجون بنقلهم فورًا، بشكلٍ يبدو متعمدًا كي لا نوثق إفادتهم عما عاشوه في المعتقل سيء السمعة".
وعن ظروف احتجازهم نقلت الحقوقية عبده عن الأسرى التي التقت بهم أنّ إدارة السجون تفرض عليهم "تعصيب أعينهم وتقييد أطرافهم على مدار الساعة، والجلوس على ركابهم (الركوع) من الساعة السادسة صباحًا وحتى الحادية عشر مساءً كما تمنعهم من الحديث فيما بينهم".
ومن أساليب التنكيل التي تُسبب أوجاعًا جسدية وإيذاءً نفسيًا للأسرى، هو إدخالهم في غرف مغلقة من جميع الاتجاهات وتشغيل موسيقى صاخبة وحادة، إلى جانب استخدام الكلاب البوليسية لترهيب الأسرى وتفتيشهم بشكلٍ دوري.
وبحسب ما جاء في حديث الحقوقية عبده فإنّه جرى توثيق هجوم الكلاب على أجساد الأسرى في مراتٍ كثيرة، ما تسبب بإيذائهم وإصابة بعضهم بجروح.
بالإضافة إلى ذلك، لا تكترث إدارة السجون لأوضاع الأسرى الصحية وتمنعهم من الذهاب للعيادة لتلقي العلاج خشية تعرضهم لمزيد من الضرب، مؤكدةً أنهم يتعرضون لإهمال طبي متعمد يُعرض حياتهم للخطر، وفق عبده.
وذكرت أن العديد من الأسرى أصيب بأمراض جلدية ومشاكل صحية صعبة، بسبب منعهم من التوجه إلى دورة المياه والاستحمام وتبديل ملابسهم، علمًا أنّ شهادة أحد الصحفيين الأسرى في "سيدي تيمان" أفادت مسبقًا أن إدارة السجون تسمح لكل 4 معتقلين استخدام دورة المياه لمدة دقيقة فقط، ومن يتجاوز الوقت يتعرض للعقاب.
ولفتت الحقوقية جنان عبده إلى وجود 120 من الأسرى منذ شهور في مجمع يُشبه الحظيرة، يفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، مضيفةً أنّ إدارة السجون تتبع منذ شهور سياسة تجويع الأسرى عبر خفض كمية الطعام الممنوحة لهم، بما يتعارض مع القانون الدولي.
وأوضحت أن ما يقدم للأسرى عمومًا وليس أسرى قطاع غزة فقط، لا يتجاوز قطعتي خبر صباحا وظهرا، ويضاف لها ملعقة واحدة من الجنبة والتونة.
وفي هذا الإطار، دعت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الفلسطينيين لتجاوز كل القضايا والتضامن مع معاناة الأسرى المسكوت عنها، قائلةً إنه "آن الأوان لكل المؤسسات الفلسطينية أن تتحد لحماية غزة والأسرى في السجون".
وخلال مؤتمر صحفي عُقد صباح اليوم الخميس للحديث عن معتقلي غزة في ضوء إتمام زيارات جديدة لمعتقلين منهم في سجن عوفر أكد المحامي خالد محاجنة أنّ جريمة الإخفاء القسري لا تمكنهم من التعرف على أعداد أسرى غزة، والمرشح أنهم في حدود الـ 3000.
وأشار إلى أنّ الأسرى لا يعرفون الأعداد الصحيحة للشهداء والأسرى داخل السجون، في وقتٍ تتعمد "إسرائيل" إخفاء هذا الأرقام، مبينّا أنّ آلاف الأسرى في السجون ينتظرون زيارات المحامين لكن الاحتلال يواصل منع ذلك.
ونبّه المحامي محاجنة إلى أنّ المئات من الأسرى يتعرضون للاغتصاب والتعذيب في معتقل "سديه تيمان"، مطالبًا العالم بالخروج من غيبوبته لإنقاذهم.
مقاتل غير شرعي.. غطاء إسرائيلي لمزيد من الانتهاكات
منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين أول 2023 لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمحاكمة آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلهم من قطاع غزة، استنادًا لقانون "مقاتل غير شرعي" أقرّه الكنيست في العام 2002.
ويتيح القانون للسلطات اعتقال أشخاص دون صدور أمر من المحكمة لـ 96 ساعة، وبدون جلبه للقاضي لـ 14 يومًا، كما يُتيح منع اللقاء بالمحامين لـ 21 يومًا بالحد الأقصى.
لكن بعد الحرب الجارية على غزة، أقرت سلطات الاحتلال تعديلات على القانون تتُيح تفعيل القانون في حالة الحرب أو حين تكون الدولة فيما يُسمى بـ "عمليات عسكرية".
ورفعت التعديلات الجديدة مدة الاعتقال من 96 ساعة إلى 45 يومًا، وعدم إحضار المعتقل أمام القاضي من 14 يومًا لـ 75 يومًا، كما شملت التعديلات منع لقاء المحامي لفترة تتراوح من 180 يومًا إلى 6 أشهر.
وأفادت أن هذه التعديلات استُدعيت من قانون "غوانتنامو الأمريكي" وتتيح إخفاء الشخص وعدم الإبلاغ عن مكانه ودون أن يكون بالسجلات لـ 45 يومًا وهو ما يُعرف بـ "الإخفاء القسري".
وبحسب المعطيات المتوفرة لديها فإنّ الاحتلال اعتقل بموجب هذا القانون منذ بداية الحرب 2500 شخص من غزة (وفق اعتراف السلطات الإسرائيلية)، ولاحقًا تم الإفراج عن 1900 منهم ما يُثبت أنهم ليسوا "مقاتيلن غير شرعيين".
ومن بين المصنفين من معتقلي غزة تحت هذا البند، أطفال ونساء ومسن عمره 82 عامًا، وفق الحقوقية جنان عبده، مشيرةً إلى فتاة اعتُقلت في "سديه تيمان" بهذه التهمة، وتبيّن لاحقًا أنّ التعذيب القاسي خلّف لديها مشاكل في الذاكرة وأمراض صحية أخرى.
وفي معرض حديثها عن جهود الجهات ذات الصلّة، قالت جنان عبده إنّ لجنة مناهضة التعذيب في الداخل المحتل بالشراكة مع مؤسسات حقوقية، توجهت للمحكمة الإسرائيلية العليا للطعن بالتعديلات التي أُدخلت على قانون "مقاتل غير شرعي"؛ بسبب عدم معقوليته وقانونيته.
وعلى إثر الالتماس المُقدم، عقدت المحكمة أكثر من جلسة آخرها يوم الخميس الماضي، طالبت فيها السلطات المعنية للرد عليه مع بداية شهر آب/ أغسطس القادم، وفق المحامية عبده.
وفي ختام حديثها حثت جنان عبده على ضرورة الاستمرار بالضغط من كافة الجهات والمؤسسات؛ للوصول لإنهاء ظروف الاعتقال المأساوي التي يعيشها أسرى غزة، وبقية الأسرى في سجون الاحتلال.