هنا على أرض كل ما عليها ينطق مقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، حتى الدراما الفنية فيها لا يكون أبطالها نسجاً من وهم أو خيال كاتبها، بل هي تجسيد للواقع، ويأتي الفن راوياً لحكايا وإنجازات الفلسطينيين في قالب درامي؛ ليُوثقَ ويراه الجميع.

ويُعرض حاليا في شهر رمضان المبارك، مسلسلين دراميين فلسطينيين، يتناولانِ عدداً من القضايا المعاصرة والمهمة بالساحة الفلسطينية، وفي هذا التقرير يتحدث أبطالهما لـ "وكالة سند للأنباء" عن هذه الدراما الوطنية، ودورها، وأهميتها.

"شارة نصر جلبوع"

يحاكي مسلسل "شارة نصر جلبوع" عملية انتزاع ستة أسرى فلسطينيين حريتهم من سجن جلبوع الإسرائيلي في أيلول/ سبتبمر 2021، وهو من سيناريو وحوار محمود منصور وزكريا أبو غالي، وإخراج حسام أبو دان، وتم إنتاجه بالتعاون بين قناة القدس اليوم الفضائية وشركة "ميدل تاون".

ويُعرض المسلسل المكون من 30 حلقة، على 17 فضائية محلية وعربية، كفضائيتي "القدس اليوم"، و"فلسطين اليوم"، ويتناول عمليات الحفر، والهروب، والمطاردة "بشكل مثير ومشوق".


 

بطل المسلسل هو الفنان علي نسمان، يجسد دور الأسير محمود العارضة (العقل المدبر لحادثة الهروب) الذي حاول الفرار من السجن سنة 2014، ثم أعاد الكرة في تخطيط عملية "نفق الحرية" ونجح بها العام الماضي.

يقول "نسمان" عن أهمية تجسديه هذا الدور: "عندما يكون البطل حقيقيا، ويعرفه الناس، فإن هذه مسؤولية وأهمية كبيرة تجاه هذا الدور لهذا البطل"، واصفًا الحادثة بـ "المشرفة والعظيمة جدا"، وأنه من حق الأسرى تخليد بطولاتهم في قالب درامي يصل للعالم كله.

وعن أهم ما يميز هذا العمل الدرامي، يحكي "نسمان" أن واقعة الهروب تتحدث عن أبطال حقيقيين ليسوا وهميين، ولم يمر عليها عام، مشيرًا إلى أن فريق العمل بذل جهدًا كبيرًا لإتمام حلقات المسلسل، وعرضه أمام المشاهدين في الشهر المبارك.


 

إلى ذلك يُوضح الفنان غسان سالم، الذي يؤدي شخصية مدير الاستخبارات الإسرائيلي "إيلان"، أن الشخصية هذه بما تميزت به من همجية في التعامل مع الأسرى، رغم امتلاكها جانب من الحنكة العسكرية، إلا أن المسلسل أظهر ملامح الارتباك الذي طال المنظومة الأمنية الإسرائيلية، من عملية هروب الأسرى البطولية.

ويستطرد "سالم"، أن المسلسل بعرضه تفاصيل عملية "الهروب الكبير" التي واصل الأسرى خلالها حفر النفق لـ 9 أشهر، يتصدى لكل المحاولات الإسرائيلية لتقزيم بطولة الأسرى كما يحاول إعلام الاحتلال جاهدا لذلك.

وحول أهمية العمل، يُشدد "ضيفا سند" أنها تزداد بما تناوله المسلسل من مواضيع متنوعة وبارزة في حياة الأسرى، وتجسيد معاناتهم بتعامل إدارة السجون معهم، والحديث عن قضية تهريب النطف، والإضراب عن الطعام ومواجهة الإهمال الطبي، وغيرها من ظروف الأسر والزنازين.

"قبضة الأحرار"

وانتقالاً من الحديث عن الأسرى وبطولاتهم وإبراز معاناتهم، نحو المقاومة الفلسطينية وإنجازاتها، إذ يروي مسلسل "قبضة الأحرار" تنفيذ المقاومة عمليات "خلف خطوط العدو" ومجابهة الدعاية الإسرائيلية، وهو من إنتاج دائرة الإنتاج الفني في حركة "حماس"، وإخراج محمد خليفة.

ويُعرض المسلسل المكون من 30 حلقة، على 20  قناة فلسطينية وعربية، منها: "الأقصى" و"اليرموك" و"راجعين" و"المنار" و"فلسطين اليوم" و"القدس اليوم" و"درر".
 

