قال تحليل صدر عن مركز دراسات إسرائيلي، إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومحور المقاومة حققوا إنجازات ضخمة في مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي تعد غير مسبوقة في تاريخ الصراع.
وأكد التحليل الصادر عن مركز "بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية"، أن هجوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، أحدث صدمة هي الأكبر في تاريخ المجتمع الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه نتيجة لهجوم "حماس"، تم إخلاء البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. كما أدى الخوف من هجوم بري من جانب حزب الله في الشمال إلى اتخاذ قرار بإخلاء البلدات الحدودية الشمالية أيضاً، الأمر الذي أسفر عن إخلاء نحو 200 ألف شخص.
وذكر التحليل أنه "من الصعب المبالغة في حجم الإنجاز الذي حققه محور المقاومة في فرض إخلاء مساحات كاملة من الأراضي وتقليص سيادة (إسرائيل)، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ إعلان الدولة".
قتل ما يعادل لواء كامل في الجيش الإسرائيلي
بحسب التحليل أسفرت المفاجأة الكاملة التي لحقت بجيش الاحتلال الإسرائيلي عبر هجوم طوفان الأقصى إلى مقتل العشرات من الجنود والضباط في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وبين أن خسائر "إسرائيل" مرتفعة جدا في الحرب على غزة، إذ خسر جيش الاحتلال ما يعادل لواءً كاملاً من القتلى والجرحى، من بينهم مقاتلون مهرة من الوحدات الخاصة وقادة ميدانيون بارزون.
وقال مركز الدراسات في تحليله إن السابع من أكتوبر/تشرين الأول نجح في حشد جبهة دولية واسعة ومتنوعة معادية لـ"إسرائيل" بشكل علني، بحيث تشن الدول والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان هجوما مستمرا على "إسرائيل".
ولفت التحليل إلى تنظيم مظاهرات ضخمة ضد "إسرائيل" ودعم لحركة "حماس" في أغلب العواصم الكبرى في مختلف أنحاء العالم.
وأشار إلى حملة أخرى تشن ضد "إسرائيل"، وهي الحملة القانونية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إذ تنتظر "إسرائيل" وقادتها دعاوى وملاحقات قضائية.
وبحسب التحليل فإن هذه التدابير ضارة ولها عواقب طويلة الأجل على موقف "إسرائيل" الدولي، في وقت هناك ذراع أخرى لهذه الحملة وهي حشد الطلاب في الولايات المتحدة وأوروبا للاحتجاجات المناهضة لـ"إسرائيل" والتي لم نشهد مثلها منذ الاحتجاجات ضد حرب فيتنام في الستينيات.
في الوقت نفسه، بين التحلي إلى أن هنالك تعزيزاً كبيراً لمنظمات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ومقاطعة اقتصادية متزايدة لـ"إسرائيل" من قبل بلدان وشركات كثيرة.
وأشار التحليل إلى حظرت بلدان مختلفة الصادرات العسكرية أو حتى نقل المساعدات كمحطة توقف، كما فعلت إسبانيا، التي رفضت السماح لسفينة هندية محملة بالمعدات العسكرية المتجهة إلى "إسرائيل" بالرسو في أراضيها.
أزمة اقتصادية هائلة
وأبرز التحليل أنه نتيجة مباشرة للحرب والنفقات العديدة التي رافقتها، يواجه الاقتصاد "الإسرائيلي" تحديات صعبة.
وقد انعكس هذا في قيام وكالات التصنيف الائتماني الرائدة بخفض توقعاتها لقوة الاقتصاد "الإسرائيلي" ونموه، خلال الاشهر الماضية.
ولا يعكس هذا التخفيض الصعوبات التي لحقت بالاقتصاد "الإسرائيلي" بسبب الحرب فحسب، بل إنه يجعل من الصعب على "إسرائيل" الحصول على القروض لتمويل العجز الناجم عن الحرب.
إعادة القضية الفلسطينية للصدارة
وذكر التحليل أن "طوفان الأقصى" أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام، فلم يعد من الممكن الحديث عن تقدم نحو تسوية إقليمية دون التطرق إلى القضية الفلسطينية، وهو ما يعني تنازلات إسرائيلية مستمرة.
وفي إطار الدعم العالمي للقضية الفلسطينية، أعلنت عدة دول اعترافها بالدولة الفلسطينية.
توحد جبهة المقاومة
التطور الأبرز الذي رصده التحليل، أن هجوم طوفان الأقصى حشد جبهة المقاومة لمهاجمة دولة الاحتلال بشكل غير مسبوقة بما يشمل حزب الله وهجماته على الحدود الشمالية وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر وأطلقوا الصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات على إيلات، فضلا عن هجمات منظمات عراقية.
