لا يشبه الشتاء في قطاع غزة أي مكان آخر، أطفال وكبار يسيرون تحت المطر بثياب رقيقة، وأحذية بالية، أجسادهم ترتجف، تارة خوفًا من أصوات القصف، وتارة أخرى من الصقيع الذي تغلغل في أجسادهم، حتى بات البرد سببًا آخر للموت هناك.
"صحيوا ولادي بنص الليل بسبحوا، بسبحوا حرفيًا بمي الشتا، فرشاتهم بتسبح!!".. بهذه الكلمات وصفت الصحفية أمل حبيب من شمال غزة حال أطفالها الذين استيقظوا ليلًا يرجفون بعد أن أغرقت مياه الأمطار فراشهم.
وتابعت "حبيب" في منشور على صفحتها على فيسبوك: "مع العلم أنا ساكنة بحاصل "مخزن"، عنّا سقف الحمد لله، عنّا حيطان نسند ضهرنا عليها كمان، بس الشتا دخل علينا من الحيطان والسقف ومن بين الركام، حاصرتنا المي، غرقنا!".
وأردفت: "خافوا الأولاد، بردوا، صاروا يرجفوا، رجفة الخوف والبرد، عارفينها؟، صرنا نرفع فيهم وبالفراش، وبالحرامات، كل اشي صار ينقط!، قعدت ع جنب، بكيت بقهر، رفعت ايديا ع السما، صرت أدعي " الخيام يارب، يارب أطفال الخيام يارب، أهلنا بالخيام يارب".
وختمت بالقول: "لم أبكِ رجفة قلب صغاري بردًا وخوفًا، بكيت أطفال الخيام، أهل الخيام، أهلي، وجعي!!".
وتضاعفت معاناة النازحين في قطاع غزة خلال الأيام الماضية، حيث يضرب منخفض عالي الفعالية الأراضي الفلسطينية، وسط ظروف معيشية قاسية يعيشها النازحون الذي يصل عددهم 2 مليون في قطاع غزة، يعيش غالبيتهم في خيام مهترئة لا تصلح للعيش الآدمي، ولا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء.
خيام تغرق وأجساد ترتجف..
قد تكون ممن يحالفهم الحظ إذا امتلك طفلك حذاءً أو ملابس شتوية تحمي جسده الغض من البرد القارس، فقد بات البرد كابوسًا آخر للأمهات في غزة، بعد أن حصد أرواح أطفال تجمدوا داخل خيامهم وتوقف الدم في عروقهم وأعلنت زرقة أجسادهم رحيلهم عن عالم خذل طفولتهم وحقهم بالعيش كباقي أطفال العالم.
تقول إحدى الأمهات التي تسكن خيمة في مواصي خانيونس: "لم أعد أعرف النوم، طوال الليل أتحسس أطفالي داخل الخيمة، بعد الأخبار المفزعة عن وفاة أطفال بردًا في الخيام، أخشى أن تتجمد أطرافهم، أو أن ينام أحد دون أن يستيقظ من شدة البرد".
وصباح اليوم، استشهد طفل فلسطيني رضيع نتيجة البرد الشديد، فيما تضررت من جديد مئات الخيام التي يقطنها النازحون في قطاع غزة؛ جراء الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة؛ وهو ما فاقم معانتهم ومأساتهم.
وأفادت مصادر إعلامية صباح اليوم الثلاثاء بوفاة الطفل سند وسام كامل عياد (4 شهور) نتيجة البرد القارس وانعدام وسائل التدفئة في خيام وأماكن النزوح، مشيرةً إلى أنّه وصل جثة هامدة إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة.
ويمضي الليل ثقيلًا على أهالي غزة، ينتظرون أن يطلع النهار، فيبدأ الرجال بإصلاح الخيام، وتعمل النساء على محاولة تجفيف الأغطية والحاجيات التي أتت عليها الأمطار.
أما الأطفال، فتراهم يسيرون بين الخيام بأطراف ازرقت من البرد، بينما تمتلئ أقدامهم بالطين، وكثيرون منهم يسيرون دون حذاء، فمن يملك حذاءً جيدًا في غزة فقد ملك شيئًا ثمينًا يفتقده الكثيرون.
وخلال اليومين الماضيين، أظهرت العديد من مقاطع الفيديو والصور التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد النازحين وهم يحاولون إصلاح وترميم ما أتت عليه مياه الأمطار وعصفت به الرياح.
في حين، أشار جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة، إلى تلقى مئات اتصالات الاستغاثة من النازحين الذين غمرت مياه الأمطار خيامهم وأماكن إيوائهم يناشدون بإنقاذ أطفالهم.
وناشد المواطنين في مختلف أنحاء القطاع بضرورة إدخال المساعدات لا سيما الخيام والشوادر، في ظل ارتفاع أسعارها بشكل كبير جدًا وعدم مقدرة غالبية المواطنين شراءها أو الحصول عليها.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في بيانات سابقة اطلعت عليها "وكالة سند للأنباء"، إن مليوني نازح يعيشون ظروفاً إنسانيةً كارثيةً نتيجة مباشرة لجريمة الإبادة الجماعية، ما دفعهم للجوء إلى العيش في خيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، حيث اهترأ منها 110,000 خيمة من أصل 135,000 خيمة، وأصبحت خارج الخدمة وغير صالحة للاستخدام.
وأشار المكتب الإعلامي لارتفاع عدد الوفيات بسبب البرد القارس وموجات الصقيع بين النَّازحين في الخيام إلى 7 وفيات، لافتًا إلى أن العدد مُرشح للزيادة بسبب الظروف المأساوية التي يعيشها النازحون الذين دمر الاحتلال منازلهم وباتوا يسكنون الخيام منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ قرابة 15 شهراً.
وأضاف: "كُنا قد حذّرنا أكثر من مرة من خطورة قدوم المُنخفضات الجوية وفصل الشتاء وموجات الصقيع بالتزامن مع الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني الذي يتعرض للقتل والإبادة والتدمير للمنازل والقطاعات الحيوية، ويتعرض للتشريد والتهجير".
وأكد "الإعلامي الحكومي"، أن هذه المأساة تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف في العالم لتحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، ونشدد على أن صمت العالم على هذه المعاناة يمثل تواطؤًا مع الظلم واستمرارًا لمأساة إنسانية لا يمكن قبولها.