ويرى بطل المسلسل رشاد أبو سخيلة، الذي يجسد شخصية أمير كقائد كتيبة مقاومة، بأن المسلسل تناول قضايا محورية بالقضية الفلسطينية، ووصفه بـ "العمل الاستخباراتي المعلوماتي" بشكل أساسي، ويرتكز على حرب العقول مع الاحتلال.

ويردف "أبو سخيلة" أن العمل يتناول عملية "قبضة الأحرار" بأراضي الداخل المحتل، ويسلط الضوء على إنحاز المقاومة بغزة كإفشال عملية "سيريت متكال" الإسرائيلية التجسسية، والتي سرعان ما أصبحت صيدا ثمينا للمقاومة، بعملية عرفت بـ "حد السيف" في عام 2018، مرورا بقضايا وأحداث عايشتها غزة خلال معركة "سيف القدس" الأخيرة في مايو/ أيار 2021.

ويُبيّن أن "المشاهد عندما يتابع المسلسل، يرى شوارع وأحداث ومسميات حقيقية، عايشها وعاصرها، ومنها ما سمع عنها أو رآها البعض بأم عينه، ويرى وقائع مجتمعية كما هي؛ ما يشكل جانبا تأثيريا أكبر لهذه الدراما في نفسية المتابع".

ومن أهم هذه الشخصيات الحقيقية والمعاصرة التي كان لها دور بارز في خدمة وتطوير المقاومة، الدكتور جمال الزبدة الذي استشهد خلال العدوان الأخير على غزة في مايو/ أيار 2021، ويؤدي شخصيته في المسلسل الفنان علي لبد.

ويقول "لبد" إن تجسيد دور العلماء في خدمة القضايا الوطنية أمر مهم جدا، ويتعين على الدراما إبرازه.

ويعتقد أن دراما المقاومة لها "أثر في إحياء الأمل بنفوس كل الفلسطينيين بأن هناك جهود وتخطيطات كبيرة تُبذَل على مختلف الأصعدة؛ من أجل الدفاع عن هذه الأرض وقضيتنا العادلة".

مقاومة متكاملة

وحول أهمية الدراما والفن بخدمة القضية الفلسطينية، تقول تسنيم المحروق، المشاركة بكتابة سيناريو مسلسل "قبضة الأحرار"، "آن الأوان أن تخرج القضية من ثوب الأساليب التقليدية والإخبارية والاعتقال إلى طرق جديدة مُجدية كالدراما، التي تتغلغل بأفكار ومشاعر العالم؛ لحشدهم حول القضية، والتأثير فيهم".

وترى "المحروق" أن الدراما تتكامل مع أشكال المقاومة المعهودة، ووسيلة نضالية بقالب تأثيري جذاب، لافتةً إلى أنها لا تقل أهمية عن السلاح بمجابهة الاحتلال، وأن إبراز الرواية الفلسطينية مقابل ما يعرضه الاحتلال واجب فني وطني.

ويتفق "ضيوف سند" مع "المحروق"، مضيفينَ أن هذه الأعمال الفنية أثبتت نجاعتها كوسيلة مقاومة بإزعاجها الاحتلال، وبدليل مناقشة إعلامه للمسلسلين بوصفهما "كأنهما انتصار لأحداث حقيقية وواقعية".

ففي نهاية أول أسبوع من رمضان، تحدثت القناة الـ 11 الإسرائيلية، عن ضخامة إنتاج "شارة نصر جلبوع"، ونجاح القائمين على العمل في إيجاد بيئة في قطاع غزة مشابهة للمنطقة التي يقع في سجن جلبوع، والمنطقة التي حدثت فيها عملية المطاردة للأسرى الستة.


 

أيضًا وصف الصحفي الإسرائيلي، ألون بن دفيد، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" حول مسلسل "قبضة الأحرار" بأنه "فخر إبداع حركة حماس"، زاعمًا أن المسلسل يندرج في إطار التحريض بالتزامن مع حلول شهر رمضان، الذي يشهد منذ بدايته مواجهات عنيفة في الضفة الغربية والقدس.

تحديات ومعيقات

وعن أبرز التحديات والمعيقات التي تواجه البيئة الفنية بغزة، يُجمع "ضيوف سند" أنها تتمثل بقلة الإمكانيات المتاحة، ومنع الاحتلال دخول بعض المعدات اللازمة للتصوير، عدا عن الحصار الذي يحرم الفنانين من اكتساب خبرات من الخارج، أو حتى استقدام خبرات للقطاع للمساهمة بتطوير العمل الدرامي.

ويشتكى القائمون على إعداد وبث المسلسلين الدراميين من "حرب تشنها عليهم مواقع التواصل الاجتماعي"، إذ تعرضت حلقاتهما مسلسل والحسابات التي تعرضها وتروج لها للحذف في عدة منصات، بما فيها موقع "يوتيوب".