وأشار إلى أنه "رغم أن حزب الله اختار شن حملة محدودة، إلا أنه تسبب مع ذلك في قدر كبير من الضرر لـ(إسرائيل) من خلال الكشف عن نقاط ضعفها وعجزها عن وقف نيران حزب الله بشكل فعال".
فيما أثارت هجمات الحوثيين على الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر والهجوم الإيراني الضخم على إسرائيل رداً على اغتيال أحد كبار مسؤوليها في سوريا ردود فعل ضعيفة نسبياً من العالم الحر. وهذا أمر مقلق في حد ذاته وله عواقب على قدرة الردع، وينعكس ضعف حلفاء "إسرائيل" على دولة الاحتلال بحسب التحليل.
كما أن الهجمات المتواصلة التي تشنها إيران وأركان جبهة المقاومة على دولة الاحتلال تكشف عن حالة تآكل الردع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والفشل في استعادة ردعها الإقليمي الإسرائيلي.
انقسام إسرائيلي هائل
بعد عشرة أشهر من الحرب على غزة، تفاقمت الانقسامات والصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي وعادت بقوة إلى الظهور حول قضايا تخلق خطاً فاصلاً بين أنصار الائتلاف والحكومة والمعارضة ومجموعاتها المختلفة.
وإلى القضايا المثيرة للجدل السابقة أضيفت قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة ووقف الحرب مقابل استمرار الحرب والضغوط العسكرية.
وتجري مناقشة هذه القضايا في جو من أزمة الثقة الحادة بين أعداد كبيرة من الإسرائيليين الذين لا يعتقدون أن القيادة القائمة تبذل ما يكفي من الجهد لاستعادة الأسرى من غزة.
بموازاة ذلك فإن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة وقادرة على شن الهجمات رغم مضي عشرة أشهر من حرب الإبادة والتدمير.
معضلة الخيارات الإسرائيلية
خلص التحليل إلى أن "قصة النجاح الإسرائيلية في إبراز قوتها الإقليمية، العسكرية والاقتصادية والسياسية، تلقت ضربة قاسية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والآن يدرك (محور المقاومة) هذا الضعف ويبحث عن فرصة أخرى لضرب دولة الاحتلال وإضعافها أكثر". وفي الخلفية تأتي مسألة التسلح النووي الإيراني، وهو ما يضيف بعداً درامياً آخر إلى الصراع الإقليمي.
وذكر أن "إسرائيل" تواجه معضلة، فهي أمام خيارين. الأول هو المحادثات لإنهاء الحرب والانسحاب من غزة، كما تطالب حماس. وفي مقابل هذا، والإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، مقابل الأسرى الإسرائيليين.
وبحسب التحليل من شأن اتخاذ هذا الخيار أن يجعل من الممكن التوصل إلى تسوية في الشمال، لأن حزب الله قال إنه سيوقف إطلاق النار فقط إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة.
لكن ذلك يحمل في طياته العديد من المخاطر وفق التحليل الذي اعتبر أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من شأنه أن يشكل في واقع الأمر استسلاماً إسرائيلياً وتكريس هزيمة دولة الاحتلال.
كما أنه من شأنه أن يمثل انتصاراً هائلاً لحماس وجبهة المقاومة. والانسحاب الإسرائيلي يعني استعادة سريعة لقدرات حماس العسكرية.
بموازاة ذلك سوف تجد "إسرائيل" التي تضررت قدرتها على الردع بشدة، صعوبة بالغة في اكتساب الشرعية والدعم سواء على المستوى المحلي أو الدولي لشن حملة برية تهدف إلى تدمير حماس. وقد تجد "إسرائيل" نفسها خاسرة في كل الاتجاهات.
وفي البديل الثاني، تستمر "إسرائيل" في حربها على غزة والاضطرار إلى التوصل إلى تسوية في الشمال، وإذا لم تنجح في ذلك، فلن يكون أمامها خيار سوى شن هجوم لإبعاد حزب الله عن الحدود.
وأكد التحليل أن هذا البديل أيضاً مليء بالمخاطر وبعيد كل البعد عن البساطة. فهو لا يملك حلاً واضحاً، وقد تجد "إسرائيل" نفسها في حرب إقليمية في حين تغرق في مستنقع غزة.
وفي كلا البديلين، لن تعود "إسرائيل" إلى واقع السادس من أكتوبر/تشرين الأول، وهي تواجه سنوات صعبة من الخطر الوجودي المطول.