بأناملها الرقيقة، تُصيب كل شيء تلمسه بعدوى الجمال والإبداع، تُدهشك أناقة التفاصيل الصغيرة في أعمالها الفنية، تتلمس معها فيضاً من المشاعر الجميلة، وتعتريك البهجة حين يسقط بصرك على لوحةٍ أنجزتها لطالبها بدقة وإتقان.
بين قصاصات الورق التي تُغرق المكان من حولها، تتفحصُ الشابة إيمان الطيب (23 عاماً) من غزة، كل شيء بعناية، تُفاضل بين ألوانٍ بهية، تنتقى الأجمل، وتبدأ بمصافحة لوحتها الفنية، ليمضي الوقت عليها بكل حبٍ، حتى تنتهي من لوحتها، تحدّق فيها، وتشعر بسعادةٍ غامرةٍ، لما صنعته يداها.
إيمان، كمثيلاتها من المبدعات، لم تدرس هذا الفن، إنما موهبة لامست روحها، منذ أول نظرة رأت فيه قصاصات الورق تُبوح بأسرار الروح التي تريد، وتحتفظُ بذكرياته الجميلة، فارتأت أن تصنع منها لوحاتٍ فنية ملفتة وبهية، لتحتفظ بجمال اللحظة والشعور.
فن لف الورق
وعن فن لف الورق التي تُبدع فيه إيمان تقول لـ"وكالة سند للأنباء"، أنه فن عالمي يُعرف باسمQuilling، ويقوم على تشريح الورق المقوى الملون إلى شرائح رفيعة متساوية في الطول والسمك، ولفها حول نفسها، بواسطة إبرة خاصة على شكل حلزوني، بعدها يتم تشكيلها وفق أساسيات لف الورق وتجميعها على اللوحة".
قبل ثمانية أعوام، اتجهت إيمان نحو هذا الفن، والذي كانَ بمثابة شيء جميل تقضي به أوقات فراغها، حيث بدأت بتشكيلات بسيطة من الورق، فكانتْ لوحة لطائر الطاووس، ثم عكفت على تطوير مهاراتها بشكل أكبر، حتى أتقنت صنعه بشكل مميز وفريد.
فنٌ مميز
شاركت الشابة إيمان في الكثير من المعارض الفنية على مستوى قطاع غزة، وانضمت لإحدى المشاريع الفنية، بالإضافة لعملها كمدربة مختصة بهذا المجال في العديد من المدارس، ومنشطة في المراكز الثقافية.
جميع المشاركات السابقة، كانَ لها الفضل الكبير في تحفيز إيمان خلال رحلتها الفنية، فساعدتها في تطوير قدراتها الكامنة، وفرصة لإظهار موهبتها للمجتمع من حولها، ودافعاً قوياً لأن تستمر في نثر الجمال على كل لوحةٍ تقع بين يديها.
الكثير من الطالبات اللواتي شاركن في دورات لف الورق التي تنظمها إيمان، غمرتهم الفرحة بعد استطاعتهم تعلم إنجاز بعض اللوحات لأنفسهن، وتعلم هذا الفن الذي قد يُساعدهن في ملء أوقات فراغهن، من خلال إنجاز شيء يُسعد القلب، ويستثمر الوقت معاً.
وحول اختيار إيمان لهذا الفن عن غيره من الفنون، توضح لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الفكرة راودتها في بادئ الأمر لكثرة الورق، ورخص ثمنه، والذي غالباً ما يؤول إلى سلة المهملات، فداهمتها فكرة استغلال الورق بشيء أفضل، يسر كل من نظر إليه، ويستغرب مما أحالته إليه.
لقد لامس الفن روح إيمان، كونه فن راقٍ ومميز، وليس معروفاً أو دارجاً في قطاع غزة، فكان بمثابة فرصة لها من أجل تحقيق التميز، وإحداث إضافة نوعية لعالم الفن، لتكون أول فنانة غزية تنقل هذا الفن إلى داخل غزة، وتتقنه _ كما تبين لـ "وكالة سند للأنباء".
شغفٌ وصدق
شعور السعادة يتضاعف في روح إيمان، مع كلِ لوحة تصنعها بمدادٍ من المشاعر الصادقة، ويتملكها الشغف دائماً لإنجاز لوحاتٍ جديدة، تحمل أفكاراً فريدة تواكب التطور وتلامس أرواح الناس في مناسباتهم المختلفة.
وعن مدى إقبال الناس على هذا الفن، تضيف إيمان:" الكثير من الأشخاص يبحثون عن شيء جديد، غير تقليدي، وبنفس اللحظة يكون مميزاً، وهذا ما شعر به طالبي اللوحات الفنية من خلال عملي، ما يزيد من نسبة الإقبال عليه وانتشاره بين أوساط الناس".
تحاول إيمان من خلال عملها في مجال لف الورق، توثيق اللحظات السعيدة لمن حولها، فالكثير يطلب منها توثيق أسماءهم، أو تواريخ مميزة في حياتهم يحتفلون بها، كذكرى أعياد الميلاد، والزواج، والصداقة، وغيرها من المناسبات الأخرى.
إيمان تؤمن أنّ هناك في حياة الشخص، لحظة فارقة قد تغير حياته، وفرصة قد تمنحه عمرا ًإضافياً فوق عمره، إذا أحسن التقاطها، وفتح نوافذ روحه وعقله لتتسرب إليها، ليشحذ بعدها الهمة والشغف من أجل أن يكون شخصاً مميزاً في هذا المجتمع.