ثمَّة ما يُخيف في الولوج إلى عالم الأمهات من رهبة وخوف، والأكثر رعباً هو غيابُهُنّ، ومشاعر الفقد التي تُمزِّق القلب إذا كانت الراحلة أُم! فكيف الحال وأبناء غزة يودعون كل يوم سنداً وحناناً أسدلنَ خلفهنَّ ستار الحياة إلى الأبد.
لا زالت صرخات ذلك الشاب الفلسطيني تدوي في ساعات الليل الحالك، وهو يقف وحيداً أمام باب ثلاجة الموتى المغلق في إحدى مستشفيات قطاع غزة، حيث ترقد والدته خلفه؛ متمنياً صوتاً يتسلل إليه ليوقظه من هذا الكابوس.
"يمَّا ردي عليَّ"..
وأظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، شاباً ينادي والدته خلف باب ثلاجة الموتى بصوتٍ يرتجف من الحزن، يتوسل إليها أن تجيبه وتتحرك، في مشهدٍ يعكس الألم الإنساني وسط القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع.
وظهر الشاب وهو ينادي والدته المُسجَّية " يما ردي عليّ"، " يما ردي عليَّ ليش بتتحركيش، ردي عليّ رُحتي ليش"(..)
ويُعيدنا هذا الشاب إلى آلاف المشاهد المماثلة التي تقصم ظهور أهالي قطاع غزة بفقدهم عائلاتهم وأحبتهم كل لحظة، وسط صمت دولي وتخاذل عربي.
وقبل أسبوعين، ظهر شاب جريح في وداع والدته الشهيدة كطفلٍ صغير يأبى مفارقة أمَّه، مودعاً لها "مع السلامة يا ماما، مع السلامة يا مسك فايح".
وجريح آخر فُجِع لحظة تعرفه على والدته الشهيدة، صارخاً " لا يمَّا، كانت بدها تنام جنبي، أمانة ارفعها عن الأرض"(..)
لحظة تعرف شاب مصاب على أمه شهيدة،،
— همّام 𓂆 (@hammam12m) November 8, 2023
موقف لا يتمناه أحد! ولا يتحمله أحد! ولا يمكن لأحد عاشه أن يتجاوزه أبداً
لا حول ولا قوة الا بالله
حسبنا الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/VBx8UESn8a
"والله ما عرفتك يما"..
كذلك حال المُسعف عبد العزيز البرديني الذي تفاجأ بوالدته جثة هامدة أمامه، جراء قصف إسرائيلي على المغازي وسط قطاع غزة قبل شهرين.
ويقول "البرديني" في مقابلة سابقة له تابعتها "وكالة سند للأنباء"، "عند وصولنا إلى المكان وجدنا سيارة تشتعل فيها النار وعدد من المصابين وجثمان سيدة على الأرض"
كرَّس عبد العزيز جهده من أجل حياة الطفل المصاب بجروح خطيرة عالماً أن عليه إنقاذ من بقي على قيد الحياة أولا، وحمل جثمان السيدة في الإسعاف ليتم التعامل معه لاحقاً في المستشفى.
لم يكن يعلم "البرديني" أن الجثة المغطاة بجانبه كانت "روحه" ولم يعرفها، وسرعان ما وصلوا إلى المشفى بدأ بتسجيل بيانات الشهداء، فكشف عن وجهها بعلامات الذهول والصدمة، مُخرجاً صرخةً مدوية "يما ما عرفتك، والله ما عرفتك، يما.. كنت بدي أسجلك مجهولة".
لم يكن هذا حلماً أو كابوساً، بل حقيقة قاسية، أن يحمل جسد أمه شهيدة، غير مدرك أن الموت قد فجعه بها(..)
في الأفلام ما بصير هيك موقف !!💔
— صالح الجعفراوي | Saleh Aljafarawi (@S_Aljafarawi) October 30, 2024
المسعف عبد العزيز نقل شهيـ ـدة معو في الإسعاف وما كان بيعرف انو هادي الشهـ ـيده هيا أمه !!💔
ماا عرف إلا لما كشفو عنها في المستشفى 💔
يااا الله ماا أصعب الموقف pic.twitter.com/M6AcH7hhw9
حتى مايو.. 24% من شهداء غزة نساء..
إلى ذلك، تشير تقديرات أممية صدرت في مايو/ أيار الماضي، أن 56% من شهداء قطاع غزة حتى التاريخ الشهر المذكور، من النساء والأطفال من بينهم 24% من النساء.
وخلال أغسطس المنصرم، أوضح الدفاع المدني الفلسطيني أن الأطفال والنساء يمثلون النسبة الأعلى بين شهداء القصف الإسرائيلي للمنازل السكنية، ومراكز النزوح.
وبحسب معطيات شهر أغسطس الصادرة عن الدفاع المدني، فإن من بين كل 10 شهداء كان 3-7 شهداء هم من فئة "الأطفال والنساء".
وبحسب الداع المدني فإن 2-8 جثامين من بين كل 10 جثامين شهداء تظهر عليها تشوهات، كالبتر والاجتزاء، بفعل شدة القصف، وتعرضها لانهيارات الأسقف والكتل الأسمنتية عليهم.
وتشهد نسبة الشهداء من الأطفال والنساء، تزايداً بسبب القصف الإسرائيلي المباشر دون سابق إنذار لمنازل الفلسطينيين، وللمدارس، والخيام التي تؤوي النازحين.