صدمة نفسية جديدة، تلاقها الإسرائيليون بعد المشاهد المصورة التي وثقت ظهور مقاومي "كتائب القسام" بزيّهم العسكري الرسمي وسط مدينة غزة، وهم يعتلون مركبات حديثة لا غبار عليها، وحولهم مئات الفلسطينيين يرحبون بهم وسط ارتفاع أصوات التكبير، أثناء عملية تسليمهم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث أمس الأحد.
هذه المشاهد أثارت تساؤلات حقيقية ما كان يفعله جيش الاحتلال في غزة طوال الأشهر الماضية؟ ومن أي جاءت المقاومة بهذه المركبات التي؟ وأين كان يتواجد هذا العدد من المقاومين؟ في ظل الحرب التدميرية التي استخدم فيها الاحتلال قوة نارية شديدة وفرض حصارًا مطبقًا على القطاع.
كما أثار ظهور الجرافات العملاقة، التي سعت إسرائيل لتدميرها منذ بدء الحرب، تساؤلات حول وجود "ثلاث غزات تحت الأرض" وليس مجرد أنفاق، حيث لا يمكن إخفاء مثل هذه المعدات الضخمة في أنفاق تقليدية.
وقال الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي إسماعيل مسلماني؛ إنّ مشهد مقاومي القسام أمس، ترك أثرًا بالغًا في الأوساط الإسرائيلية، فهو دليل على أنّ "هزيمة حماس" لم تحقق كما يدّعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وأكد مسلماني في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" الإعلام الإسرائيلي وصف مشهد القسام أمس أثناء تسليم الأسيرات بـ "دراما" داخل مجتمعهم؛ حيث لم يتوقع أحد حجم الحدث وطريقة خروج المقاومين بأعداد كبيرة وزيّ موحد وسيارات حديثة.
وتساءل الإسرائيليون: "أين الجيش الذي كان يكذب طوال الوقت؟ كيف خرجت هذه المعدات؟ ومن أين جاءت؟".
وأكد مسلماني أنّ هذا المشهد كان بمثابة ضربة قاسية للإعلام والسياسة والأمن الإسرائيلي، حيث أظهرت المقاومة الفلسطينية مستويات عالية من التنسيق والإعداد.
لفت أن هناك ضغوطًا داخلية في "إسرائيل" لتسريع عملية تبادل الأسرى وتقصير المرحلة الأولى من الاتفاق، خوفًا من تكرار سيناريو الاستعراض الذي كشف عن قوة المقاومة وقدرتها على الحفاظ على الأسرى في ظروف جيدة؛ رغم كل أساليب التضييق التي فُرضت عليها.
وتوقع أن تترك الصدمة الإسرائيلية من هذا الاستعراض آثارًا طويلة الأمد على المستوى السياسي والعسكري، خاصة في ظل الحديث عن احتمال عدم الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق.
وأكد مسلماني أن المشهد أظهر للعالم أن المقاومة قادرة على إدارة معركة إعلامية وعسكرية بدرجة عالية من الاحترافية، مما يضع "إسرائيل" في موقف دفاعي غير مسبوق.
وشددّ الباحث إسماعيل مسلماني، أنّ استعراض القسام لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان رسالة قوية لإسرائيل والعالم بأن المقاومة الفلسطينية ما زالت قادرة على مفاجأة الجميع، حتى في ظل أقسى الظروف.
هذا عبّر عنه الصحفي الإسرائيلي چاي بيخور، الذي قال: "يتم استقبال المقاومين كأبطال، يبدو الجميع بملابس جميلة، سيارات جديدة، منازل قائمة، ربما لم تكن هناك حرب، وكانت مجرد كذبة؟".
فيما تساءل صحفيون إسرائيليون في مقالاتهم عن "النصر المطلق" الذي كان يتحدث به نتنياهو طوال الأشهر الماضية أم أنه "النصر المطلق" لحركة "حماس".
أما المحلل العسكري صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل أكد في مقالٍ له اليوم الاثنين، أن المشهد الذي ظهرت به كتائب القسام أمس خير دليل على أنّ "حماس" لا تزال محافظة على قوتها العسكرية والمدنية.
وتطرقت القناة الـ 12 الإسرائيلية للسيارات البيضاء التي كان يعتليها المقاومون أمس، فهو ذات المشهد الذي أثر في صميم الإسرائيليين، عندما دخلت هذه السيارات المحملة بالمقاومين إلى مستوطنات غلاف غزة فجر السابع من أكتوبر 2023 (عملية طوفان الأقصى).
وقد أُصيب الإسرائيليون بالذهول أمس حين عاد المشهد ذاته في غزة متسائلين: "ماذا فعلنا؟ نحن لم ننتصر".
وظهر المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت رون بن يشاي بموقفٍ مماثل بعد مشاهد أمس، حيث قال إنّ "مصطلحات مثل إسقاط حماس والنصر الكامل تعبيرات تستخدم من مجال الأدب والشعر وليست مطالب تفرضها حكومة مسؤولة على عدو أيديولوجي قاسٍ كحماس".
وأشار إلى أنّه لا بد من الاعتراف أنّ "حماس ليست حركة دينية متطرفة وخارجية فرضت نفسها على أهالي غزة، بل هي تنظيم أصيل، في الثقافة والطموح والأيديولوجيا، يعبر عن مظالم الأغلبية التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة في القطاع.. حماس هي غزة وغزة هي حماس".
يُشار إلى أنّ كتائب القسام منحت كل أسيرة من الأسيرات الإسرائيليات الثلاث قبل الإفراج عنهن، ظرفا يحتوي على خريطة قطاع غزة وصور من الأسر، إضافة إلى شهادة تحمل عنوان "قرار الإفراج عن أسير -صفقة طوفان الأقصى".
وظهرت الأسيرات الإسرائيليات بحالة جيدة، بعكس أسرى فلسطينيين سبق أن أفرج الاحتلال عنهم، إذ بدت عليهم علامات التعذيب والتنكيل والتجويع، وخرج بعضهم بحالة نفسية منهارة.
وصباح أمس الأحد، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، يستمر في مرحلته الأولى مدة 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.